هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعيش المستثمرون العرب والأجانب في بريطانيا حالة من القلق والترقب، في ظل تزايد ضبابية مشهد عملية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي، فيما يحبس البريطانيون والأوروبيون، على حد سواء، أنفاسهم، قبيل الدخول في مرحلة عصيبة تهدد أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.
وبعد سلسلة من جلسات التصويت على صيغ مختلفة بشأن "بريكست"، التي وصفتها وسائل إعلام بريطانية بـ "فوضى التأجيل"، أيد مجلس العموم البريطاني، الخميس، مقترحا حكوميا يقضي بتأجيل موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى ما بعد 29 آذار/ مارس، ورفض إجراء استفتاء ثان بشأن الخروج.
وطالبت فرنسا، اليوم الجمعة، بريطانيا بتقديم اقتراحا واضحا حول "بريكست" قبل القمة الأوروبية في 21 و22 آذار/ مارس، مؤكدة أنه "لا حل من دون وضوح".
وقالت الرئاسة الفرنسية، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية إنه "على لندن أن تختار بين الموافقة على خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، أو على خطة بديلة واضحة وجديدة أو على خروج من دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي".
ومن جانبه، قال شتيفن سيبرت، المتحدث باسم المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل، اليوم الجمعة "من الواضح أن المراحل الأخرى يجب أن تصدر من بريطانيا، حول كيفية استمرار" الأمور في شأن "بريكست"، موضحا أن لندن لم تتقدم حتى الآن بطلب رسمي لإرجاء "بريكست" المقرر أصلا في 29 آذار/مارس.
ووفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حظي الاقتراح بتأييد 412 نائبًا، مقابل رفض 202، ما يعني أن بريطانيا ستطلب رسميًا من الاتحاد الأوروبي تأجيل الخروج إلى ما بعد التاريخ المذكور.
اقرأ أيضا: "عموم" بريطانيا يؤيد تأجيل بريكست ويرفض إجراء استفتاء ثان
مقترحات ماي
وجاء تصويت البرلمان البريطاني الأخير، وفقا للأناضول، عقب التصويت على أربعة مقترحات لتعديل اتفاق تيريزا ماي، مع الاتحاد الأوروبي، رفضها البرلمان جميعا.
وينص اقتراح الحكومة البريطانية على تمديد المادة 50 (من معاهدة لشبونة/ متعلقة بالخروج من التكتل) حتى 30 يونيو/ حزيران المقبل، إذا توصل النواب إلى اتفاق بشأن صفقة "ماي" بحلول الأربعاء المقبل.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد المذكور، فإن الحكومة ستسعى إلى تمديد أطول، ولكن حينها سيتعين موافقة الاتحاد الأوروبي على ذلك، وسيقوم بدوره بوضع شروط.
والمقترحات الأربعة التي رفضها البرلمان البريطاني تشمل إجراء استفتاء ثان على خروج المملكة من الاتحاد، حيث أيده 85 نائبًا، مقابل رفض 334. كما رفض النواب -بفارق صوتين- اقتراحا بنقل إدارة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى البرلمان بدلا من الحكومة.
ورفض النواب أيضا بفارق 3 أصوات، مقترحًا بتمديد موعد الخروج إلى 30 يونيو، فضلًا عن رفضهم مقترحا لزعيم المعارضة يقضي بتأجيل "بريكست"، ومنح البرلمان فرصة إيجاد أغلبية لخطة بديلة.
اقرأ أيضا: صحف بريطانية تتناول "خيبة أمل" ماي بعد "الهزيمة" (شاهد)
مرحلة عصيبة
وحول تأثير ضبابية مشهد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على مستقبل الاقتصاد البريطاني خاصة وعلاقات لندن الاقتصادية مع العواصم الأخرى خاصة الأوروبية والعربية، أكد الخبير الاقتصادي أنور القاسم، أن المرحلة الأولى من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون مرحلة عصيبة جدا على الاقتصاد البريطاني، كما هي عصيبة بالنسبة لأوروبا.
وقال القاسم، في تصريحات لـ"عربي21"، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني ضعف الاستثمارات في بريطانيا وخاصة الأوروبية، وانتقال بعض مراكز المال والبنوك العالمية من لندن إلى عواصم ومدن أوروبية منافسة.
وأوضح، أن "بريكست" سيغير كثيرا من مكانة بريطانيا الدولية، وكذلك سيغير من ملائتها الاقتصادية، بحسب تقديرات وكالات التصنيف الائتماني الدولية.
وأضاف: "هناك تقديرات أخرى بأن بريطانيا ستخسر مرتبتها كخامس اقتصاد دولي لمصلحة دول أخرى، خاصة في المرحلة الأولى"، مستطردا: "صحيح يمكن لبريطانيا في المستقبل أن تعوض خسائر خروجها من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا قد يستغرق وقتا طويلا خاصة أنها ستضطر لإعادة علاقاتها الاقتصادية مع الكثير من الدول، خاصة العلاقات المرتبطة بالاتفاقيات الأوروبية مع كافة دول العالم".
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى وجود صراع دولي اقتصادي (أمريكي-صيني وأمريكي-أوروبي) وهو ما سيخيم بالتبعية على الاقتصاد البريطاني إلى جانب أزمة "بريكست"، كما سيخيم بطبيعة الحال على الاقتصادي الأوروبي.
اقرأ أيضا: كوربين بصدد الدعوة لإجراء استفتاء جديد على "بريكست"
تداعيات سيئة
وتوقع القاسم، ارتفاع معدلات التضخم في بريطانيا، باعتبار أن معظم المواد الأولية تأتي من أوروبا، لافتا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في المرحلة الأولى على الأقل، سيترتب عليه زيادة في الضرائب على تلك المواد الأولية، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وفي محاولة للحد من آثار ارتفاع الأسعار نتيجة للزيادة المتوقعة للضرائب على المواد الأولية المستوردة، أوضح القاسم، أن بريطانيا اتخذت إجراء هاما جدا، وهو عزمها، في حالة الخروج دون اتفاق، تطبيق إعفاء ضريبي لنحو 88 بالمئة من السلع الأولية المستوردة، لمدة عام كامل.
وكشف الخبير الاقتصادي أن دوائر الاقتصاد والمال والصناعة في بريطانيا يضغطون بشكل كبير لتفادي الخروج من الاتحاد الأوربي بدون اتفاق، وهو ما انعكس على أداء البرلمان البريطاني ونتائج التصويت خلال اليومين الماضيين، التي أيدت عدم الخروج دون اتفاق، مؤكدا أن الحكومة البريطانية الآن أمام تحد كبير لإيجاد وصياغة آليات تجنب البلاد من تداعيات اقتصادية سيئة ستؤثر سلبا على الأوضاع المالية والمعيشية والتجارية للبريطانيين وكذلك الأوروبيين بعد "بريكست".
وقلل القاسم، من حدة تأثر الاقتصاديات العربية بتداعيات "بريكست" على الاقتصاد البريطاني، قائلا إن "التأثير العربي لن يكون كبيرا باعتبار أن الاستثمارات العربية في بريطانيا هي استثمارات في مجالات العقارات" مضيفا: "قد يتعرض السوق العقاري في بريطانيا بالمرحلة الأولى إلى فترة من الركود لكنها لن تدوم طويلا، كما أن الاستثمارات العربية في بريطانيا قوية جدا، ومرتبطة باتفاقات اقتصادية واتفاقات عسكرية وغير ذلك وهو ما سيقلل من حدة تأثرها بأزمة بريكست".
وتابع بأن "تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الدول العربية، قد ينحسر فقط في قيمة الصادرات والواردات التي تعتمد بشكل أساسي على سعر صرف الجنيه الإسترليني، وسط توقعات بأن تفقد العملة البريطانية أكثر من 20 بالمئة من قيمتها في حال خروج بريطانيا".