هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تباينت القراءات في فهم ما يريده رئيس أركان
الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، بدعوته الأخيرة للطبقة السياسية إلى
الحوار من أجل إجراء انتخابات رئاسية في أسرع وقت دون المرور على مرحلة انتقالية.
ولم يحدد قايد صالح في خطابه الذي ألقاه الثلاثاء
وكرّره الأربعاء، من تمنراست في أقصى الجنوب الجزائري، معالم هذا الحوار الذي
يريده وما إذا كان الجيش طرفا فيه، مكتفيا ببعض العموميات كضرورة أن تشارك فيه
شخصيات ونخب وطنية تكون وفية للوطن ولمصلحته العليا المقدسة، ويتم عبره التنازل
المتبادل من أجل الوطن.
ويسبق خطاب قايد صالح الرجل القوي في النظام
الجزائري حاليا، إلغاءً وشيكا للانتخابات الرئاسية المقررة في 4 تموز/ يوليو
المقبل، والتي راهنت عليها قيادة الجيش في وضع نهاية للأزمة السياسية الحالية دون
جدوى، وذلك بعد أن عبّر الجزائريون من خلال مظاهراتهم عن رفضهم لإجراء هذه
الانتخابات في ظل سلطة رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح ووزيره الأول نور
الدين بدوي.
قراءات مختلفة
وتفاعلت الأحزاب السياسية مع خطاب رئيس الأركان
الأخير، بين مرحب على غرار حزب طلائع الحريات الذي يقوده علي فليس أو حركة مجتمع
السلم دون نسيان الأحزاب الموالية للرئيس السابق التي تحولت إلى دعم الفريق قايد
صالح، وبين رافض لمضمونه كما ورد في مواقف جبهة القوى الاشتراكية أو التجمع من أجل
الثقافة والديمقراطية.
وذكر حزب بن فليس في تعليقه، أن هذا الخطاب يحدد ويشخص بكل وضوح ودقة المعطيات الأساسية
للحوار المقترح؛ وذلك بجعل هدفه هو تنظيم انتخابات رئاسية غير قابلة للشك أو
الطعن، من خلال منهجية تتجسد في مبدأ الاستعداد والقبول بالتنازلات المتبادلة
الكفيل بإظهار نقاط التلاقي والتوافق التي من شأنها أن تسرع بالوصول إلى التسوية
العاجلة و النهائية للأزمة.
عكس ذلك، رأى حزب القوى
الاشتراكية، أن هذا الحوار مرفوض من حيث المضمون والشكل، لأنه يهدف فقط إلى إدامة
النظام الحالي، حيث يتم دعوة المشاركين لمجرد إقرار نهج قرره النظام بالفعل.
واستغربت كيف يحدد قائد الجيش مسبقا هدف الحوار وأطرافه وحتى نتائجه من خلال إقرار الذهاب إلى انتخابات رئاسية دون مرحلة انتقالية.
اقرأ أيضا: حمس الجزائرية تقبل حوار الجيش وتشترط رحيل خليفة "بوتفليقة"
توقيت الخطاب
غير أن خطاب قايد صالح بعيدا عن المواقف السياسية
المؤيدة والمعارضة، يستدعي قراءة من حيث توقيته الذي تعرف فيه قيادة المؤسسة
العسكرية ضغطا قويا من الحراك الشعبي الذي بات يردد في أيام التظاهر شعارات مناوئة
لها.
ويوضح أكرم خريف محلل الشؤون العسكرية في تفسيره
لدعوة الحوار، بأنها تأتي في ظرف حساس أدرك فيه قايد صالح بأن محيطه القريب لا
ينقل له حقيقة ما يدور في الميدان منذ 3 أيار/ مايو الماضي وهو التاريخ الذي ظهرت
فيه شعارات ضد قيادة الجيش وتحكمها في القرار السياسي.
ويبرز خريف في تصريحه لـ"عربي21" أن
قايد صالح كان يعتقد في البداية حسب ما كان ينقل له أن الشارع يؤيده خصوصا بعد
حملة مكافحة الفساد التي أطلقها وإدخال رؤوس كبيرة للسجن، لكنه تفاجأ بعد ذلك
بإصرار الجزائريين على رفض الانتخابات التي تقترحها السلطة وانتقاءهم الشديد لقيادة
الجيش، ما دفعه في النهاية إلى اعتماد استراتيجية جديدة لإعادة كسب ثقة المواطنين
من خلال اقتراح الحوار الذي سيفرض بالضرورة على الحراك الشعبي أن ينتظم ليكون
ممثلا.
شروط نجاح الحوار
وفي اعتقاد سمير بلعربي الناشط في الحراك الشعبي،
فإن الحوار لم يتوقف بين الشعب في الشارع يوم الجمعة وبين قيادة الأركان ممثلة في
القائد صالح يومي الثلاثاء والاربعاء.
ويشير بلعربي في تصريحه لـ"عربي21" إلى
أن الغلبة كانت دائما للشارع الذي استطاع منع تمرير عهدة خامسة للرئيس السابق ومنع
تمديد عهدته وبعدها إلغاء إجراء الانتخابات يوم 4 تموز/ يوليو.
ويضيف بأن "قوة الضغط الشعبي و إرادته على
مواصلة النضال السلمي لتحقيق باقي المطالب دفعت قيادة الأركان للدعوة للحوار
الحقيقي والبناء".
ولكي ينجح الحوار حسب بلعربي، "لا بد من
شروط؛ أولها رحيل رئيس الدولة المؤقت ووزيره الأول نزولا عند ما تطالب به الملايين
في الشارع منذ يوم 9 نيسان/ أبريل، وأي حديث عن بقائها هو إصرار على إطالة عمر
الأزمة" وفق بلعربي.
المرحلة الانتقالية
وحول إمكانية نجاح الحوار، يلفت رابح لونيسي
أستاذ العلوم السياسية، في تصريحه لـ"عربي21"، إلى أن قايد صالح من خلال
خطابه، ذكر أنه يرفض أي مرحلة انتقالية لتغيير آليات عمل النظام، متجاهلا فكرة
أساسية وهي أنه من المستحيل الانتقال من نظام إلى نظام جديد دون مرحلة انتقالية.
ويذكر لونيسي في تحليله للخطاب، أن "أقصى ما
يقدمه قايد صالح هو تشكيل هيئة مراقبة وتنظيم لانتخابات من شخصيات ممكن أن تكون
مستقلة نسبيا".
والغريب حسب أستاذ العلوم السياسية، فإن "قائد
الجيش يحصر الحوار في من يصفهم بذوي الحس الوطني، مع العلم أن مفهوم الحس الوطني
لدى رجالات النظام محصور في أحزاب الموالاة وبعض المعارضة المتحكم فيها".
ويختم لونيسي بالقول: "الحوار أمر مطلوب،
لكن ليس بشروط مسبقة، فالشعب الجزائري يريد تغيير آليات عمل النظام واستعادة حقه
في اختيار رئيسه وكل مسؤوليه بصفته صاحب السيادة ويريد إقامة قطيعة مع ممارسات
الماضي السائدة منذ 1962 والمتمثلة في اختيار الرؤساء والحكام من مجموعة أشخاص يتم
فرضهم على الشعب عبر التزوير".