NYT: هذه أهم محطات حكم البشير الذي خلف وراءه بلدا منهارا

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها ديكلان وولش، يقول فيه إن عمر البشير "العنكبوت" في قلب الشبكة قد سقط. 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن عمر البشير كان يحب حكاية قصة عن سنه المكسورة، فقال لأنصاره في كانون الثاني/ يناير إنه عندما كان طالب مدرسة يعمل في مشروع بناء سقط عندما كان يحمل حملا ثقيلا، وبدلا من الذهاب إلى الطبيب فإنه تمضمض بماء مالح وواصل العمل، وبعدما انضم إلى الجيش رفض تركيب سن اصطناعي؛ لأنه أراد تذكر أيام الشقاء "هذا"، حيث أشار إليه وسط ضحك أنصاره.

ويعلق وولش قائلا إن هذه القصة كانت محاولة من البشير، الذي أطيح به بعد 30 عاما في الحكم، لإظهار أصوله المتواضعة، وأنه لا يزال ابن الشعب الذي ولد في قرية صغيرة على النيل.

وتقول الصحيفة إن الصورة الفولكلورية تتناقض مع صورة البشير في الغرب، حيث تم تصويره بداعية الحرب القاسي، وبالمدافع عن الإرهابيين، مثل أسامة بن لادن، ومتهم بحرب إبادة في دارفور التي قتل فيها مئات الآلاف، مشيرة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تحاول منذ عام 2009 القبض عليه بتهم القتل والاغتصاب والإبادة.

ويستدرك التقرير بأن السمعة الدولية السيئة لم تكن أبدا مشكلة للبشير (75 عاما) في السودان، الذي يعد من أوسع الدول الأفريقية، ولديه تاريخ طويل في الحرب والمعاناة، مشيرا إلى أنه تفوق على منافسيه الذين أساءوا تقدير قوته، وقاد مرحلة من الانتعاش النفطي، التي زادت من حجم الطبقة المتوسطة، وأنشأ مليشيات وقوات أمنية لخوض حروب شبهها البعض بشبكة العنكبوت وفي مركزها البشير. 

ويلفت الكاتب إلى أن "البناء الذي تم تشكيله بعناية قد انهار هذا الأسبوع، حيث تجمهر الآلاف خارج مقر إقامته في الخرطوم، فأموال النفط قلت، والاقتصاد في حالة يرثى لها، وعانى الشباب السودانيون تحديدا ما فيه الكفاية، ويجب على العنكبوت أن يرحل، وفي يوم الخميس أطاح به الجيش، منهيا 30 عاما من الحكم، وقال الجيش إنه أخذ البشير إلى المعتقل، وحل حكومته، وعطل العمل بالدستور". 

وتذكر الصحيفة أن تجمع المهنيين السودانيين كان يتوقع بيانا من الجيش ويحضرون للتفاوض على حكومة انتقالية، وتلقى البيان بنوع من الخيبة، وقالت المتحدثة باسم تجمع المهنيين: "ما تم الإعلان عنه هو انقلاب غير مقبول.. تم تجاهل مطالبنا بحكومة مدنية انتقالية". 

وينوه التقرير إلى أن البشير ولد في بلدة زراعية، تبعد 100 ميل عن العاصمة الخرطوم، وعمل في سلاح المظليين، وقاد في عام 1989 انقلابا دعمه الإسلاميون ضد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وكان الانقلاب الرابع الذي يشهده السودان منذ استقلاله عام 1956. 

ويفيد وولش بأنه نظر إلى البشير في العقد الأول من حكمه على أنه واجهة للقوة الحقيقية، زعيم الجبهة الإسلامية وخريج السوربون المتحدث الشيخ حسن الترابي، وتدفق الجهاديون العالميون إلى السودان، وكان من بينهم أسامة بن لادن، الذي اشترى بيتا في منطقة راقية في الخرطوم، واستثمر في الزراعة والبناء. 

وتشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وضعت البشير عام 1993 على القائمة السوداء باعتباره راعيا للإرهاب، وفرضت عقوبات عليه، وفي عام 1999 انقلب على الترابي، ووضعه في السجن، وتخلى عن الجيش، ووسع علاقاته مع قوى الأمن والقبائل. 

وبحسب التقرير، فإن البشير حضر جنازات وحفلات الزفاف للضباط، وكان يرسل السكر والأرز والشاي والحبوب لعائلاتهم، وعقد لقاء أسبوعيا في بيته، حيث كان الضباط يحضرونه، كما يقول المتخصص في السودان في جامعة تافتس أليكس دي وال، الذي يقول إنه "كان مثل العنكبوت في مركز الشبكة، وكان يشعر بأصغر رعشة، ويستخدمها بذكاء مهاراته الشخصية لإدارة سياسة الجيش". 

وأضاف دي وال أن البشير استخدم النهج ذاته لإدارة شؤون الولايات والقبائل، "ومعظمهم أصبح عسكريا ومتداخلا في قوى الدفاع الشعبي، وكانت لديه تلك الشبكة الفائقة وكلها في رأسه".

ويفيد الكاتب بأنه تم استخدام هذا النهج في الحرب في جنوب السودان، حيث تعاون الجيش السوداني مع المليشيات المحلية، وفي الوقت ذاته بدأ السودان بإنتاج النفط، ففي الوقت الذي صدر فيه أول برميل عام 1999، تحسنت ظروف المعيشة بشكل تدريجي، وظهرت الطرق الجديدة، وحصلت القرى البعيدة على المياه والكهرباء، وظهرت بنايات لامعة في الخرطوم. 

وتنقل الصحيفة عن الزميل الباحث في معهد ريفت فالي مجدي الجزولي، قوله: "كانت هذه هي أيام السمنة". 

ويلفت التقرير إلى أن البشير وقع في عام 2005 وتحت ضغط دولي اتفاقية سلام مع المتمردين الجنوبيين، متجاوزا المعارضة من داخل الجيش الذين يطالبون بالقتال، ومعها بدأت انتفاضة جديدة في دارفور التي ستعلم إرثه. 

ويذكر وولش أن الجماعات الموالية للنظام المعروفة بالجنجويد سيطرت على مناطق شاسعة، ما أدى إلى مقتل حوالي 300 ألف شخص، مشيرا إلى أن البشير يواجه مذكرتين من الجنائية الدولية للقبض عليه، وهو أول رئيس دولة يصدر أمر باعتقاله وهو في الحكم. 

ويقول الجزولي: "كانت هذه الكارثة الكبرى؛ لأنه سلم الحرب للمليشيات المحلية والمزارعين الدارفوريين، وأنشأ مؤسسة أمنية متضخمة بأجهزة متنافسة". 

وتقول الصحيفة إن البشير يتهم بجرائم تضم التعذيب والاغتصاب والإبادة، وشوهت سمعته بصفته شريرا في حملة قادها نجوم مثل جورج كولوني، الذي شجبه على أنه تجسيد للطائفية والنظام القاسي، مستدركة بأن التكهنات بأنه سيصبح رجلا مطاردا لم تتحقق، فقد تحدى المحكمة، وسافر إلى كينيا ومصر ونيجيريا والسعودية، إلا أن زيارته إلى جنوب أفريقيا عام 2015 انتهت على عجل بعدما فكرت محكمة بإلقاء القبض عليه. 

وبحسب التقرير، فإن بعض الخبراء انتقدوا المذكرة بصفتها مسيسة وذات آثار عكسية، وصور البشير نفسه بالضحية للغرب، واتهم الولايات المتحدة بالتراجع عن وعودها، ولم ترفع العقوبات مقابل السلام، لافتا إلى أنه بسبب الثروة النفطية فإنه فاز في انتخابات عام 2010، وظهر في ملصقات الحملة وهو يقف في الشوارع الجديدة والجسور والسدود والمصانع، مع أن نسبة البطالة وصلت إلى 40%. 

وينوه الكاتب إلى أنه في عام 2011 صوت الجنوب لصالح الانفصال، وأصبح دولة مستقلة، وأخذ معه ثلاثة أرباع موارد النفط، مشيرا إلى أنه مع تراجع موارد النفط تراجع الاقتصاد، وبدأ البشير يواجه معارضة جدية، وأدت أعمال الشغب في عام 2013 إلى مقتل 170 شخصا، بحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش". 

وتذكر الصحيفة أن البشير حاول الحصول على دعم من دول المنطقة، حيث حاول على اللعب على التحالفات والتنافس، واستقبل في عام 2013 الرئيس الإيراني في ذلك الوقت، محمود أحمدي نجاد، في محاولة للتقارب، وبعد عامين انضم للتحالف السعودي في اليمن.

ويفيد التقرير بأن البشير تحول في العام الماضي عن دعمه التقليدي لمصر، وأخذ جانب إثيوبيا في مشروع سد النهضة، وحاول في الأشهر الأخيرة التحالف مع عدوة السعودية، قطر؛ للحصول على دعم من أجل مواجهة ضغوط المتظاهرين. 

ويستدرك وولش بأنه رغم رفع العقوبات عن السودان في عام 2017، إلا أن وزارة الخارجية أبقته على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما قيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية، وفي حلول عام 2018 كان الاقتصاد السوداني في حالة تدهور مستمرة، ووصل معدل التضخم إلى 72%. 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن التظاهرات بدأت في مدينة عطبرة؛ احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز، ومع انتشارها رفض البشير التظاهرات، ودعا "الجرذان للعودة إلى جحورها"، لكنه رحل وترك رحيله سؤالا محيرا عن مستقبل البلاد.

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)