هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا زال التوتر يتصاعد في الجنوب السوري، وذلك على خلفية تزايد العمليات الهجومية ضد قوات النظام، في وقت بدأت شخصيات من الأخير بدعوة روسيا إلى إنهاء العمل بالاتفاق الذي وقعته مع فصائل المعارضة بالجنوب.
وعلى وقع سلسلة الهجمات في الجنوب
السوري، التي كان آخرها تفجير حافلة عسكرية كانت تُقل عددا من الضباط والجنود
الأسبوع الماضي، خرج مسؤول في النظام السوري ليدعو روسيا إلى إيقاف العمل باتفاق
تموز/ يوليو، الذي تم التوصل إليه بين النظام وفصائل "التسوية" برعاية
روسية، "لأنه لم يعد اتفاقا مفيدا".
وانتقد أمين سر "مجلس الشعب
السوري"، خالد العبود، طريقة التعاطي الروسية في الجنوب التي تتسبب بالفوضى،
وقال إن "سلاحا لم تشرف عليه الدولة، أو مؤسساتها، ظل في يد بعض التشكيلات
المسلحة، هو السلاح الذي أضحى يشكل عبئا على مؤسسات الدولة ومجتمع أهالي الجنوب".
وأضاف العبود عبر موقع
"فيسبوك" أن "الاغتيالات تتزايد لبعض المواطنين المدنيين الذين
يساهمون بدور إيجابي في تهدئة النفوس، أو التقريب بين أطراف المجتمع السوري في
كثير من المناطق، كما أن التفجيرات التي تستهدف أبناءنا في القوات المسلحة في أكثر
من موقع ومكان، إضافة إلى أخرى ظهرت في الأيام الأخيرة، بحق بعض أصدقائنا من أفراد
القوات الروسية"، وذلك في إشارة إلى الهجوم الذي تعرضت له دورية روسية في 13
من الشهر الجاري، بريف درعا.
اقرأ أيضا: ما دلالات الهجمات المتزايدة ضد "النظام " وروسيا بدرعا؟
وتابع بأن "المطلوب، تدخل
الدولة بكامل قوتها، وكامل سلطتها، للسيطرة على الوضع، خاصة أننا ندرك أن مؤسسات
الدولة هي الأقدر على فرض السيطرة، وملاحقة أولئك المجرمين الذين ما زالوا يعيثون
فسادا وإجراما في هذه المناطق"، على حد قوله.
وأنهى العبود المنحدر من درعا
حديثه، بدعوة النظام إلى الضرب بيد من حديد لكل من له دور بهذه الفوضى بالجنوب
السوري.
من جانبه، هاجم القيادي في فصائل
المعارضة سابقا، أدهم الكراد دعوة العبود، واصفا إياه بـ"بالمنافق"،
محذرا في الآن ذاته من خطورة الذهاب تجاه الحل العسكري.
وطرح مراقبون تساؤلات حول الرد
الروسي على هذه الدعوات، وما إذا كانت تشكل تمهيدا للانتهاء من اتفاق الجنوب، الذي
لم يسمح للنظام بالانتشار عسكريا في كل مناطق الجنوب.
ووفق بنود الاتفاق، تنقسم درعا
أمنيا إلى قسمين، الأولى تلك التي سيطرت عليها قوات النظام بالقتال في ريف درعا
الشرقي في بداية الحملة العسكرية في حزيران/ يونيو 2018، وهذه المناطق جردتها قوات
النظام من جميع أنواع الأسلحة، فيما تشكل المناطق التي عقدت اتفاقيات تسوية مع
النظام برعاية روسية، القسم الثاني، وهذا القسم احتفظ بسلاحه الخفيف، من دون دخول
النظام إلى مناطقه، باستثناء المؤسسات الحكومية المدنية التي واصلت عملها.
وسبق أن أكدت مصادر عسكرية روسية،
أن توجيهات صدرت للنظام السوري أواخر حزيران/ يونيو الماضي، تقضي بتمديد اتفاق
"المصالحات" في الجنوب السوري لعام إضافي، لكن من دون أن يتم تأكيد ذلك
من مصادر رسمية، فهل ستنهي روسيا العمل باتفاق الجنوب، وتسمح للنظام بالسيطرة
عسكريا وأمنيا على كامل المنطقة؟
حسابات روسية
وردا على ذلك، استبعد الكاتب
الصحفي السوري المقيم بدرعا زياد الريس أن تعلن روسيا عن انتهاء العمل باتفاق
الجنوب السوري، مرجعا ذلك إلى وجود حسابات روسية دولية وأخرى متصلة بالوضع السوري.
وقال الريس لـ"عربي21"،
إن روسيا تعهدت أمام الجانب الأمريكي وكذلك أمام أطراف إقليمية أخرى، بعدم السماح
لإيران و"حزب الله" بالدخول إلى الجنوب السوري.
وأضاف الريس أن "انتشار قوات
النظام في كامل الجنوب، يعني انتشار إيران وحزب الله بشكل علني في الجنوب، رغم أن
قوات الأخيرة موجودة بشكل غير معلن في الوقت الحالي، وهذا الأمر لن يوافق عليه
الأطراف الأخرى "، مؤكدا أن "حزب الله يتستر على وجوده بتشكيلات تابعة
للنظام، مثل الفرقة الرابعة، والفرقة الأولى".
وأبعد من ذلك، بدا الريس جازما بأن
انتهاء اتفاق الجنوب لا يصب في مصلحة النظام، وقال إن "خروج السويداء
المحاذية لدرعا عن سلطة النظام تماما، يعطي العصيان المحتمل في درعا في حال تم
الإعلان عن إنهاء اتفاق الجنوب بعدا كبيرا، حيث يهدد بخروج الجنوب السوري كاملا عن سلطة النظام، وخصوصا أن ليس لدى
الأخير القدرة عسكريا على إعادة سلطته بالقوة".
وبحسب القراءة السابقة، يعتقد
الصحفي ذاته، أن من يقف وراء الدعوات بوجوب إنهاء اتفاق الجنوب، حزب الله وإيران،
وذلك في إشارة إلى تبعية العبود إلى إيران.
اقرأ أيضا: 5 قتلى للنظام السوري بتفجيرين في درعا
وفي هذا الصدد، اتهم الريس إيران
بالمسؤولية عن غالبية العمليات الهجومية التي تحدث في درعا وريفها بقوله: "معلوم بأن المليشيات الإيرانية وحزب الله المتغلغلة في الجنوب، تمتلك فرق
اغتيالات في المنطقة، وهي تريد إيجاد أوراق جديدة في المنطقة، لمجابهة العقوبات
الأمريكية في سوريا".
وأشار الكاتب الصحفي إلى التوتر
الذي يسود الشرق الأوسط عموما نتيجة التجاذب الإيراني- الأمريكي، معتبرا أن
"الجنوب السوري من أهم الأوراق التي تسعى إيران إلى تحريكها، كونها على صلة
مباشرة باستقرار وأمن إسرائيل، المهم للولايات المتحدة".
ومتفقا مع الرأي السابق، اعتبر
المحلل السياسي، الدكتور نصر فروان من درعا، أن الجنوب السوري يكتسي خصوصيته من أهمية موقعه الجغرافي الحدودي
مع إسرائيل والأردن، وقربه من دمشق، وهو ما يعطي لكل من هذه الأطراف الثلاثة (النظام السوري، الأردن، إسرائيل)، إضافة إلى
الداعمين روسيا وأمريكا وإيران، مصالح أو تطلعات فيها"، على حد قوله.
وقال فروان لـ"عربي21"
إن "عودة النظام إلى الجنوب كان بتوافق دولي بين كل تلك الأطراف بعد محادثات
قادتها روسيا مع إسرائيل من جهة، والولايات المتحدة والأردن من جهة أخرى".
إجماع دولي
ولذلك، ووفق فروان، فقد تشكل شبه
إجماع دولي على عودة دمشق إلى الجنوب السوري، ولكن مع إبعاد حليفها الإيراني عن
الحدود، وانتشار شرطة عسكرية روسية، معتبرا أن "هذا يعني أن النظام السوري هو
الطرف الأضعف بين أطراف الاتفاق"، معربا عن اعتقاده بأن "هناك قناعة لدى
إسرائيل بأن وجود قوات النظام منفردة بالجنوب يعني وجود قوات حزب الله وقوات
إيرانية، وهذا ما لا يقبل به سلطات الاحتلال".
من جانب آخر، شكك فروان بقدرة
النظام العسكرية على فرض السيطرة على كامل الجنوب، بقوله: "نحن الآن أمام
بقايا نظام فقد الفاعلية ولا يمتلك حرية اتخاذ القرار، وفي الآن ذاته هو في مأزق
كبير ويعاني في الشمال السوري".
يذكر أنه بحسب أرقام نشرتها مراكز
توثيق محلية، واطلعت عليها "عربي21"، فقد سجلت درعا 25 عملية هجومية في
شهر حزيران/ يونيو، أدت إلى مقتل 13 شخصا وإصابة 9 آخرين، بينما نجا 3 أشخاص، فيما
لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن أي عملية أو محاولة اغتيال.
بالمقابل، سجل الشهر الجاري زيادة
في حجم ونوعية هذه العمليات، ففي منتصفه استهدفت دورية تابعة للشرطة العسكرية
الروسية، في حادثة اعتبرت الأولى من نوعها، تلاها بأيام قليلة تفجير حافلة عسكرية
أودت بحياة ما لا يقل عن 6 ضباط من قوات النظام السوري.