سياسة عربية

لماذا حظرت الحكومة المصرية نشر أي أخبار عن "المياه"؟

خبير سدود: هناك شيء (ما) متوقع للنيل لا يسر أغلبية الشعب المصري وتتحوط وزارة الري بإخفائه عن المصريين- جيتي
خبير سدود: هناك شيء (ما) متوقع للنيل لا يسر أغلبية الشعب المصري وتتحوط وزارة الري بإخفائه عن المصريين- جيتي

حظرت الحكومة المصرية، نشر أي أخبار عن الموقف المائي في مصر إلا من خلال البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الموارد المائية والري.

وأصدر وزارة الري، الثلاثاء، منشورا وزاريا حمل رقم (7) لسنة 2019، يحظر فيه التواصل مع أية جهات خارجية، أو إبداء تصريحات تتعلق بالشأن المائي، إلا من خلال النشرات الصحفية، والمتحدث الرسمي للوزارة محمد السباعي.

وأضاف البيان أن المنشور يأتي في ظل سياسة وزارة الموارد المائية والري بشأن توحيد الخطاب الإعلامي، بما يخدم المصلحة الوطنية في التعامل مع القضايا المرتبطة بالمياه.

ويتزامن المنشور مع إعلان لجنة إيراد نهر النيل، أن مؤشرات الأمطار على منابع النيل أقل من المعدلات الطبيعية، مطالبة بالتشديد على استمرار إجراءات ترشيد المياه في جميع القطاعات، وتحرير محاضر مخالفات لزراعات الأرز والزراعات المخالفة خارج الزمامات المقررة.

وفي مؤشر على تنامي مخاوف الحكومة من نقص المياه، شددت اللجنة على ضرورة اتخاذ أعلى درجات الحيطة في إدارة كميات المياه ببحيرة ناصر لضمان تحقيق الاستخدام الأمثل لها، وعدم التأثير على المخزون الاستراتيجي للسد العالي تجنباً لأية أزمات.

الموقف المائي بمصر

وتراجعت حصة الفرد من المياه من 2000 متر مكعب سنويا في خمسينيات القرن الماضي إلى 950 مترا مكعبا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ثم 800 متر مكعب سنويا في العقد الأول من الألفية الثالثة، ثم إلى أقل من 600 متر مكعب في الوقت الحالي.

وقدًر وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، في تصريحات صحفية، حجم الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية بنحو 21 مليار م3 سنويا، مشيرا إلى أن 97% من الموارد المائية تأتي من خارج الحدود والباقي من الداخل.

ويبلغ متوسط منسوب مياه النيل أمام السد العالي نحو 172 مترا، ويصل الإيراد المائي من أعالي النيل إلى نحو 395 مليون متر مكعب، في حين يتراوح مخزون المياه ببحيرة ناصر جنوبي البلاد 119 مليار متر مكعب في أفضل أحواله.

ما وراء القرار

وعلق خبير هندسة السدود، محمد حافظ، بالقول إنه: "على الرغم من تحفظ الحكومة المصرية بشكل عام على أي مواد إعلامية تناقش الموقف المائي أو مناسيب بحيرة ناصر ووضعها، تحت ما يسمى بالأمن القومي، يأتي منشور وزارة الري ليكون قيد جديد إضافي على أي معلومة تخص النيل ومعدلات تدفقه وموقف بحيرة ناصر والسد العالي".

وأضاف لـ"عربي21": أن "قرار وزير الري يعكس بحق أسلوب حكومة السيسي في التعامل مع الشعب المصري بـ (صفر) شفافية، وكأن هناك شيئا (ما) متوقعا للنيل لا يسر أغلبية الشعب المصري وتتحوط وزارة الري بإخفائه عن الشعب المصري".

وأكد أن "جميع الصور الملتقطة لسد النهضة بعد النصف الأول من إبريل كانت تؤكد إستعدادات الحكومة الإثيوبية لإغلاق الممر الأوسط للسد تمهيدا لبدء التخزين خلال فيضان أغسطس 2019"، مشيرا إلى أن "الصورة الفضائية أظهرت تنظيف أسطح الممر بمواد فوسفاتية بيضاء، كما تم توسيع المجاري المائية أمام وخلف السد، وهذه أعمال تمهيدية لابد منها قبل الإغلاق النهائي للسد ومنع الفيضان عن السودان ومصر".

ورأى حافظ: "أن التلميحات التي صدرت مؤخرا من عدة مراكز بحث مناخي دولي تتوقع فيه فيضان ضعيف جدا لنهر النيل خلال الصيف القادم نتيجة التغيرات المناخية ربما يكون هذا هو السبب الحقيقي لمحاولة وزير الري إخفاء أي معلومة عن الشعب المصري تتعلق بنهر النيل".

تقليص زراعة الأرز

وفند الخبير في علوم الزراعة، عبدالتواب بركات، مزاعم الحكومة بتحمل الأرز مسؤولية نقص المياه، قائلا: "السؤال الواجب الآن هو لماذا قلصت حكومة السيسي المساحة المزروعة بالأرز ومحاربة زراعته بحجة شح المياه بالرغم من إعلان إثيوبيا عن تعثر بناء سد النهضة وعدم تخزين المياه هناك؟".

وأضاف لـ"عربي21": "لا يوجد مبرر لمحاربة الأرز، وتغريم المزارعين والتشدد في تحصيل الغرامة وسجن المتعثرين، واتهامهم بتبديد المياه"، مشيرا إلى أنه يجب تعويضهم عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم جراء مثل تلك الاتهامات الباطلة".

ورأى أن زيادة إيرادت النيل من المياه "ليست بمحاربة زراعة الأرز، والزراعات الأخرى المجدية للفلاح، ومصر الآن غير مستعدة لأي نقص في المياه، فلا توجد مشروعات لتحسين أداء استخدامات المياه بالمستوى المطلوب".

مصداقية البيانات

من جهته؛ رأى الخبير المائي بالأمم المتحدة وأستاذ المياه بمركز بحوث الصحراء، أحمد فوزي، أن قرار الحكومة بحظر تناول أي بيان عن الوضع المائي لمصر، يهدف إلى "مصداقية البيانات"، مشيرا إلى وجود فرق بين "المؤشرات والقياس الخاصة بمنسوب المياه والأمطار".

وإذا ما كانت كمية الأمطار على نهر النيل تتحمل مسؤولية نقص المياه، أكد لـ"عربي21" أن "من يحكم الأمور في النهاية هو القياس الفعلي لكمية الأمطار، ويمكن أن يكون رقما كبيرا يؤثر على نقص المياه، أو رقما طبيعيا"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الإيراد المائي لنهر النيل يحكمه في نهاية المطاف "معدلات سقوط الأمطار، ومعدلات البخر، ومعدلات الاستفادة من المياه الجارية من عدمه، وتقليل الفواقد، والقدرة على إدارة خزانات المياه، وغيرها من العوامل".

 

التعليقات (0)