هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: العلاقات الخليجية ـ الخليجية معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971-2018)
الكاتب: محمد صالح المسفر
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات ـ الدوحة ـ قطر، نوفمير2018،
318 صفحة من القطع الكبير.
يسجل الكاتب والباحث القطري الدكتور محمد المسفر في كتابه، "العلاقات الخليجية ـ الخليجية معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971-2018)"، أن الدول الخليجية بدأت تعاني من موضوع البطالة، ولا سيما في ممالك الخليج الأفقر كالبحرين وسلطنة عمان، وإلى حدّ ما المملكة العربية السعودية، وباتت غير قادرة على توفير التسهيلات الأساسية والفرص الاقتصادية لمواطنيها.
وبالإضافة إلى معاناتها تراجعاً في قدرتها على تقديم الدعم، وإلى المشكلة الهيكلية للبطالة الطوعية، تعاني الدول الخليجية في الوقت الحاضر بشكل متزايد من الفجوة المتسعة في الثروة، داخل مجتمعاتها الوطنية، وذلك مع ارتفاع نسبة البطالة غير الطوعية أو البطالة الحقيقية وفي بعض الحالات معيشة بعض المواطنين في ظروف الفقر.
أما في ما يتعلق بالثروات الشخصية للأسر الحاكمة، فقد كانت هذه المسألة الأخيرة موضوعاً حساساً، لا بل كان موضوع نقاش في المنطقة لسنوات متعددة، وكان من الخطر على دول الخليج الاعتراف بأن هناك الآن أعداداً كبيرة من المواطنين المعوزين في بلدانهم بعد عقود من تصدير النفط والغاز وإيرادات الحكومة الكبيرة.
الاعتماد المفرط على قطاع النفط
تعيش منطقة الخليج العربي حالة من التناقض لا تتناسب مع أهميتها كمنطقة غنية بثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي المميز.
ورغم مكامن القوة في هذه المناطق الحيوية من العالم إلا أن مؤشرات الواقع السياسي والاقتصادي والأمني لا تشجع على الكثير من التفاؤل بالدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الإقليم في اقتصاديات القرن الواحد والعشرين.
تعاني معظم دول المنطقة من مشكلة الاعتماد الكلي على النفط كمورد شبه وحيد للدخل
وتعتبر منطقة الخليج من أهم أقاليم العالم على الإطلاق فيما يتعلق بموارد الطاقة وخاصة النفط الخام والغاز الطبيعي.
ويحتضن باطن الأرض في الخليج أكثر من 700 مليار برميل من النفط الخام كإحتياطيات مؤكدة، أي ما نسبته 65.8%من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام.
وتؤكد الدراسات والبحوث المتخصصة بأن المستقبل النفطي لايزال مزدهرَا وسوف يبقى في صدارة الطاقة واستخداماته الصناعية والتجارية طوال القرن الواحد والعشرين.
ويشير أحدث تقرير لاتحاد اقتصاد النفط الألماني MWV بأن الاحتياطي النفطي يرتفع باطراد من رقم قياسي إلى آخر.
خلل في التركيبة السكانية
ويعتبر الخلل في التركيبة السكانية من المشاكل المتأصلة في دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا بسبب تحول هذه المجتمعات إلى دول ريعية يتمتع فيها المواطن بكافة التسهيلات ومن بينها التعيين في الوظائف الإدارية والإشرافية تاركين قوة العمل الإنتاجية الحقيقية للعمالة الوافدة.
وتتراوح نسبة العمالة الوافدة في قوة العمل بين دول مجلس التعاون ما بين 59% في المملكة العربية السعودية 60% في البحرين وسلطنة عمان 82% في كل من الكويت وقطر 90% في دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما تعاني معظم دول المنطقة من مشكلة الاعتماد الكلي على النفط كمورد شبه وحيد للدخل. وقد ساهمت الارتفاعات المستمرة في سعر النفط الخام منذ بدايات عقد السبعينيات من القرن العشرين في تجاهل حكومات المنطقة لبدائل أخرى، الأمر الذي أدى إلى حدوث هزات عنيفة وعجوزات ضخمة في موازنتها العامة نتيجة تدهور الأسعار كما حدث في منتصف الثمانينيات وفي منتصف التسعينيات.
إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على النفط الخام أضعف إلى حد كبير البنى الهيكلية للاقتصاديات المحلية الأمر الذي يعد من التحديات الخطيرة التي تواجه المنطقة إذا ما انخرطت في أجواء العولمة الاقتصادية الآتية لا محالة.
إقرأ أيضا: التكامل الاقتصادي الخليجي يصطدم بـ"التباين السياسي"
على الرغم من محاولات التخطيط ووضع السياسات المختلفة، للحدّ من الاعتماد على النفط، فإنّ اعتماد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي عليه مازال اعتمادًا شبه مطلق، حيث أنّ حوالي ثلثي الناتج المحلي والدخل القومي مصدرها إنتاج النفط الخام، والثلث الأخير معظمه هو دخل غير مباشر للنفط، إضافة إلى كون حوالي 90% من الإيرادات العامة المحلية للميزانية، مصدرها الريع المتأتي من صادرات النفط، كما أن ما يقارب من 95% من إيرادات ميزان المدفوعات، تمثل قيمة الصادرات النفطية.
وتتبين، وتتضح خطورة الاعتماد على النفط وحده، إذا ما أخذنا في الاعتبار الأثر غير المباشر لريع صادرات النفط في دعم أجور ورواتب القوة العاملة، المواطنة والوافدة، وتمويل الاستهلاك العام والخاص، ودعم نشاطات الإنتاج السلعي من زراعة وصناعة تحويلية، فضلاً عن الخدمات في القطاعين العام والخاص، إلى الدرجة التي لا يمكن معها استمرار أغلب هذه النشاطات دون دعم مباشر أو غير مباشر، من ريع النفط ومنتجاته المكررة.
إضافة إلى اعتماد المنطقة على استيراد أكثر من 90% من احتياجاتها وتمويل ذلك من دخل صادرات النفط، وفي هذا السياق نشير إلى ما قاله المحلل الاقتصادي يوسف صايغ، من أن قطاع النفط كان لفترة طويلة "البقرة الحلوب"، التي تعطي المال ثم المال ثم المال، أما آن الأوان لربط هذا القطاع بقطاعات الاقتصاد الأخرى؟.
حوالي ثلثي الناتج المحلي والدخل القومي في دول الخليج مصدرها إنتاج النفط الخام، والثلث الأخير معظمه هو دخل غير مباشر للنفط
ولم تستغل الدول الخليجية النفطية عهد الوفرة المالية التي كانت تستغل كقناع تجميلي وأصبحت عرضة للتاكل مما نتج عنه انخفاض موارد أنظمة التعليم والتوزيع الأمثل لعائدات النفط على مشاريع التنمية.
ومن الآثار المهمة لتآكل الوفورات المالية في دول الخليج منذ الثمانينيات التوجه نحو استقدام العمالة الآسيوية الرخيصة بدلا من الأيدي العاملة العربية، ودفعها نحو الأعمال الهامشية غير المنتجة.
الهاجس الأمني
ويظل الهاجس الأمني من كبريات المشاكل المستعصية في المنطقة التي شهدت حربين متتاليتين منذ عام 1980 وعلى مدى عقد كامل، لازالت آثارهما الاقتصادية والسياسية المكلفة تحصد مئات المليارات من الدولارات سنويا على حساب مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن تدويل المنطقة وتزاحم الوجود الأجنبي خصوصا الأمريكي فيها وتحولها إلى ترسانة ضخمة من العتاد العسكري الذي لا يخلو من أسلحة الدمار الشامل. فقد بلغ حجم النفقات العسكرية لدول مجلس التعاون وإيران والعراق واليمن خلال العقد الماضي على شؤون العسكرة والدفاع حوالي 292.419 مليار دولار خلال الفترة من 1989 حتى 1998 ومما لا شك فيه بأن هذه النفقات قد استنزفت جزءا كبيرا من الموارد المالية لهذه الدول بدلا من توجيهها نحو مشاريع التنمية الحقيقية.
شكلت أزمة الخليج الثانية سببًا رئيسًا للقطيعة بين "الإخوان المسلمين" والعائلة الحاكمة في السعودية،
وبمقارنة هذه النسبة مع حجم التجارة المتبادلة بين دول الإقليم كل من العالم الصناعي وآسيا نجد الهوة شاسعة حيث بلغ متوسط صادرات وواردات دول الخليج والجزيرة مع العالم الصناعي خلال الفترة ذاتها نحو 95.860 مليار دولار وبنسبة 56.82%من مجموع تجارتها ومع آسيا حوالي 40.782 مليار دولار وبنسبة 23.54%من مجموع تجارتها العالمية.
حرب الخليج الثانية وتداعياتها
جاءت أزمة الخليج الثانية، عقب الغزو العراقي للكويت في 2 آب (أغسطس) 1990، لتجسد بداية القطيعة بين "الإخوان المسلمين" والعائلة المالكة السعودية.
ففي خلال أزمة الخليج في العامين 1990 ـ 1991، استقبل وزير الداخلية السعودي البالغ النفوذ في تلك الحقبة، الأمير نايف، وفداً ضمّ بنوعٍ خاص التونسي الشيخ راشد الغنوشي (الرئيس الحالي لحزب النهضة)، والسوداني حسن الترابي، واليمني عبد المجيد الزنداني، والتركي نجم الدين أربكان، وكلّهم ينتمون إلى حركة "الإخوان المسلمين"العالمية.
وطرح عليهم السؤال التالي: "هل تقبلون بغزو دولة لدولة؟ وهل الكويت تهدّد العراق؟"، فقالوا والله نحن أتينا فقط لنسمع، ونأخذ الآراء، بعد ذلك وصلوا إلى العراق، وتفاجأ الجميع بإصدارهم بياناً يؤيّد الغزو العراقي للكويت.
إقرأ أيضا: الإسلاميون وحكومات الخليج: مَن يهدد مَن؟
إذا كانت أزمة الخليج الثانية شكلت سببًا رئيسًا للقطيعة بين "الإخوان المسلمين" والعائلة الحاكمة في السعودية، فإنّ الأمير تفادى الإشارة إلى سببٍ آخر من أسباب غضبه، الذي يشاركه إيّاه أمراء آخرون في المنطقة:
وهو انخراط الإخوان المسلمين في العمل السياسي في مجتمعات الخليج، ومشاركتهم منذ ما بعد حرب الكويت في حركات الاحتجاج التي ضربت المملكة.
ذلك أنّ نظرتهم السياسية - حول دولة إسلاميّة بالطبع، إنّما تتأسّس عن طريق الانتخابات - تختلف عن الملكيّة القائمة على الولاء الثابت للعائلة المالكة السعودية.
وبالتالي فضّلت هذه العائلة أن تموّل التيارات السلفية، التي كانت تشعرها بالاطمئنان بسبب رفضها التدخل في المجال السياسي، ودعوتها إلى دعم أولياء الأمر، مهماً كانوا.
ثمّ تعمّقت الهوّة أكثر بين الرياض والجماعة في أعوام الألفين مع مشاركة الإخوان المسلمين، عبر حركة حماس الفلسطينية، في "محور المقاومة" في مواجهة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى جانب إيران وسورية وحزب الله اللبناني.
وعقب انهيار الإتحاد السوفيتي وحرب الخليج الثانية في سنة 1991 انقلب السحر على الساحر، ذلك أنّ الولايات المتحدة الأميركية وأطرافًا عربية دعمت حركة الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، واكتشفت إبّان أزمة الخليج أن هناك تغييرًا جذريًا طرأ على الإسلام السياسي، إذ برز مظهر جديد احتجاجي مناهض للسياسة الأميركية في المنطقة.
وقد وجد هذا الإسلام السياسي الراديكالي المناهض للغرب وللدول العربية الصديقة له، سندًا قويًا في الجمعية الإسلامية الباكستانية وحكمتيار، والثري السعودي المنشق أسامة بن لادن ،والذين أصبحوا جميعاً ينادون بالجهاد ضد الأمريكيين.