هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافيين روبي غرامر وجاستين لينتش وكولام لينتش وجيفكوت أودونيل، يقولون فيه إن ضباط الجيش السوداني قاموا يوم الخميس بالإطاحة بالبشير، بعد أشهر من الاحتجاج في الشوارع، لكن المتظاهرين رفضوا بسرعة خطة انتقالية، دعت إلى مجلس انتقالي يمسك بالسلطة على مدى العامين القادمين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن وزير الدفاع أحمد عوض ابن عوف، قام محاطا بوسائل الإعلام السودانية، بالإعلان على التلفزيون السوداني الرسمي، بأن حكم البشير، الذي دام 30 عاما، قد انتهى، لافتا إلى أن الدكتاتور البالغ من العمر 75 عاما، والمتهم من محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم إبادة، وضع تحت الإقامة الجبرية، ولم يستطع مؤيدوه الهروب من البلد؛ بسبب إغلاق الأجواء السودانية لمدة 24 ساعة.
ويقول الكتّاب إن المتظاهرين المبتهجين في شوارع الخرطوم قاموا بتمزيق اللوحات التي تحمل صور الزعيم السابق، لكن الأمر بقي غامضا عما إذا كان 11 نيسان/ أبريل سيشكل بداية للديمقراطية في السودان، أم أنه مجرد تحول من ديكتاتورية إلى أخرى، أم إلى شيء أسوأ.
وتنقل المجلة عن ابن عوف، قوله إن مجلسا انتقاليا سيقود البلد لمدة عامين، لكنه لم يقدم أي تفاصيل، مشيرة إلى أن وزير الدفاع على قائمة العقوبات الأمريكية؛ لدوره في حرب الإبادة في دارفور.
وينقل التقرير عن المتحدثة باسم تجمع المهنيين السوداني سارة عبد الجليل، قولها: "هذا انقلاب معاد تدويره، ولن يكون مرحبا به أبدا"، مشيرة إلى أن بيان ابن عوف كان "بعيدا عن توقعات الشعب السوداني.. وهو تسليم النظام للسلطة سلميا، ودون شروط وحكومة مدنية انتقالية".
ويلفت الكتّاب إلى أن أمجد فريد الطيب، وهو ناشط سياسي سوداني، وصف الحدث بأنه "انقلاب ديكوري"، وقال لمجلة "فورين بوليسي": "إن الشعب السوداني لم يتظاهر في الشوارع لمدة أربعة أشهر لاستبدال ديكتاتور بآخر".
وتذكر المجلة أن تجمع المهنيين السودانيين يقف خلف الاحتجاجات، لافتة إلى أن المجموعة بدأت بتنسيق المظاهرات في كانون الأول/ ديسمبر؛ احتجاجا على أسعار الخبز وغلاء المعيشة، وانتشرت المظاهرات بسرعة في عرض البلاد، ووصلت إلى أعداد لم تشهدها السودان تحت حكم البشير.
ويورد التقرير تقلا عن أستاذ السياسة الأفريقية والإسلام في جامعة ماكغيل، خالد مدني، قوله: "كانت تقود التجارب الديمقراطية سابقا أحزاب السودان السياسية التقليدية.. لكن هذا الحشد الجديد يقوده المحامون والأطباء والمهندسون، والمنظمات النسوية بالطبع".
وقال أعضاء التجمع لمجلة "فورين بوليسي" بأن التجمع امتنع من دعوة الجيش للانضمام للاحتجاجات حتى وصلت إلى ذروتها في نهاية الأسبوع الماضي.
وينقل الكتّاب عن المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس، أليكس دي وال، قوله: "يبدو أن الصفقة كانت تجنب حرب أهلية الآن".
وتنوه المجلة إلى أن أمريكا تعد السودان دولة ممولة للإرهاب، وفرضت عقوبات اقتصادية عليها، لكنها أيضا تحافظ على علاقات أمنية مع السودان، وتتضمن تعاونا استخباراتيا يتعلق في مكافحة الإرهاب.
ويجد التقرير أنه بقي من غير الواضح إن كان إعلان ابن عوف حكومة انتقالية سيرضي القوات العسكرية التي وقفت إلى جانب المتظاهرين، مشيرا إلى قول الأكاديمي الخبير في حركات الاحتجاج والسياسة الأفريقية في كلية فاسار، زخاريا مامبيلي: "ليست هناك قيادة كبيرة من الأحزاب المعارضة، فليست هناك شخصية سياسية واضحة يمكن أن تتقدم لقيادة الحراك ولتسلم السلطة.. ولذلك استطاع الجيش إلى الآن أن يحتكر هذا الحيز".
وتفيد المجلة بأن جود ديفيرمونت، وهو محلل سابق متخصص في شؤون أفريقيا لدى وكالة الاستخبارات المركزية، ويعمل الآن مع المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، أشار إلى مثال الجزائر، حيث تمت الإطاحة بالرئيس لفترة طويلة عبد العزيز بوتفليقة هذا الشهر، وقال: "لقد رأينا في الجزائر أن المتظاهرين سيطالبون بصوت في تشكيل المرحلة الانتقالية، وإلى الآن فإن الشروط (بالنسبة للسودانيين) ليست مقبولة".
ويشير التقرير إلى أن أحد الأسئلة المطروحة بعد الانقلاب هو إن كان زعماء السودان الجدد سيسلمون البشير لمحكمة الجنايات الدولية، فعلى مدى أكثر من 15 عاما، أخفق محامون دوليون، مدعومون بتفويض من الدول العظمى، في محاكمة البشير لدوره في جرائم حرب في دارفور، حيث قامت مليشيات تدعمها الحكومة بحملة تطهير عرقي في غرب السودان، في الفترة ما بين عامي 2003 و2004.
ويقول الكتّاب إن نساء روين كيف قام جنود البشير باختطافهن ليكن جواري للجنس، مشيرين إلى أنه قتل أكثر من 300 ألف شخص، فيما نزح مليونان في صراع صاغ إرث البشير في السودان.
وتورد المجلة نقلا عن المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، زيد بن رعد الحسين، قوله إن الإطاحة بالبشير "أخبار غير عادية.. آمل أن يقوم الجيش الآن بالأمر الصواب، وهو تسليمه للاهاي. فإن أرادوا مستقبلا جيدا للسودان فإن عليهم أن يقطعوا علاقتهم مع البشير، ويقوموا بتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية".
وأضاف زيد أنه يعتقد بأن البشير سيرسل إلى إحدى الدول الجارة ليقضي بقية أيام عمره، مشيرا إلى أن سقوطه يوفر للحكومة العسكرية فرصة لإصلاح العلاقات مع القوى الغربية الرئيسية.
ويلفت التقرير إلى أن مجلس الأمن صوت ابتداء على بدء تحقيق في أفعال البشير، يقوم به المدعي العام التابع لمحكمة الجنايات الدولية عام 2005، ووجهت له المحكمة تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة عامي 2009 و2010.
وينوه الكتّاب إلى أن السودان، وهو ليس موقعا على نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، رفض أن يسلم البشير، الذي تحدى مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة بالسفر في أنحاء العالم مفلتا من العقاب، وهو ما يعكس مدى عجز المحكمة.
وتنقل المجلة عن السفير توني هول، قوله خلال رحلة له عام 2004 إلى دارفور، بحسب برقية مسربة من ويكيليكس: "إن معاناة أهالي دارفور كبيرة جدا.. لقد استمعت إلى نساء اغتصبن، ورجال ضربوا وعذبوا وقتلوا، وقرى حرقت، ورأيت أناسا بالكاد يتعلقون بالحياة".
ويستدرك التقرير بأنه بعد أكثر من عقد، فإن أمريكا تدفع نحو إصلاح العلاقات مع السودان، في جهد استمر من إدارة أوباما إلى إدارة ترامب، وقام الدبلوماسيون الأمريكيون بتخفيف العقوبات مقابل تنازلات من البشير في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الحصول على مساعدات إنسانية أكثر وغيرها من القضايا، مشيرا إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية قادت هذه السياسة، وقام البشير بإعادة إنتاج نفسه على أنه حليف في الحرب على المجموعات الإرهابية.
ويفيد الكتّاب بأن مسؤولين في إدارة ترامب ناقشوا لأشهر إلغاء صفة الدولة الممولة للإرهاب عن السودان، مقابل تنازلات في قضايا، بما فيها حقوق الإنسان.
وبحسب المجلة، فإن من بين أكثر الشخصيات النافذة التي ترسم مستقبل السودان، رئيس المخابرات السوداني صلاح غوش، الذي له تاريخ في التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية في مكافحة الإرهاب، وتم تعيينه في منصبه بموافقة من السعودية والإمارات، وهما البلدان اللذان ضخا مئات ملايين الدولارات لدعم نظام البشير والاقتصاد السوداني، في وقت تتنافس فيه دول الخليج على النفوذ في القرن الأفريقي.
ويورد التقرير نقلا عن مدير برنامج العدالة الدولي التابع لـ"هيومان رايتس ووتش" ريتشارد ديكر، قوله إن سقوط البشير أحيا احتمال مثوله أخيرا أمام محكمة الجنايات في لاهاي.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول ديكر: "البشير وغيره ممن هم على شاكلته يختبئون خلف حجج مثل القول إنه لا يمكن محاكمة رئيس دولة، حتى في أكبر الجرائم.. حسنا، لقد أزال الشعب السوداني تلك الحجة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)