هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لازال الغموض هو سيد
الموقف في السودان، ولم يتمكن المجلس العسكري، ولا قيادات الحراك الثوري ولا القوى
السياسية التقليدية من التوصل إلى تفاهمات تنهي الوضع الاستثنائي وتدشن المرحلة
الانتقالية.
واعتبر سياسيون سودانيون، تحدثوا لـ"عربي21"،
أن "حالة الغموض السياسي التي يعيشها السودان، طبيعية بالنظر إلى التحول
السريع الذي جرى على رأس السلطة".
وأكد رئيس حركة
"الإصلاح الآن" السودانية، غازي صلاح الدين، أن الغموض السياسي لا يزال
هو سيد الموقف في السودان، وأن الحوار بين المجلس العسكري والقوى السياسية مازال
لم يأخذ طريقه بعد، ليس فقط لطبيعة التباعد القائمة بين الطرفين، وإنما أيضا لعدم
وضوح الرؤية لدى جميع الأطراف، وعدم وجود خارطة واضحة المعالم باستثناء العناوين
الكبرى".
وأشار صلاح الدين في
حديث مع "عربي21"، إلى "أن ما زاد من حالة الغموض التي يعرفها
السودان، أن الجولة الأولى من الحوار بين المجلس العسكري والقوى السياسية كانت
مخيبة للآمال، ولم تكشف عن نتائج إيجابية لجهة الخروج من المأزق السياسي الذي
تعيشه البلاد".
ورأى غازي صلاح الدين،
الذي كانت حركته قد انسحبت من الحكومة مع انطلاق الاحتجاجات في كانون الأول (ديسمبر)
الماضي، وانحاز إلى الحراك مبكرا داعيا الحكومة إلى التجاوب مع المتظاهرين، رأى أن
غموض موقف المجلس العسكري، وعدم وجود أجندة واضحة له للخروج من الأزمة، يجعل
البلاد مفتوحة على كل الرهانات.
وعما إذا كان يقصد
بذلك، إمكانية استهداف تيار بعينه، قال صلاح الدين: "كل السيناريوهات واردة،
بما في ذلك اللجوء إلى الإقصاء، بالنظر إلى طبيعة التحريض الذي تمارسه بعض
الأطراف، لكن لا أعتقد أن الساحة السياسية ولا الشعبية مهيأة لخيار من هذا النوع،
أي خيار الإقصاء والاستئصال"، على حد تعبيره.
من جهته رأى الخبير
السياسي ربيع عبد العاطي، "أن الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي
الراهن"، والذي وصفه بأنه "غموض مفهوم بالنظر إلى طبيعة التغيير أولا،
وبالنظر إلى أهمية ودور المؤسسة العسكرية في حماية وضمان أمن واستقرار البلاد".
وأكد عبد العاطي في
حديث مع "عربي21"، أن التصريحات الرسمية الصادرة عن قادة المجلس
العسكري، والمتحدث الرسمي باسمه، كلها تصريحات إيجابية ولا تنم عن وجود أي توجه
إقصائي لأي طرف سياسي.
لكن عبد العاطي، توقع
أن لا يكون لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في المرحلة السابقة دور في الفترة
الانتقالية، مؤكدا في الوقت نفسه، أنه لا توجد مخاوف من استهدافه أمنيا ولا
استهداف الحركة الإسلامية.
اقرأ أيضا: الغارديان: عسكريو السودان يقيلون المزيد من كبار المسؤولين
وقال: "علينا أن
نتذكر أن التغيير الذي جرى في السودان، جرى بطريقة سلمية، وأن الرؤية التصالحية هي
الطاغية على المشهد السياسي، وأنه لا يوجد أحد فوق القضاء، ولا أعتقد أن هناك من
يرفض القضاء العادل، لا سيما للمتهمين بارتكاب جرائم".
وأضاف: "أما استهداف تيار سياسي
بالمطلق، فهذا غير قائم، وعلينا عدم الاستعجال في قراءة المواقف ولا البناء على
جولة واحدة من الحوار، قادة المجلس العسكري هم سودانيون مشهود لهم بالنزاهة
والإخلاص، وهم أبناء مؤسسة عسكرية ظلت متماسكة، ولم يعتريها أي انقسام"، على
حد تعبيره.
حميدتي.. علامات
استفهام
لكن مصادر سياسية سودانية مطلعة تحدثت لـ"عربي21"،
وطلبت عدم الكشف عن اسمها، مع تأكيدها على صفة "الغموض التي تميز المشهد
السياسي الراهن"، ومع استبعادها أيضا لأي توجه إقصائي في المرحلة الراهنة ضد
فصيل سياسي بعينه، إلا أنها أشارت إلى أن الصعود السريع لنائب رئيس المجلس العسكري
محمد حمدان دقلو "حميدتي" وتصدره للمشهد السياسي الداخلي والخارجي، يثير
الكثير من علامات الاستفهام.
وذكرت هذه المصادر، أن
"حميدتي استطاع أن يغير الصورة المأخوذة عنه لشراكته في حرب دارفور،
وتحول بسرعة فائقة إلى أحد أهم الأطراف قوة بسبب قدرته على تنفيذ اتفاقات وقعها
مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بالنظر إلى خبرة
القوات الأمنية التي يديرها".
وأشارت المصادر ذاتها،
إلى أن "حميدتي عمد لدعم هذه المكانة الدولية بشرعية شعبية داخلية من حيث
إعلانه منذ اندلاع الاحتجاجات انحيازه لها وعدم الدخول في مواجهة معها، لا بل إنه
رفض أن يكون جزءا من المجلس العسكري في صيغته الأولى برئاسة عوض بن عوف، وأنه انضم
للمجلس في صيغته الثانية برئاسة عبد الفتاح البرهان عندما رأى أنه استجاب لبعض
مطالب المحتجين".
لكن المصادر نفسها،
أكدت أن كل هذه المعطيات لا تكفي لقيادة مرحلة استئصال لتيار سياسي في السودان،
ليس لأن المرحلة لا تتحمل الإقصاء، بل لأن الوقائع على الأرض لا تسمح بذلك، بالنظر
إلى طبيعة المؤسسات ومكوناتها المتعددة الولاءات والانتماءات السياسية"، على
حد تعبيرها.
والخميس الماضي، أعلنت قيادة الجيش عزل
واعتقال الرئيس عمر البشير، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت في 19 كانون الأول/ ديسمبر
الماضي، تنديدا بالغلاء، ثم طالبت بإسقاط النظام الحاكم منذ ثلاثين عاما.
ومازال المحتجون
السودانيون، يعتصمون أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، وسط انتشار لوحدات
عسكرية في المكان، ويطالبون بـ "تسليم السلطة فورا إلى حكومة انتقالية مدنية
متوافق عليها عبر قوى الحرية والتغيير لتدير البلاد لمدة أربع سنوات، تحت حماية
قوات الشعب المسلحة".