هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتشر في القرن الماضي وتحديدا قبل عام 1980، مصطلح "اندفاع السكر"، وأطلق على حالة المزاج التي تنتاب الشخص حين يفرط في تناول السكر، وكان العلماء والناس يعتقدون بأن هذه الحالة أو بمعنى أصح تناول السكر يحسن مزاج الأشخاص.
إلا أن دراسة حديثة نفت ذلك، بل على العكس أشارت إلى أن تناول السكر يزيد من سوء الحالة المزاجية بدلا من تحسينها.
وبحسب الخبر الذي نشرته صحيفة "ميرور" البريطانية، فقد قام باحثون من جامعة وارويك وجامعة هومبولت وجامعة لانكستر، بجمع وتحليل بيانات من 31 دراسة شملت حوالي 1300 شخصا بالغا، ودرسوا تأثير السكر على جوانب مختلفة من الحالة المزاجية، بما في ذلك الغضب واليقظة والانتباه والاكتئاب والتعب.
وكشف تحليلهم بأن استهلاك السكر لم يكن له أي تأثير على الحالة المزاجية للشخص، بصرف النظر عن مقدار الكمية التي يتناولها من السكر، وعلى العكس، فإن الأشخاص الذين يستهلكون السكر يشعرون بالفعل بالتعب، ويكونون أقل يقظة وتنبهًا من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.
اقرأ أيضا: هل يعد السكر البني أفضل من السكر الأبيض بالفعل؟
وقال الدكتور "كونستانتينوس مانتانتزيس" الذي قاد الدراسة: "إن فكرة أن السكر يمكن أن يحسن الحالة المزاجية كان لها تأثير كبير على الثقافة الشعبية، لدرجة أن الناس في جميع أنحاء العالم يستهلكون المشروبات السكرية ليصبحوا أكثر يقظة أو ليقاوموا التعب".
وأضاف: "تشير النتائج التي توصلنا إليها بوضوح شديد، إلى أن مثل هذه الادعاءات غير مُثبتة، فمن المرجح أن يجعلك تناول السكر تشعر بسوء".
تأثير متفاوت
من جهتها، قالت أخصائية التغذية، أنسام الجريري، لـ"عربي21"، "إن السكر هو وقود الدماغ، ولكن أي شيء إذا زاد عن حده انقلب ضده كما يقول المثل، ومن الآثار السلبية لذلك التأثير على المزاج، بالتالي يمكن أن يحسن المزاج ويمكن أن يجعله أسوأ، وبطبيعة الحال يختلف التأثير من شخص إلى آخر، ويختلف أيضا لدى الرجل عن المرأة".
وأوضحت أنه "عندما ينخفض معدل السكر في الدم، يمكن أن يكون لدى الشخص رد فعل على ذلك، فيرسل الجسم هرمونات التوتر لإعادة تنظيم الكيمياء، ما قد يجعله يشعر بالقلق والعصبية وانخفاض الحالة المزاجية، وهذا ما يحدث لدى الصائم".
وقالت الجريري في المقابل أنه "عند تناول الأطعمة التي تحتوي السكر، يتم إفراز الدوبامين، ما يعطي الشعور الجميل عند تذوق قطعة حلوى على سبيل المثال، ما يحسن المزاج".
وأشارت إلى أن "ارتفاع هرمون الدوبامين، يعمل أيضا على تثبيط هرمون البرولاكتين المعروف بدوره بإفراغ الحليب لدى الأم، ما يؤدي إلى اضطرابات الدورة الشهرية، وتكيس المبايض، فبالتالي يحدث تغيرات نفسية وعاطفية عند الإناث، بالتالي تغير في المزاج العام لدى المرأة".
إدمان السكر
ولفتت إلى أن "الدراسات أظهرت أن السكر له تأثير بالدماغ مثل مواد الإدمان، فعند تعاطي المخدرات أو النيكوتين أو الكحول يفرز الدماغ، الناقل العصبي الدوبامين "هرمون المتعة"، ويعطي الشعور بالراحة والسكينة والسعادة، وبذلك يستمر الشخص بالتعاطي إلى حد الإدمان بالفعل".
وتابعت بأنه "مع تناول الطعام ذاته مرارا وتكرارا، فإن مستويات الدوبامين لن تكفي لإشباع الرغبة، ما يؤدي إلى استهلاك المزيد من السكر، تماما كالإدمان، لكن مهما تناول الشخص المزيد من السكر ستبقى مستويات الدوبامين غير كافية، وفق الجريري.
اقرأ أيضا: علماء يكتشفون طريقة لمنع الرغبة بتناول السكر
ولفتت إلى أن "الدراسات تُظهر أن الأشخاص الذين حاولوا خفض السكر تحدث لهم أعراض مماثلة لأعراض الانسحاب من المخدرات، على سبيل المثال الدوخة، الصداع، التهيج وتقلب المزاج".
وأشارت إلى أن منظمة الصحة العالمية أوصت بعدم استهلاك أكثر من 25غم أو 6 ملاعق في اليوم، أو 100 سعرة حرارية من السكريات المضافة لدى البالغين.
فرط الحركة لدى الأطفال
وساد اعتقاد عند كثير من الناس وحتى عند بعض العلماء، بأن تناول الأطفال لكميات كبيرة من السكر يزيد من نشاطهم وفرط حركتهم، ولهذا تسعى الأسر لحظر تناول طفلهم السكر قبل النوم، فما حقيقة هذا الاعتقاد؟
تجيب أخصائية طب الأطفال سلوان إبراهيم بالقول: "بلا شك السكريات وخاصة المعدلة والمصنعة منها لها أضرار على الصحة، ولها تأثير سلبي على القلب والأوعية الدموية خاصة عند أولئك المعرضين جينيا، ولكن تأثيرها على السلوك ما زال محور جدل طبي".
وتابعت سلوان في حديث لـ"عربي21": "ربطت دراسة في القرن الماضي بين الغذاء بشكل عام وليس السكر وبين السلوك، ووجدت أن الشخص الذي يعاني من حساسية اللاكتوز غالبا ما يميل للتوتر والعصبية عند تناول الحليب".
وأوضحت أنه "بعد ذلك ظهرت توجهات لربط السكر بشكل خاص بمشاكل السلوك والنشاط، وكان التحليل العلمي لذلك مرتبط بارتفاع سكر الدم المفاجئ الذي يليه هبوط سريع، بالتالي يعطي طاقة مؤقتة يليها احساس بالاكتئاب والتعب، إلا ان هذا الهبوط في السكر لم يتم إثباته عند الاطفال".
وأشارت إلى أن "دراسة أخرى تم فيها إعطاء مجموعة أطفال مادة سكرية، ومجموعة أخرى مادة غير سكرية، دون معرفة الأهل أو الأطفال أيها السكرية، وظهرت النتيجة بأنه أنه لا علاقة للسكر بالسلوك وخاصة فرط الحركة".
وحول سبب قناعة الناس بأن السكر هو سبب فرط حركة الأطفال، قالت: "هناك اعتقاد بأن ما يراه الأهل والمعلمون من علاقة بين التغذية والسلوك هو فكر مبرمج بشكل مسبق، فإذا كانت الأم مقتنعة أن السكر يزيد من نشاط الطفل، فهي ستربط أي نشاط لديه بتناوله للحلوى".
وخلصت سلوان بالقول: "لا يوجد أي دليل علمي لهذه اللحظة عن علاقة السكريات بفرط الحركة والنشاط، إلا أنه يُنصح بالابتعاد عن السكريات المعدلة لدورها في تحفيز امراض القلب والشرايين، وينصح باللجوء الى النشويات المعقدة "المليئة بالألياف" كمصادر للطاقة كونها تعطي طاقة لفترة أطول".
ووافقت أخصائية التغذية، أنسام الجريري، ما ذهبت إليه سلوان، وقالت: "لا يوجد بالفعل دراسة تُثبت تماما أن السكر يسبب بشكل مباشر فرط النشاط والحركة عند الأطفال، وإنما الأمر معلومة شائعة لدى الناس دون التأكد من صحتها".
وأضافت: "من ناحية فسيولوجية، فإن السكر يدخل مجرى الدم بسرعة، فيحدث تغيرات سريعة بمستوى سكر الدم، فبالتالي يتم تحفيز هرمون الإدرينالين الذي يُنتج عند التوتر، ما يمد الجسم بطاقة لمدة قصيرة ليتعامل مع حالات الكر والفر داخل الجسم".
وتابعت: "بالتالي، إذا أكل الطفل السكر بكميات كبيرة على معدة فارغة، بهذه الحالة فقط سيتم إنتاج الإدرينالين بكميات كبيرة، ما يسبب القلق ومشاكل بالتركيز، وزيادة الحركة عند الأطفال، وبشكل لحظي فقط".
السبب الحقيقي
وأوضحت أن "ما يجهله الكثير من الآباء أن بعضا من المواد المضافة التي توجد ببعض العصائر أو الكيك أو المثلجات أو الحلويات، هي التي تسبب فرط الحركة لدى بعض الأطفال، وهي:
- (E102 (tartrazine
- (E104 (quinoline yellow
- (E110 (sunset yellow FCF
- (E122 (carmoisine
- (E124 (ponceau 4R
- (E129 (allura red
وأشارت إلى أن "هذه المواد المضافة قد تكون على شكل رقم أو مكتوبة كما بالأقواس، مضيفة: "أن الرصاص كذلك يسبب فرطا بالحركة، إذا وجد بالدمى أو الطلاء".