هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتنقل أوبرا "أورفيو ومجنون" بين صالات مسرحية ودور أوبرا في فرنسا، دامجة بين لونين عربي ويوناني لقصتي عشق تثيران عواطف كل من يتابعهما، لتحقق نجاحا ملحوظا، لا سيما بعد سلسلة عروض سلطت الضوء على الحب والألم.
وبعد العرض الكبير الذي شهدته ساحة مدينة "إكس أون بروفانس" الفرنسية الجنوبية، في حزيران/ يونيو الماضي، لا تزال أوبرا "أورفيو ومجنون" تتنقل بين الصالات المسرحية، حيث كانت محطتها السابقة العاصمة المالطية فاليتا، في حين ستحلّ ضيفا على مدينة روتردام الهولندية في 18 أيار/ مايو المقبل، مجسّدة أسطورة العشق والألم المُميت.
وهناك العديد من أوجه التشابه بين شقي هذه الأوبرا: "مجنون ليلى" العربي و"أورفيو وأوريديس" اليوناني، لا سيما في قضايا الحب والخسارة والرغبة والموت والتشرّد الطوعي والعيش مع الحيوانات المُفترسة "كأسلوب اعتراض أو هروبا من فشل البقاء مع الحبيب إلى عالم متوحش يصاحبه الألم والدموع وصولا إلى الموت"، وفق القائمين عليه.
الأوبرا التي اشتغل عليها العديد من الفنانين الأوروبيين والعرب وتسلط "عربي21" الضوء عليها، عبارة عن عمل يجمع بين أسطورتين من حضارتين مختلفتين؛ عربية وإغريقية. وقد قُدمت باللغتين الفرنسية والعربية مع ترجمة مكتوبة على شاشة كبيرة باللغة الإنجليزية.
اقرأ أيضا: عن المسرح التونسي .. "أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما"
وبدت المشاركة العربية واسعة في التأليف الموسيقي والأداء والعزف، حيث كانت هناك بصمات مؤثرة لكل من المؤلف الموسيقي الفلسطيني منعم عدوان، وقائد الأوركسترا اللبناني باسم عقيقي، والممثل المغني لؤي سروجي الذي لعب دور قيس المجنون، والفنانة الفلسطينية ناي برغوثي.
وتتغير المشاهد بحسب القصة، ففي قصة "قيس وليلى" يظهر جو الصحراء التي تعيش فيها الوحوش، أو مضارب القبائل العربية وأشخاص بجلابيب وغناء أصيل بلغة الضاد، يأخذ منحى صوفيا حزينا.
قيس وليلى
القصة العربية التي استوحى المؤلف منها فكرته هي قصة الشاعر العربي قيس بن الملوح، المُلقب بمجنون ليلى. وفي ديار بني عامر في منطقة نجد (السعودية الآن)، عاش الصغيران قيس وليلى يرعيان الغنم، واشتدت العلاقة بينهما حتى عشق كل منهما الآخر بجنون.
وحين كبر قيس طلب يد ليلى للزواج لكن عائلتها رفضت، لأن المجتمع البدوي آنذاك كان يرفض هذا العشق ويجازي العشيقين بعدم تزويجهما.
لذلك، رحل أهل ليلى إلى تيماء ليبتعدوا عن كلام الناس، ما أدى إلى إشعال نيران الشوق بين العاشقين إلى أن صارت قصتهما على كل لسان بما اشتهرت به من قصائد غزلية خطّها قيس لمحبوبته.
بدورها، أُجبرت ليلى على الزواج من رجل آخر لا تحبه، ما أدى إلى إصابة العاشق بالجنون، فكان يقضي أيامه ولياليه ينشد الأشعار ويبكي. بعد ذلك رحلت ليلى عن الحياة من دون أن تودع حبيبها الذي لم يطل انتظاره فلحق بها إلى القبر.
عشق وأفعى
أما أسطورة "أورفيو وأوريديس"، فإنها تحكي قصة حب بين الشاعر الموسيقي اليوناني وزوجته حورية الغابة أوريديسلا التي لدغتها أفعى. قصة شاعرية جميلة تنتهي بموت الزوجة يوم زفافهما. هنا تبدأ رحلة أورفيو إلى العالم السفلي لإعادة معشوقته إلى عالم الأحياء.
حزن أورفيو عليها، فلجأ إلى زيوس الذي سمح له بأن ينتقل إلى العالم السفلي (عالم الأموات) كي يعيد زوجته إلى الحياة، بشرط ألا يلتفت أي منهما إلى الوراء لدى مغادرته عالم الأموات.
وحين بلغ أورفيو ثغرة تفصل بين العالمين، أراد أن يتحقق من أن زوجته ما زالت خلفه، فالتفت إليها فاختفت.
هذه الخسارة الثانية دفعت أورفيو إلى اعتزال الناس والعيش وحيدا في الغابة مع الوحوش الكاسرة، وظل يعزف على قيثارته إلى أن قتلته عصبة من نساء تراقيا حين رفض مشاركتهن الغناء.
اقرأ أيضا: دار أوبرا شهيرة بإيطاليا ترفض شراكة سعودية بسبب "خاشقجي"
هذا العمل الملحمي الجبار الذي يتلألأ بكنوز الأدب العربي وحكاياته الشاعرية، نجح في الوصول إلى شريحة كبيرة من الجمهور الأوروبي الذي تابع العرض بشغف، وتفاعل مع كلمات العشق والهيام المُترجمة إلى لغته.
وأكد الانسجام بين الأسطورتين والقواسم الإنسانية المُشتركة بين البشر، رغم اختلاف اللغة والجغرافيا. وتم العرض بدعم من "برامج أوروبا الإبداعية" التابع للاتحاد الأوروبي.