منذ عام 2013 ووقوع الانقلاب العسكري في
مصر، تطالعنا الأخبار كل فتره عن أن دولة أو أخرى تضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة
الإرهاب أو أنها تدرس وضع الجماعة على قوائم الإرهاب.
كانت البداية في مصر بعد الانقلاب كما ذكرت، ثم كانت الإمارات وتبعتها السعودية. ثم انتقلت العدوى إلى الغرب، وكانت البداية مع ديفيد كاميرون في المملكة المتحدة، فقام بالدراسة والبحث، وكان القرار عدم وضعها على القائمة. ثم كان التهديد الأمريكي عام 2017، وما تم التصريح به منذ عدة أسابيع من خلال المتحدثة في البيت الأبيض. وأخيرا، ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن أن السعودية عرضت على الأردن مساعدة قدرها مليار دولار في مقابل حظر جماعة الإخوان هناك ووضعها على قائمة الإرهاب وأيضا قوبل الطلب بالرفض كما ذكرت عدد من الصحف. ومازال المسلسل مستمر فنجد في فرنسا دعوات مماثلة حتى الرئيس الفرنسي ماكرون منذ اقل من شهر يصرح أن تيار الإسلام السياسي يهدد الجمهورية الفرنسية ومن المتعارف عليه أن مصطلح الإسلام السياسي يشير إلي الجماعات الإسلامية التي ترى شمولية الإسلام وانه دين ودوله وفي القلب منها الإخوان المسلمين.
وقبل أن نجيب على التساؤل المطروح عن من هم الإرهابيون، فإننا أولا يجب أن نحدد ما هي البدائل المختلفة لصفة "الإرهابيين". وفي هذا المقال سوف أهتم ببديلين، أولهما هو ترامب وفريقه. والمقصود بفريق ترامب ليس فقط من معه في إدارته مثل جون بولتون أو بومبيو، أو مساعديه في البيت الأبيض ومنظومة الإدارة الأمريكية فقط، بل ينضم إلى فريق ترامب في هذا الشأن كل من ابن سلمان وابن زايد والسيسي ونتنياهو، ومن يدور في فلكهم.. أما البديل الآخر، فهو جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وقد اقتربت من إتمام المئة عام على تأسيسها.
وثانيا، نقوم بتعريف مصطلح الإرهابيين المشار إليه، وهو الصفة التي سيتم الوصم بها، فإنه من الضروري أن نقوم بتعريفها، أو كما يقال بتحريرها بشكل كامل وكاف حتى يكون الوصف دقيقا.
فالمصدر رهب، أي أخاف وأفزع، ويرهب أي يخيف وجاءت في القرآن الكريم بهذا المعنى في سورة الأنفال في قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ? ..". والمقصود بالإرهاب هنا هو الردع. وهذا المفهوم الذي عبر عنه القرآن منذ أكثر من 1400 عام لم تتوصل له البشرية إلا في نهاية الحرب العالمية الثانية. أما تعريف الكلمة باللغة الإنجليزية، فهو كل الجرائم من قتل وعنف وخلافه؛ تكون بهدف سياسي أو ذات بعد عنصري.
والتعريف حسب الوثائق الغربية لم يكن يُستخدم على عمليات العنف والتفجيرات التي كان يقوم بها الجيش الإيرلندي خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، في إنجلترا، أو عمليات منظمة إيتا التي كانت تطالب باستقلال إقليم الباسك في إسبانيا، خلال عقود الستينيات وحتى نهاية القرن العشرين، وكذلك ما كانت تقوم به منظمات عنصرية في أمريكا، مثل منظمة "كلو كلوكس كلان" ضد الزنوج أو الأجانب من غير البيض. فقد كانت هذه المنظمات تقوم بعمليات قتل وتفجير وسائل المواصلات العامة في المدن الأوروبية والأمريكية المختلفة، مثل لندن أو مدريد أو برمنجهام أو الأباما وغيرها، وينتج عنها العديد من الضحايا من المواطنين الأبرياء. وكان يطلق على منفذي تلك العمليات أنهم مجرمون وقتلة، ولم يكن أحد يستخدم مصطلح الإرهاب.. حتى جاءت أحداث أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة مع بداية الألفية الجديدة، والتي قام بها بعض المسلمين (كما تقول المصادر الغربية والأمريكية). فقد بدأ استخدام المصطلح "الإرهاب" أو "الإرهابيين" على العمليات الإجرامية التي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، خصوصا إذا كان الفاعل من المسلمين.
وهناك نماذج عديدة، آخرها الجريمة التي وقعت في نيوزيلندا وراح ضحيتها العشرات من المسلمين، وترددت الحكومة النيوزيلندية كثيرا قبل أن تعلن الاتهامات الموجهة للقاتل، ووضعت من ضمنها جريمة الإرهاب.
فإذا نظرنا إلى الجانبين (ترامب وفريقه وجانب جماعة الإخوان المسلمين)، فسوف نجد أن التعريف الأساسي لكلمة الإرهابي، بمعنى الردع، كانت الولايات المتحدة هي الأولى التي استخدمته، وذلك في الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت القنابل الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان في شهر آب/ أغسطس عام 1945، ولم يمر إلا شهر واحد حتى تم الإعلان عن نهاية الحرب العالمية الثانية (أيلول/ سبتمبر 1945).
وكان هذا الحدث هو بداية التعريف بمفهوم الردع في العصر الحديث، حيث أرهبت الولايات المتحدة دول العالم أجمع، والحليف قبل العدو، بمدى القوة التي أعدتها ومدى التدمير الذي يمكن أن تحدثه هذه القوة. وقد شاهد العالم مدى الدمار والقتل نتيجة هذه القنابل في اليابان (تم قتل أكثر من 120000 شخص في نفس اليوم التي ألقيت فيه القنابل)، والتي ما زالت تأثيرها حتى الآن. وبعدها بفترة قصيرة، لم تتجاوز سنوات قليلة، استطاعت دول أخرى مثل الاتحاد السوفييتي وإنجلترا والصين ثم فرنسا؛ التوصل لهذه القوة، وأرهبوا أنفسهم فيما بينهم وباقي دول العالم وردعوها عن محاربتهم، أو حتى التفكير في حرب مع هذه الدول التي تنتمي للنادي النووي.
أما بالنسبة للتعريف الجديد الذي بدأ استخدامه بعد عام 2001، والذي يتحدث عن استخدام العنف وترويع المدنيين وقتلهم من أجل هدف سياسي، فنجد أن ترامب وفريقه والإدارات الأمريكية المتتالية هم من قاموا ويقومون بهذه الممارسات منذ حرب فيتنام، منتصف الستينيات، أو في فلسطين في الضفة الغربية أو في قطاع غزة وترويع الفلسطينيين العزل وهدم بيوتهم على مدى 70 عاما، أو ما يقوم به ابن سلمان وابن زايد بقتل اليمنيين المدنيين وتشريد أطفالهم، أو ما يقومان به تجاه أبناء شعبهم، وما حدث لجمال خاشقجي ليس منا ببعيد، وكذلك قتل الناشطة الإماراتية علياء عبد النور في سجنها بأبو ظبي بعدم علاجها وبمنع تقديم الدواء اللازم، أو ما يحدث الآن مع العديد من العلماء في السعودية من أجل ترويع وتخويف باقي المواطنين من أن يفكروا في انتقاد النظم الحاكمة في الدولتين، وهذا بالتأكيد أهداف سياسية.
أما بالنسبة لمصر فحدث ولا حرج، فالقتل الذي يقوم به أعوان السيسي دون محاكمات، أو الإخفاء القسري أو ترويع المصريين، وما يحدث في السجون المصرية من تعذيب وقتل وانتهاك لحقوق الإنسان، وأثبتته تقارير كافة المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، والعديد العديد من الدلائل على أن ترامب وفريقه، سواء في مصر أو في فلسطين المحتلة أو في جزيرة العرب، قد مارسوا وما زالوا يمارسون الإرهاب في العديد من مناطق العالم حسب ذلك التعريف.
وإذا نظرنا إلى جانب الإخوان المسلمين، فأي مراقب منصف يجد أنهم أبعد ما يكونون عن التعريفين، سواء المقصود به الردع أو التعريف الحديث المعني بالعنف والترويع والقتل؛ اللهم إلا من شعارهم الذي يستخدم اللفظ القرآني "وأعدوا"، وهذا الشعار هو توجيه من الله عز وجل منذ أكثر من 1400 عام للمسلمين. وإذا دققنا النظر في هذا التوجيه الذي توصل العالم لمعناه في عصره الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، فهو الذي يحفظ العالم حتى الآن من الحروب العالمية التي أسفرت عن الملايين من القتلى (بلغ عدد القتلى في الحروب العالمية الأولى والثانية ما يتجاوز 140 مليون إنسان).
وإذا تساءلنا لماذا كل هذا الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين والتربص بها، بل ومحاولة إشغالها بالانقسامات الداخلية أو جذبها للانغماس في المشكلات المحلية، مثل مصر أو في سوريا، ودفعها للقبول بالنظام القائم، أو في اليمن من أجل ترسيخ الانقسام، وليبيا والسودان وحتى إندونيسيا، وغيرها من الدول التي يوجد للجماعة فرع لها، والجميع يعلم، وأولهم ترامب وفريقه، أن منهج الجماعة لا يدعو إلى العنف بل ينبذه ويجرمه. وهذا الهجوم الشديد إنما يعود في تقديري إلي منهج الإخوان المسلمين الذي يسعى إلى إقامة نظام حياة مختلف يحقق للناس الحرية والعدل.
وختاما، نعيد طرح السؤال: أيهما هو الإرهابي وفق التعريف السابق الذكر؟
والله المستعان وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.