هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، سلطت فيه الضوء على الخيارات المحدودة المطروحة أمام الولايات المتحدة في إطار حربها الباردة ضد إيران، خاصة إثر الاتهامات الأمريكية بوقوف طهران وراء الهجوم الأخير في منطقة الخليج.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إدارة ترامب صرحت بأن طهران مسؤولة عن الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط بالقرب من مضيق هرمز. لكن مصداقية هذه الإدارة محدودة، كما أنها لا تملك استراتيجية واضحة ضد الجمهورية الإسلامية. وبعد أن انسحبت بطريقة أحادية الجانب من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في سنة 2015، تبحث الولايات المتحدة عن طريقة لكسر عزلتها في هذا الملف باستخدام أدلة مزعومة لتبرير هذا الاتهام.
وأوردت الصحيفة أن تأثير هذا الانسحاب المذهل قُيّم قبل أكثر من سنة بشكل إيجابي من قبل واشنطن. وتحت تهديد حلفائها، بدءا من الموقّعين الأوروبيين على هذه التسوية، تم فرض حظر نفطي على إيران، وهو ما أغرق اقتصاد البلاد في حالة ركود. لكن في هذه المسألة، تواجه إدارة دونالد ترامب عائقين على الأقل.
وذكرت الصحيفة أن العائق الأول يتمثل في المصداقية، الذي يتجلى من خلال شكوك بعض البلدان، على غرار ألمانيا، فيما يتعلق بالدلائل التي تقدمت بها واشنطن. وقد حاول وزير الخارجية مايك بومبيو رفع هذه الشكوك يوم الأحد 16 حزيران/ يونيو، مسلطا الضوء على شكل من أشكال الجبن من جانب البلدان التي "ترغب في اختفاء كل هذا". ومنذ مهزلة أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير غزو العراق سنة 2003، التي لم تعثر واشنطن على أي أثر لها، أصبحت الاتهامات الأمريكية في الشرق الأوسط غير موثوقة.
أما بالنسبة للعائق الثاني الذي يبدو أكثر أهمية، فيرتبط بالغموض الذي يشوب تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف الإيراني. ومن خلال فرض "أقصى الضغوط"، تهدف الاستراتيجية المعتمدة منذ الانسحاب من الملف النووي إلى إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وأوضحت الصحيفة أن واشنطن لا تنتظر من النظام الإيراني الخضوع للشروط الجديدة المتعلقة بهذا المشروع المثير للجدل فحسب، وإنما التخلي عن تجارب القذائف الباليستية، ووقف تأثيرها الإقليمي. ومن خلال اتهام إيران بالهجمات التي جدت مؤخرا في خليج عمان، تُسلم واشنطن بأن نتائج هذه الاستراتيجية أكثر من محدودة.
ومع ذلك، كان ترامب متفائلا يوم 30 أيار/ مايو، حيث صرح قائلا: "حين أصبحت رئيسا، كانت إيران دولة إرهاب حقيقية في العالم بأسره"، قبل أن يؤكد مرة أخرى "أنها تغرق الآن في الفوضى". واعتبر الرئيس، الذي رأى أنه ليس أمام إيران خيارات عديدة، أن هذه الدولة "تريد التحدث"، "وإذا أرادت التحدث فأنا جاهز".
ونوهت الصحيفة بأن فشل مهمة المساعي الحميدة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، التي تزامنت مع الهجمات التي استهدفت ناقلتي النفط، يظهر أن هذا الأمر ليس صحيحا. فلم تتوقف التجارب الصاروخية منذ سنة. وفي اليمن، أصبحت مليشيات الحوثيين التي تدعمها إيران نشطة أكثر من أي وقت مضى. ووفقا لوكالة "تسنيم" الدولية للأنباء شبه الرسمية، المقربة من العسكريين، يمكن لطهران أن تتصرف بحرية أكبر في خصوص برنامجها النووي؛ لأن اتفاقية 2015 أضحت محرومة من مكاسبها السياسية والاقتصادية بسبب إملاءات الولايات المتحدة.
وأضافت الصحيفة أن وجود كل من مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، إلى جانب دونالد ترامب، يؤكد أيضا وجود شكوك حول الرغبة في تغيير النظام. وفي شهر شباط/ فبراير، وفي مقطع فيديو نُشر على حسابه على تويتر في الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، قال بولتون: "لا أعتقد أنه سيكون لديكم الكثير من أعياد الميلاد مستقبلا".
ومع تأكيد رغبته في أن يغير النظام الإيراني "سلوكه"، اعتبر وزير الشؤون الخارجية في مطلع أيار/ مايو أن "ما يمكن أن يتغير هو أن يُبدل الشعب الإيراني حكومته". وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ في نيسان/ أبريل، أكد مايك بومبيو على العلاقة المتنازع عليها بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة الإرهابي. في حال تدخل عسكري، قد تسمح هذه العلاقة باللجوء إلى القانون الذي يسمح باستخدام القوة، والذي تم تبنيه في أيلول/ سبتمبر 2001، دون الحاجة إلى الحصول على الضوء الأخضر من الكونغرس.
وأوردت الصحيفة أن الأمور تتطور كما لو أن الضغط الأقصى الذي تفرضه واشنطن قد غذى التشدد في طهران، ما يزيد من خطر انزلاقات لن يكون بالإمكان السيطرة عليها. وأبدى دونالد ترامب، الذي اعتاد المجتمع الدولي على خطاباته الدائمة، منذ 13 حزيران/ يونيو، ضبط نفس واضح. وعلى الرغم من أنه قام بنشر اتهامات تدين إيران بشن هجمات على ناقلات النفط، إلا أن ذلك لم يكن على شاكلة تهديداته السابقة. وسيسبب التصعيد بالنسبة له معضلة قاسية بالفعل.
وفي الختام، أفادت الصحيفة بأن الرئيس، المتردد بشأن الحرب، أكد يوم 20 أيار/ مايو أنه "إذا أرادت إيران القتال، فستكون نهايتها الرسمية".
وفي منتصف شهر أيار/ مايو، ووفقا للصحافة الأمريكية، درس البنتاغون مسألة إرسال قوات عسكرية إضافية إلى المنطقة، دون البت في ذلك. وسوف تتعارض هذه التعزيزات مع القناعة التي لطالما عبّر عنها دونالد ترامب في مناسبات عديدة، ألا وهي تقليص تدخل بلاده في مستنقع الشرق الأوسط إلى حده الأدنى.