حذر خبراء اقتصاد جزائريون من خطورة تفاقم الأوضاع الاقتصادية بالجزائر على خلف استمرار
الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد للأسبوع الرابع على التوالي.
وعلى مدار أكثر من شهر من الاحتجاجات الرافضة لاستمرار الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة ورموز نظامه في الحكم، رصدت "
عربي21"، أبرز الآثار السلبية التي تعرض لها الاقتصاد
الجزائري خلال تلك الفترة أبرزها تراجع سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية بنحو 20 بالمئة، إلى جانب نقص كبير في حجم السيولة بالقطاع المصرفي، وركود في الاستثمارات، فضلا عن خروج بعض رؤوس الأموال المحلية والأجنبية من البلاد.
وتراجع سعر صرف
الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، أمس الاثنين، إلى مستويات غير مسبوقة، في السوق الموازي (السوداء)، بعد أن سجل 220 دينار أمام اليورو للمرة الأولى، مقابل 190 دينار مع بداية الحراك.
ووفقا لصحيفة الشروق الجزائرية، توافد عدد كبير من التجار ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال إلى السوق الموازي لاقتناء أكبر نسبة من العملة الصعبة، وتخزين أموالهم باليورو أو الدولار بدلا من الدينار.
ونقلت صحيفة "الخبر" الجزائرية، عن مصادر وصفتها بالموثوقة، أن رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى، بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، سارع ببيع عقاراته في الجزائر، وسط توقعات بحذو عدد من رجال المال والأعمال المقربين من النظام بحذو حذو أويحيى وتهريب أموالهم للخارج، خشية المحاسبة أو المصادرة.
وأشارت صحيفة "الرائد" الجزائرية، إلى أن العديد من البلدان ممن تربطها شراكة اقتصادية مع الجزائر، منها بلدان الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا، تترقب ما ستؤول إليه الأوضاع في الجزائر بعد الحراك الشعبي المتواصل، وتأثيره على الاقتصاد الوطني وعلى فرص الاستثمار والشراكة، خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بمناخ استثمار وقوانين، وإنما يتعلق أيضا بمسؤولين اقتصاديين ومؤشرات أخرى، منها نسب التضخم وقيمة العملة التي بدأت تتأثر في السوق الموازية بالحراك الشعبي.
دخول العمال على خط الحراك
وفي سياق الحراك الشعبي، أعلنت أمس الاثنين، 13 نقابة عمالية جزائرية رفضها دعم مساعي رئيس الوزراء الجزائري المعين حديثا نور الدين بدوي، لتشكيل حكومة يأمل في أن تساعد على تهدئة المحتجين. ودخل عمال الضرائب بولاية البويرة في إضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام كاملة تلبية لنداء النقابة المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
كما التحق عمال البريد بالحراك الشعبي، بحسب صحيفة النهار الجزائرية، بإغلاق جميع مراكز وشبابيك البريد في ولاية البويرة، رافعين عدة شعارات تدعو إلى رحيل الرئيس وشقيقه السعيد من النظام وترك الشعب هو من يختار رئيسه.
ووفقا لصحيفة "آخر ساعة" الجزائرية، أعلن رئيس الكونفدرالية النقابية للقوى المنتجة، ملال رؤوف، أنه شرع في اتخاذ الخطوات القانونية لتنفيذ إضراب عام في قطاع المحروقات، خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك في خطوة تصعيدية جديدة لإجبار السلطة على تحقيق مطالب الشارع الجزائري الذي يطالب بالتغيير الشامل.
اقرأ أيضا: نقابات جزائرية ترفض دعم جهود رئيس الوزراء لتشكيل حكومة
وقال خبراء لـ "
عربي21"، إن الاحتجاجات الشعبية السلمية ليست سبب تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية في الجزائر، وإنما كان من أبرز تلك الأسباب هي الشائعات المغرضة التي صاحبت تلك الاحتجاجات كمصادرة الأموال أو الممتلكات، إلى جانب الدعوة إلى عصيان مدني عام في كافة أرجاء البلاد.
وأوضح الخبير المالي أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة بالجزائر كمال رزيق، أن الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد بنسبة 100 بالمئة على النفط، يعاني من مشاكل جمة منذ 2015 على خلفية انخفاض أسعار الخام، وتفاقمت هذه المشاكل أن وصل رصيد صندوق ضبط الإيرادات إلى صفر.
والجزائر عضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، بمتوسط إنتاج يومي 1.1 مليون برميل، إذ يعد الخام مصدر الدخل الأبرز للبلاد.
طباعة نقود بدون غطاء نقدي
وقال رزيق في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، إن الحكومة الجزائرية بعد أن أصبح رصيد الصندوق صفر لم يكن أمامها سوى خيارين الأول تم استبعاده وهو اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، والثاني تم العمل به بناء على رخصة من البرلمان وهو اللجوء إلى طباعة النقود لتغطية العجز المالي.
وأوضح أن قيمة النقود التي تمت طباعتها تجاوزت إجمالي قيمة صادرات الجزائر في 2018، مؤكدا أنه تم طباعة أكثر من 50 مليار دولار بدون غطاء نقدي، رغم تحذيرات الاقتصاديين من التمادي في التوسع بطباعة النقود.
وأشار الخبير المالي إلى أنه مع بداية التجاذبات السياسية في 2019، بشأن الحديث عن ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ثم تطورها إلى حراك شعبي، سارع بعض رجال المال والأعمال إلى اتخاذ قرارات أثرت سلبا على الاقتصاد الجزائري كسحب أموالهم من الأسواق وتهريب بعضها للخارج تحسبا لأي تطورات سياسية قد تؤثر على أموالهم وأعمالهم.
وأكد رزيق أن الحراك السلمي لم يكن له آثار سلبية بقدر الشائعات المغرضة التي صاحبت الحراك، لافتا إلى أن الشائعات الصادرة عن بعض المغرضين، وتصدير مخاوف الانزلاق نحو مصير دول ثورات الربيع العربي، لعبت دورا كبيرا في بث القلق في نفوس أصحاب رؤوس الأموال وشجعتهم على اتخاذ قرارات بسحب السيولة من البنوك وتهريب أموالهم للخارج أو بتحويلها إلى العملة الصعبة سواء اليورو أو الدولار، ما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في قيمة الدينار الجزائري بلغت نحو 20 بالمئة منذ بداية الحراك.
واعتبر الخبير المالي أن قرار بنك الجزائر المركزي برفع نسبة الاحتياطي الإجباري للبنوك من 8 بالمائة إلى 12 بالمائة، كان إجراءا تحوطيا، ساهم في الحد من تفاقم كارثة سحب السيولة من البنوك، لكنه لم يمنعها على الإطلاق.
وتعد زيادة الاحتياطي الإجباري الجديدة، الثانية في أقل من 15 شهرا، بعد زيادة أولى في يناير/كانون الثاني 2018، من 4 إلى 8 بالمائة. ويعني القرار، أن 12 بالمائة من إجمالي ودائع العملاء في القطاع المصرفي الجزائري، سيبقى على شكل احتياطي لدى البنك المركزي، دون وجود صلاحيات لاستخدامه في الاستثمار من جانب البنوك أو إقراضه.
اقرأ أيضا: 40 يوما متبقية لنهاية ولايته الرابعة.. هل يتنحى بوتفليقة؟
مخاوف من انهيار اقتصادي
وأبدى رزيق مخاوفه من دخول نقابات
العمال الجزائرية على خط الحراك الشعبي والتلويح بالدخول في إضراب كامل عن العمل، قائلا خلال حديثه لـ"
عربي21"، إن التهديد بدخول العمال في إضراب عن العمل سيزيد الأوضاع سوءا، وسيضغط بشكل أكبر على الاقتصاد الجزائري، وسيؤثر سلبا على إنتاجية العامل التي تراجعت منذ بداية الحراك بسبب بعض الإضرابات الجزئية في عدد من الولايات.
وطالب الخبير المالي بضرورة إيجاد حلول عاجلة ترضي جميع الأطراف لوقف تفاقم تدهور الأوضاع الاقتصادية، قائلا: "لا فائدة لأي طرف في أن يرث اقتصادا خربا، وإن لم يجلس الطرفان على طاولة الحوار لوضع حلول ترضي الجميع للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، فإن الأوضاع الاقتصادية ستزداد سوء أكثر مما هي عليه الآن، ومن يتمسك برأيه ظنا منه أن يريد تحقيق انتصارا سياسيا سيصطدم في نهاية الأمر بخسائر اقتصادية ستكبل أي آمال أو طموحات له ولبلده في المستقبل.
ومن ناحيته، قال الخبير الاقتصادي رضا طير، إن اقتصاد الجزائر يواجه ثلاث تحديات كبرى التحدي الجبائي (الضرائب) في ظل نقص الجباية البترولية، وتحدي الميزانية التي تعرف عجزا كبيرا مع تزايد المطالب الاجتماعية، إضافة إلى تحدي الإنتاج والاستثمار الذي تسيطر عليه البيروقراطية والفساد، وتحكم لوبيات ريعية مستفيدة من التحفيزات الجبائية، ومن القروض والعقار الصناعي مما جعلها تتغول، ويمتد نفوذها إلى التدخل في السياسة وتعيين المسؤولين في المناصب، وهو ما أدى إلى انهيار اقتصادي.
ودعا طير، وفقا لموقع الإذاعة الجزائرية، إلى ضرورة تجاوز فكرة الاجتثاث، وإقامة منظومة غير إقصائية تكرس مبدأ الكفاءة داعيا إلى تغيير كل المسؤولين الذي ساهموا في إيصال الأوضاع إلى هذه الحالة من التردي، بما في ذلك رحيل مدير البنك المركزي الذي لم يحافظ على استقلالية هذه الهيئة.