ودع المقدسيون عام 2022 بكثير من الحزن والألم، على ضوء ما يتعرضون له وأقصاهم من حرب ممنهجة
ومستمرة، وقد ودّعوا 19 شهيدا، من إخوانهم وأبنائهم (سبعة منهم لم يتم استلام جثامينهم)، بينما المئات من إخوانهم وأبنائهم وجيرانهم قد تعرضوا للقمع والتنكيل (2898مصابا)، عدا عن العشرات الذين زجت بهم قوات
الاحتلال في غياهب السجون، ومثلهم الذين هدمت منازلهم ورأيناهم يفترشون الأرض ويلتحفون
السماء.
علاوة على ذلك، وكعادتها، لم تتورع قوات الاحتلال خلال عام 2022 في استخدام المزيد
من البطش، حيث استخدمت قنابل الغاز، والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، بالإضافة إلى الرصاص
الحي. أيضا عمدت قوات الاحتلال إلى استخدام أسلوب الضرب المبرح بالأيدي وأعقاب البنادق،
طال النساء أيضا، كان أبرزها ما حدث من اعتداء على إحدى النساء في منطقة باب العامود
ليلة الاحتفال بعيد المولد النبوي.
شهد العام الماضي ارتفاعا في حدة استهداف هوية مدينة القدس بحملات التهويد والاستيطان، تزامنا مع تواصل الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك، والسعي لتكريس وقائع جديدة، وصولا إلى تقسيمه زمانيا ومكانيا.
كما
وشهد العام الماضي ارتفاعا في حدة استهداف هوية مدينة
القدس بحملات
التهويد والاستيطان،
تزامنا مع تواصل الاقتحامات المتكررة للمسجد
الأقصى المبارك، والسعي لتكريس وقائع جديدة، وصولا إلى تقسيمه زمانيا ومكانيا.
ولكن
بالرغم من ذلك كله، فإن شباب القدس في الميادين المختلفة قد سطروا فصلا جديدا من
سطور الفداء، ونجحوا في الحفاظ على ديمومة الروح الثورية، وإفشال مخططات العدو الساعية
إلى تدجين شباب القدس وإفسادهم.
قضم
الأرض
أما بخصوص الحرب المستعرة على الأرض، فقد حولت حكومة الاحتلال مدينة
القدس المحتلة خلال عام 2022 إلى ما يشبه ورشة بناء متواصلة، وذلك من خلال تصعيد وتوسيع المشاريع
الاستيطانية في أنحاء المدينة كافة، وبناء المزيد من البؤر الاستيطانية التي تخدم مخططاته
الهادفة إلى سلب المزيد من أراضي المقدسيين وتهجيرهم منها. وقد كان هذا العام من أشد
الأعوام وطأة على الأرض والجغرافيا المقدسية، حيث تعرضت أراضي المقدسيين (وليس آخرها
أرض الحمرا في بلدة سلوان) لهجمة شعواء مسعورة من قبل حكومة وبلدية الاحتلال والجمعيات
الاستيطانية، من أجل ضمها إلى المستوطنات القائمة أو إقامة مشاريع استيطانية جديدة،
وقد وصل عدد المشاريع الاستيطانية التي تم إقرارها في العام 2022 إلى نحو 72 مشروعا
استيطانيا.
تدنيس المسجد الأقصى المبارك
كان هذا العام من أشد الأعوام وطأة على الأرض والجغرافيا المقدسية، حيث تعرضت أراضي المقدسيين (وليس آخرها أرض الحمرا في بلدة سلوان) لهجمة شعواء مسعورة، من قبل حكومة وبلدية الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، من أجل ضمها إلى المستوطنات القائمة، أو إقامة مشاريع استيطانية جديدة.
وعلى
صعيد الاقتحامات، فقد صعّدت الجماعات الاستيطانية
من اقتحام المسجد الأقصى المبارك خلال عام 2022 بشكل ملحوظ، ولعل شهر نيسان/ أبريل الماضي هو الأصعب، وذلك لتزامن
الأعياد اليهودية مع شهر رمضان المبارك، أما بقية أشهر العام (التي لم تخلُ أيضا من الأعياد اليهودية)، فقد حرصت الجماعات الاستيطانية على انتهاك قدسية المسجد الأقصى،
وتنفيذ سلسلة من الانتهاكات غير المسبوقة فيه، منها:
- اقتحام الأقصى في لباس "الكهنوت"، ونفخ البوق في باحاته.
- أداء ما يسمى بـ"السجود الملحمي" في المسجد الأقصى وعند
أبوابه.
- إدخال قرابين نباتية، والرقص وترديد الأغاني ورفع علم الاحتلال.
- إتمام مراسم الخطوبة وارتداء ملابس فاضحة في ساحات المسجد،
- خروج قطعان المستوطنين من باب الأسباط مرتين.
- الاعتداء على المصلين ومحاصرتهم وإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز
تجاههم، واعتقالهم.
- تحطيم أبواب المسجد الأقصى، وبعض نوافذه الملونة.
- مواصلة الحفريات أسفل المسجد
الأقصى، ومنع أعمال الترميم، وقطع المياه عن مصلياته.
على ضوء ذلك، فقد تحول المسجد
الأقصى المبارك إلى ساحة معركة بين قوات الاحتلال والقلة من المرابطين الذين تحصنوا
في المصلى القبلي.
مزيد من التنكيل
- اعتقالات: صعَّدت سلطات الاحتلال من
الاعتقالات بحق المقدسيين خلال عام 2022، وذلك بهدف إخماد الروح الثورية لدى شباب القدس. وقد كثفت قوات الاحتلال
من حملات الاعتقال خلال فترة الأعياد اليهودية، بهدف تفريغ المسجد الأقصى من المصلين
والمرابطين، وإتاحة الفرصة لاقتحام المستوطنين دون حدوث أي ردة فعل من قبل الشباب المقدسيين. وقد وصل عدد المبعدين عن منطقة البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك
إلى نحو 902 مواطن مقدسي.
- أحكام جائرة: لم تتوان محاكم الاحتلال
الإسرائيلي للحظة واحدة في فرض أحكامها الظالمة، فخلال عام 2022 أطلقت محاكم الاحتلال
المئات من الأحكام الجائرة كأداة قمع ضد أهالي القدس، وتنوعت هذه الأحكام ما بين تمديد
الاعتقال الإداري (107 معتقلين) لأيام وأشهر دون تهمة، مرورا بالحبس المنزلي (217 حالة)
والسجن الفعلي (177 معتقلا)، وليس انتهاء بالمنع من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي،
وفرض غرامات مالية باهظة، وغيرها من الإجراءات التعسفية.
- الإبعاد والطرد: واصلت حكومة الاحتلال خلال عام 2022 سياسة الإبعاد التي
بحق المقدسيين، عبر أشكال متعددة أبرزها الإبعاد عن المسجد الأقصى أو البلدة القديمة
أو مدينة القدس بكاملها، كما عمد إلى تنفيذ عمليات إبعاد عن مناطق محددة لها طابع ديني
وتاريخي، مثل حائط البراق والقصور الأموية والبلدة القديمة. وقد وصل عدد المبعدين عن منطقة البلدة القديمة والمسجد الأقصى
المبارك إلى نحو 902 مواطن مقدسي.
- اعتداءات عنصرية: تزايدت خلال عام 2022 الاعتداءات العنصرية من قبل المستوطنين على المواطنين المقدسيين، سواء
المتوجهين إلى أعمالهم أو القاطنين في بيوتهم وأحيائهم، حيث تعرض المقدسيون لنحو 534
اعتداء. وتكمن خطورة هذه الاعتداءات في أنها تعيد للذاكرة التاريخ الإجرامي
للعصابات الصهيونية "شتيرن" و"إيتسل" و"الهاغاناة".
- مزيد من الهدم:
لم ترحم جرافات الاحتلال الصهيوني منازل
المقدسيين من تحويلها إلى ركام، حيث طالت عملية الهدم أكثر من 223 بيتا فلسطينيا، ولم
تتورع سلطات الاحتلال عن استعمال الترويع والعنف في سبيل تمرير سياسات الهدم، وقد أظهرت
مشاهد هدم منزل عائلة صالحية (التي رفضت الانصياع لأوامر الهدم لا سيما الهدم الذاتي)
في حي الشيخ جراح في شهر أيار/ مايو الماضي، بعد طرد سكانه الأمنين منه في البرد القارس وهدمه كاملا، فاشية هذه السياسة وعنصريتها. ومن أشكال الفاشية أيضا إجبار المقدسيين على هدم منازلهم بأيديهم،
وإلا فإن الغرامات الباهظة تنتظر صاحب المنزل بعد أن تهدمه له جرافات الاحتلال لاحقا.
شباب القدس
كشفت العمليات التي حدثت في مدينة
القدس خلال عام 2022 أن روح شعبنا ما زالت متقدة، وكانت عملية إطلاق النار التي
نفذها عدي التميمي في 8 تشـرين الأول/ نوفمبر 2022، على مسافة صفر داخل حاجز مخيم شعفاط، علامة فارقة لدى شباب
فلسطين الذين تنادوا لحماية المنفذ وتقليده (في
حلق شعر الرأس)، والهتاف باسمه في مدن فلسطين كافة. كذلك فإن انبعاث الحاضنة الاجتماعية
للمقاومة وإسنادها للمطارَد، عبر الإعلان عن إضرابات شاملة والعصيان المدني، قد أربك
من حسابات قوات الأمن الصهيونية، وزاد من حالة الإرباك خروج المطارد التميمي بعد عدة
أيام لينفذ عملية أخرى، قضى فيها.
ولم يكد الاحتلال يستفيق من عمليتي
عدي، حتى واجه في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 عملية تفجير مزدوجة في محطة
الحافلات بمدينة القدس، وأدت لمقتل مستوطنين وإصابة 48 آخرين.
كما وقعت 1148 عملية ما بين دهس
وطعن وإطلاق نار، بالإضافة إلى رشق قوات الاحتلال بالحجارة، والزجاجات الحارقة والمفرقعات
النارية (أدت إلى إصابة نحو 185 صهيونيا).
أسرلة التعليم
تصاعدت محاولات الاحتلال عام 2022 في فرض منهاج وزارة
المعارف الصهيونية وحظر تدريس المنهاج الفلسطيني، وأقدمت قوات الاحتلال على اقتحام
المدارس، وسحب تراخيص ست مدارس (المدرسة الإبراهيمية ومدارس الإيمان)، بعد أن اتهمت
وزارة المعارف الصهيونية هذه المدارس بعدم تدريس المنهاج المقرر "المحرف"
وبالتحريض ضد الدولة، ومن ثم فقد أصبحت تحت طائلة الإغلاق وسحب التراخيص الممنوحة،
وهنا فقد أصبحت هذه المدارس أمام خيارين:
- رفض الالتزام بالمنهاج الفلسطيني "المحرف" ومن ثم إلغاء
التراخيص وقطع المخصصات المالية، مما سيدفعها إلى رفع الأقساط السنوية، وعزوف أولياء
الأمور من تسجيل أبنائهم في هذه المدارس.
- الانصياع للابتزاز والقبول بتدريس هذا المنهاج، ومن ثم التحول بشكل
تدريجي إلى ماكينة تعليمية تخدم رواية الاحتلال.
كما وتسعى سلطات الاحتلال للسيطرة على مدرسة اليتيم العربي ومصادرة
الأرض المقامة عليها، وقد تفاجأت إدارة المدرسة باستبدال ملكية الجمعية بشركة تحمل
ذات الاسم، لكنها بتسجيل صهيوني.
بالمقابل، فقد واصل أهالي الطلبة عبر مجالس الأولياء رفضهم التعاطي
مع إملاءات وزارة المعارف الصهيونية، فيما أعلنوا الإضراب الشامل في مدارس مدينة
القدس المحتلة كافة أكثر من مرة.
تسريب العقارات في مدينة القدس
لوحظت زيادة في حالات تسريب العقارات المقدسية عبر أدوات سلطات الاحتلال الناعمة، التي يقف من خلفها تنظيم سري تديره جمعيات استيطانية، ويرعاه جهاز الشاباك الصهيوني، وبعض المرتبطين من العملاء والمأجورين من المحامين والسماسرة الفلسطينيين.
في الآونة الأخيرة، لوحظت زيادة في حالات تسريب العقارات
المقدسية عبر أدوات سلطات الاحتلال الناعمة، التي يقف من خلفها تنظيم سري تديره جمعيات
استيطانية ويرعاه جهاز الشاباك الصهيوني، وبعض المرتبطين من العملاء والمأجورين من
المحامين والسماسرة الفلسطينيين. وقد طالت مساعي تسريب العقارات كذلك بعض ضعاف النفوس
من الفلسطينيين النازحين إلى الأردن والمهاجرين إلى بعض الدول العربية والأوروبية.
وبينما نرى بأن هذه المساعي والمحاولات
البائسة قد أصبحت عابرة للدول، فلا بد إذن من فعل رادع تتضافر عليه الجهات والفعاليات كافة،
لتجفيف هذه المساعي البائسة.
المسجد الأقصى قبيل الإعصار
أخيرا، وبعد أن انكشفت للعيان حقيقة الكيان الصهيوني وحكومته الفاشية
الجديدة، يمكن القول بأن ملامح المرحلة المقبلة في مدينة القدس قد أصبحت واضحة، وأن
التصعيد الصهيوني سيتجاوز خلال العام الجاري كل الآفاق ويتخطى كل الخطوط الحمراء.
أحد المؤشرات على هذا التصعيد المرتقب قد عبّرت عنه جماعات الهيكل عبر مطالبة محاميها أفيعاد
فيسولي؛ مفوض شرطة الاحتلال في القدس بأن تتضمن السياسة الرسمية التي سيتبعها وزير
الأمن الداخلي الجديد بن غفير المطالب التالية:
بعد أن انكشفت للعيان حقيقة الكيان الصهيوني وحكومته الفاشية الجديدة، يمكن القول بأن ملامح المرحلة المقبلة في مدينة القدس قد أصبحت واضحة، وأن التصعيد الصهيوني سيتجاوز خلال العام الجاري كل الآفاق، ويتخطى كل الخطوط الحمراء.
1- تمديد ساعات الاقتحامات
الصهيونية للمسجد الأقصى.
2- السماح بكامل الصلوات
والطقوس التوراتية في المسجد الأقصى.
3- فتح باب الاقتحامات أيام
الجمعة والسبت، التي تغلق فيها شرطة الاحتلال باب الاقتحامات حاليا.
4- رفع أي حظر على إدخال
"الأدوات المقدسة" إلى المسجد الأقصى.
5- اقتطاع موقع لكنيس داخل
المسجد الأقصى.
6- إنهاء مرافقة الشرطة للمجموعات
المقتحمة، وتركها تتجول كما تشاء.
7- السماح بدخول اليهود
إلى الأقصى من جميع الأبواب .
8- عدم إغلاق المسجد الأقصى
أمام اليهود في أي مناسبة إسلامية.
9- إعلان "الحق المتساوي"
لجميع الأديان في "جبل الهيكل".
10- وقف الإبعادات عن الأقصى
بحق اليهود.
11- فتح باب كنيس المحكمة
التنكزية الخاضع حاليا لسيطرة وزارة الحرب أمام جميع اليهود.
ولتعزيز هذه المطالب، فقد دعت جماعة "العودة إلى جبل الهيكل"
وزير الأمن الداخلي بن غفير (بالتنسيق مع أجهزة الأمن التي تخضع لصلاحياته) لتسهيل
إجراءات جلب وذبح "قربان الفصح" في المسجد الأقصى المبارك، معتبرة التشكيلة
الحكومية الجديدة بمنزلة فرصة ذهبية لتحقيق هذه الطقوس في "جبل الهيكل".
وعلى ضوء هذه المخاطر وما يتوعد به الصهاينة، فإننا نوصي بالآتي:
1- على قوى المقاومة (في الأراضي الفلسطينية كافة)
أن تسارع في صياغة خطة تصدي ومواجهة
شاملة للعام 2023 وعلى الأصعدة كافة.
2- على الفصائل الفلسطينية كافة والقوى والأحزاب العربية والإسلامية، الإعلان عن مشروع وطني
لإنقاذ القدس ودعم أهلها.
3- على
القوى الوطنية والأحزاب السياسية في مختلف الدول العربية والإسلامية، أن تستنفر جهودها وأن تسارع في إعداد برامج وفعاليات مستمرة (لا موسمية)، وتحشد الجماهير لنصرة قضية القدس
والمسجد الأقصى المبارك.
4- على
المؤسسات الفلسطينية والعربية العاملة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، العمل على إطلاق
مؤتمر دولي في أوروبا أو أمريكا اللاتينية "مؤتمر القدس الدولي"، لحشد الرأي
العام العالمي ضد الحكومة الصهيونية الفاشية الجديدة.
5- إعداد قائمة سوداء تشمل أسماء من يقومون أو
يساعدون على عمليات تسريب العقارات المقدسية، ومطالبة البرلمانات العربية سن قوانين
محلية لتجريم المحامين وكاتبي العدل الذين يبرِمون عقود البيع والشراء.
6- على الجهات المعنية كافة، وخاصة السلطة الفلسطينية، والحكومة الأردنية، والجامعة العربية، ومنظمة
المؤتمر الإسلامي، أن تتحمل مسؤولياتها تجاه ما يجري في القدس والمسجد الأقصى المبارك.
7- إرسال عدة خطابات لجامعة الدول العربية ومنظمة اتحاد العالم الإسلامي،
إضافة إلى إرسال عدة خطابات لوزراء الخارجية العرب، وخاصة الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني،
ودعوتهم للتراجع عن اتفاقيات "أبرهام"، وتحشيد الشعوب العربية والإسلامية
ضد التطبيع مع العدو.
8- تشكيل
لجنة قانونية دولية لمواجهة قرارات سلطات الاحتلال المتعلقة بأسرلة التعليم، وتقديم
شكاوى للمحاكم الدولية، باعتبار قرارات الاحتلال الأخيرة قرارات عنصرية بحق طلاب فلسطينيين
يعيشون في أرض محتلة.