هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يواجه الاتفاق الذي توصلت إليه قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تُمثل
الثوار السودانيين، والمجلس العسكري الانتقالي، بتحديات كبيرة، أبرزها فجوة الثقة
بين الطرفين، واحتمالية انقلاب "العسكري" على الاتفاق.
وبعد مخاض عسير، اتفق فجر (الجمعة) المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير
على تشكيل جزء من المؤسسات الانتقالية (حكومة مدنية ومجلس سيادي مناصفة بين
الطرفين وبرئاسة عسكرية لمدة 21 شهرا ومدنية لـ18 شهرا)، وأرجأ الاتفاق تكوين
المجلس التشريعي إلى ثلاثة أشهر.
وسبق أن ألغى المجلس العسكري من جانب واحد اتفاقا مع قوى إعلان الحرية
والتغيير، عقب فض الاعتصام الذي أقيم أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، في
الثالث من حزيران/ يونيو الماضي، ما أدى لقتل العشرات ومئات الجرحى من المعتصمين.
ويُثار في السودان حاليا تساؤل حول نتائج لجنة التحقيق المستقلة في جرائم
القتل والانتهاكات التي وقعت أثناء الاحتجاجات الشعبية، وإن كانت ستوجه أصابع
الاتهام نحو قوات الدعم السريع، التي يقودها الرجل النافذ ونائب رئيس المجلس
العسكري الانتقالي، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي".
ورغم حالة السرور التي اجتاحت السودانيين بعد التوصل إلى اتفاق يحقق مكاسب
كبيرة للثوار، إلا أن قضايا أخرى تظل مقلقلة، مثل وقف التدهور الاقتصادي الحاد،
وكيفية التعامل مع أجهزة ومؤسسات النظام المنهار ومناصريه.
ويرى محمد وداعة، أحد قادة الحرية والتغيير، أن ما سماها "الدولة
العميقة" تُعد أبرز المهددات عبر تحركاتها نحو إجهاض الاتفاق، مستبعدا انقلاب
المجلس العسكري مرة أخرى على الاتفاق، بعد أن اتضح له قدرة قوى الحرية والتغيير في
تحريك الشارع، كما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو، إضافة إلى أن عدم تنفيذ
الاتفاق من قبل "العسكري" سيكشف مجلسه أمام السودانيين وأمام كافة
مكونات المجتمع الدولي الذي يساند ويدعم هذا الاتفاق.
بيد أن وداعة يرى في تصريحات لـ"عربي21" تحدّيا آخر، يتمثل في "إخلاص
الأطراف على تنفيذ الاتفاق وبناء الثقة بينها، إلى جانب هموم الفترة الانتقالية
والمشكلات الاقتصادية"، كما توقع أن "تنشأ حركات مطلبية فئوية أو جهوية
لرد المظالم التي لحقت بها في ظل النظام السابق، خصوصا أن الاتفاق على حكومة
مدنية تتيح الحريات يُشكل فرصة مواتية لهذه المطالب".
ويقول مراقبون إن أجواء التفاوض الأخيرة صنعت "نوعا" من الثقة
بين الطرفين، لكن الاتفاق لم ينص بشكل واضح على ضمانات تمنع قيام المجلس العسكري
بانقلاب على الاتفاق، مشيرين إلى أن المرحلة تتطلب شراكة حقيقية؛ حتى لا يكون هنالك
فشل ما ينعكس على البلاد.
وفي تحليله لهذا السياق، قال رئيس صحيفة الانتباهة السودانية النور أحمد
النور، لـ"عربي21"، إن الملاسنات والتراشقات الإعلامية المتبادلة بين
الشريكين الجدد (المجلس العسكري) و(قوى الحرية والتغيير) عزز من انعدام الثقة
بينهما، و"سيلقي ذلك بظلاله على خطوات تنفيذ الاتفاق، وربما يحولها إلى شراكة
متوترة".
ورأى النور أن الاتفاق يحتاج إلى "تحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني
حوله، واستيعاب القوى الأخرى التي تشعر بغلق الباب أمامها باتفاق ثنائي، الأمر
الذي يدفعها إلى معارضة الاتفاق والحكومة الانتقالية التي تحتاج إلى استقرار وبيئة
سياسية ملائمة بعيدا عن الاستقطاب والتوتر".
ووفقا للنور، فإن المرحلة المقبلة "لن تكون مفروشة بالورود، فثمة
تحديات عظيمة، أبرزها شكل التعاطي مع التركة التي خلفها النظام السابق، وإنجاز
السلام، وإسكات صوت البنادق، وإشاعة الحريات العامة، وإصلاح الاقتصاد، وإعادة التوزان
لمؤسسات الدولة، ثم الإعداد للانتخابات وصناعة الدستور".
وأوضح أن "أكبر تحد للاتفاق هو مخاطبة قضايا الشباب الذين كانوا عماد
الثورة، وقدموا أرواحهم ودماءهم وأطرافهم رخيصة من أجل التغيير، فإذا لم تنجح
الحكومة الانتقالية في تصميم برنامج فاعل ورؤية واضحة، فإنهم لن يصمتوا، ولن يرضوا
بتجاهلهم وتجاوز ما خرجوا من أجله".
ورغم ترحيب القوى السياسية بالاتفاق، إلا أن الأمين السياسي لحركة العدل
والمساواة، نهار عثمان نهار، وصف الاتفاق بأنه "ثنائي"، وأنه سيعيد إنتاج
الأزمة في مربعها الأول، مشيرا إلى أن أي اتفاق ثنائي بين العسكري والتغيير سيقود
إلى عدم الاستقرار وتجديد الأزمات.
وقال لـ"عربي21": "لم يتركوا لنا سوى أن نكون في المعارضة
ومراقبة الحكومة إلى حين قيام الانتخابات".
لكن أستاذ العلوم السياسية بعدد من الجامعات السودانية، الدكتور محمد خليفة
صديق، قلل من إمكانية أي ردود فعل سلبية من بعض التحالفات على الاتفاق، وقال
لـ"عربي21" إن نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي أكد عدم إقصاء أي قوى
سياسية فاعلة أو مكون اجتماعي.
وتوقع صديق أن تمثل كافة القوى السياسية بالمجلس التشريعي المرتقب بعد
ثلاثة اشهر.
اقرأ أيضا: السودان.. مواقف رافضة وأخرى مرحبة لـ"اتفاق الخرطوم"