هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شكل المسجد الأقصى المبارك، بؤرة لتفجير الثورات والانتفاضات والهبات الجماهيرية منذ بدء الصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين، بداية بثورة البراق عام 1929 ومرورا بالعديد من الثورات والتي كان أهمها انتفاضة الأقصى التي أثمرت عن انسحاب الاحتلال ومستوطنيه من قطاع غزة، وانتهاء بـ"انتفاضة القدس" التي اندلعت في نهاية العام 2015.
وتشكل قضية المسجد الأقصى المبارك تحديا كبيرا لمشروع تصفية القضية الفلسطينية، وبرز ذلك في فشل مباحثات كامب ديفيد في العام 2000، حيث اندلعت انتفاضة الأقصى على إثر محاولة سلطات الاحتلال حسم القضية لصالحها من طرف واحد بدخول شارون إلى المسجد الأقصى في 28 أيلول عام 2000.
وقد أدرك سكان مدينة بيت المقدس الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى المبارك منذ بدء العملية السلمية في مدريد، وتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، فعملوا على تعزيز وجودهم وبرامجهم ومشاريعهم فيه والعمل على حمايته ليل نهار، وتوعية جماهير الشعب الفلسطيني وأبناء الأمة بقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك عبر آلاف الأنشطة والبرامج والمهرجانات والفعاليات وغيرها.
ودقت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، ناقوس الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى عبر شعارها (الأقصى في خطر)، وقد نجحت خلال ربع قرن من دفع الأخطار عن المسجد وإعاقة وتأخير مشاريع الاحتلال فيه، وذلك منعا لتصفية قضيته والقضية الفلسطينية تلقائيا بعد ذلك.
وأثمر عملها في تشكيل الوعي الجماهيري الجمعي لأبناء فلسطين بقضية الأقصى، والذي ظهر بشكل واضح وجلي خلال السنوات الماضية وفي الأحداث الأخيرة.
إن أهمية الصمود والثبات في مدينة بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك تكمن في أنها العائق الأخير أمام مشروع تصفية القضية الفلسطينية في ما يعرف بصفقة القرن، والتي رضيت عنها معظم دول المنطقة بما فيها الدول العربية والإسلامية الوازنة، وقد برهنت الأحداث الأخيرة سواء بعد هبة باب الأسباط عام 2017 وهبة باب الرحمة قبل يومين، أهمية ذلك الثبات والصمود وضرورة استمراره بأي ثمن.
وفي المقابل فقد عمل الاحتلال طوال السنوات الماضية على ترسيخ أمر واقعي تدريجي في داخل المسجد يتم تمريره مع الزمن، واستغلال مراحل الضعف لحسم القضية بشكل نهائي، كما أنه عمل وبصورة مستمرة على التعامل مع ردة الفعل الجماهيرية، وتفكيك منظومات العمل لكافة الأطراف في المسجد الأقصى المبارك.
وذلك عبر حظر وإغلاق المؤسسات واعتقال الرموز وإبعادها ومنعها من دخول المسجد الأقصى، وصولا للبطش بالمرابطين واعتقالهم وفتح ملفات الغرامات وسحب هوياتهم وهدم بيوتهم، وذلك لإضعاف حالة الصمود والرباط في المسجد الأقصى المبارك، تسهيلا لتنفيذ مخططاته.
وتتزايد المخاطر التي تتهدد المدينة المقدسة في ظل تسارع إجراءات الاحتلال لحسم قضية مدينة بيت المقدس بشكل نهائي، وتتزايد الخطورة بعد القرار الأمريكي الأخير، حيث وفر القرار غطاءً لسلطات الاحتلال في اتخاذ إجراءات حاسمة وكبيرة ضد الفلسطينيين في المدينة، والتي من المتوقع أن تباشر فيها الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة، بحيث تتم المسارعة إلى تهويد المدينة وحسم قضية المسجد الأقصى المبارك من طرف واحد.
وذلك دون الحاجة إلى أي اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاولة فرض وقائع خطيرة وجديدة على الأرض لصالح الاحتلال يصعب التراجع عنها في أي مفاوضات قادمة، ولعل أبرز هذه الإجراءات ما يأتي:
1. الشروع بالتقسيم المكاني في المسجد الأقصى المبارك عبر السيطرة على أجزاء معينة منه وتحويلها إلى أماكن عبادة خاصة باليهود تمهيدا لإقامة الهيكل المزعوم والسيطرة الكاملة على المسجد.
2. إلغاء دور إدارة الأوقاف الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك، وفرض سلطة وزارة الأديان الإسرائيلية على المسجد، ملغيا بذلك الدور الإسلامي الحصري في إدارة المسجد.
3. سحب الهويات والمواطنة المقدسية من المقدسيين المقيمين خارج جدار الفصل العنصري، والمقدر عددهم بـ130 ألف مقدسي سيحرمون من حقوقهم من الإقامة في المدينة أو دخولها، وهو ما سيقلل الوجود الإسلامي بنسبة الثلث تقريبا، ويزيد من نسبة اليهود في المدينة بشكل كبير.
4. القيام بضم الكتل الاستيطانية اليهودية الكبيرة إلى حدود بلدية الاحتلال، وهو ما سيحقق أغلبية سكانية تصل إلى 85% لصالح اليهود ضمن حدود بلدية الاحتلال، في الوقت الذي لا تزيد فيه حاليا على 63%.. وتحويل الفلسطينيين اإى أقليات مهمشة يعيشون في أحياء معزولة.
5. مصادرة وقضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية (على غرار أراضي الخان الأحمر) لإنهاء أي تواصل جغرافي ممكن بين مدينة بيت المقدس وباقي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
6. الضغط المتزايد على المقدسيين لتهجيرهم من المدينة، خاصة في المناطق المحيطة والقريبة من المسجد الأقصى المبارك، عبر هدم البيوت وفرض الضرائب والغرامات والإجراءات الأمنية المشددة لإجبارهم على مغادرتها، وتقليل أعداد الأهالي الذين يزورون البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك.
7. القيام بالاعتقالات والإبعاد والقمع لقيادات الحراك الشعبي (شباب الأقصى)، من أجل إنهاء أي مقاومة ممكنة من قبل المجتمع المقدسي لإجراءات الاحتلال ومخططاته في المدينة المقدسة.
8. مواصلة وزيادة الإجراءات الهادفة لإزالة الطابع التاريخي والحضاري الإسلامي للمدينة، وتغيير وجهها الحضاري لصالح الطابع اليهودي الذي تسعى سلطات الاحتلال لفرضه عبر تزييف المعالم والمباني الأثرية في المدينة (مشروع تلفريك).
9. مواصلة استهداف أهالي المدينة في أوضاعهم المعيشية، حيث يعيش 80% من سكان المدينة تحت خط الفقر.
10. بذل المزيد من الإجراءات الهادفة إلى عزل مدينة بيت المقدس عن محيطها العربي والإسلامي، عبر منع الفلسطينيين من الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948 من الوصول إليها.
إنه يجب العمل على زيادة الوعي لدى الشعب الفلسطيني بأنهم أصحاب الأرض وأصحاب التاريخ وأن المسجد الأقصى جزء من العقيدة.
وعليه فإنه يتعين تكثيف التواجد البشري والمؤسسي في مدينة بيت المقدس وخاصة في فترات التوتر والصراع، عبر تفعيل برامج الرباط المعروفة والتي يمكن استحداثها وتجديدها حسب التطورات على الأرض (مصاطب العلم، البيارق، شد الرحال، الاعتكاف، التحفيظ، المخيمات، عقد القران، فطورك في الأقصى، وغيرها..)..
.. إلى جانب الاحتكاك المباشر مع الاحتلال لمنعه من تنفيذ مخططاته، بتفعيل المقاومة الشعبية وصولا إلى التصعيد والمقاومة المسلحة، وأن تكون عمليات المقاومة تحت عنوان الرد على جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك.
وتجب المشاركة الحقيقية في ممارسة الضغط على الحكومات بشكل مبرمج ومستمر من قبل مؤسسات المجتمع المدني والشعوب الحرة.
ولا ننسى الدعم المالي لإسناد سكان مدينة بيت المقدس، عبر دعم مشاريعهم التعليمية والصحية والسكنية، إضافة إلى مساعدة الأسر المتضررة جراء السياسات الإسرائيلية التعسفية بحق المقدسيين.
ويتعين أن تبقى قضية مدينة بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك حاضرة في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من جهود الحكومات الإسرائيلية الحثيثة في التسريع من سياساتها التهويدية تجاه مدينة بيت المقدس، والمضي في مشروعها في تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانياً، فإن هناك تعويلا حقيقيا –وهذا ما تخشاه الحكومة الإسرائيلية- على ارتفاع الحالة المعنوية لدى المقدسيين والشعب الفلسطيني من جانب وتضامن شعوب الأمة الإسلامية معهم من الجانب الآخر، وإيمانهم بقدرتهم على مواجهة الاحتلال.. وخاصة بعد أن أشعلوا ثلاث انتفاضات مقدسية خلال أقل من خمسة أعوام، وهو ما سيكون له في المرحلة المقبلة تداعيات إيجابية على الصراع من جانب، ويؤدي كذلك إلى ضراوته من الجانب الآخر.