هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرح الخطاب الأخير
لقائد الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، تساؤلات بشأن مستقبل هيئة "الحوار
والوساطة" المشكلة حديثا من شخصيات مستقلة، بعد أن رفض كل إجراءات التهدئة
التي وضعتها الهيئة التي كان مُعوّلا عليها لفك عقدة الانسداد السياسي، كشرط
للقيام بمهمتها.
وذكر الفريق أحمد قايد
صالح رئيس أركان الجيش، أنه يرفض كل الشروط التي وصلت، حسبه، إلى حد الإملاءات،
في ما يتصل بإطلاق سجناء الحراك ورفع الإجراءات الأمنية الثقيلة على العاصمة في
أيام التظاهر.
وشدّد على أنه لا يجب
التدخل في عمل العدالة بالدعوة لإطلاق سراح السجناء، نافيا تماما أن يكون هناك
سجناء رأي، لأن الذين تتم متابعتهم بسبب حملهم الراية الأمازيغية قد قاموا بإهانة
الراية الوطنية، حسب رأيه.
ومن وجهة نظره، فإن
الإجراءات الأمنية المشددة التي تحد من حركة الوافدين للعاصمة، هدفها هو حماية
المسيرات من الاختراق وليس التضييق عليها، لذلك فإنه لا مجال، حسبه للاستغناء عن تلك الحواجز أو التقليص منها.
تصدع الهيئة
وتسبب هذا الخطاب
المناقض لتعهدات رئيس الدولة عبد القادر بن صالح عندما استقبل مجموعة الحوار،
مباشرة في انسحاب إسماعيل لالماس أحد أعضائها الستة احتجاجا على عدم الاستجابة
لشروط الهيئة.
وقال لالماس في تصريح
لـ"عربي21" إنه عندما تقدم ليكون في هيئة الحوار كان ذلك "إيمانا
منه بأداء واجب وطني والمساهمة في حل الأزمة السياسية، لكنه وضع من البداية شروطا
تسبق عملية الحوار".
وأبرز لالماس أن الشروط
التي وضعها كانت تتقاطع ما يريده الحراك من إطلاق لسراح المسجونين وفسح المجال
للجزائريين لدخول العاصمة أيام التظاهر ورحيل الحكومة وغير ذلك، وهو ما جعله ينسحب
بعد أن تأكد من أن السلطة لا تنوي الاستجابة لها.
وأضاف الخبير
الاقتصادي، أنه يؤمن بأن الحوار يجب أن يكون مع الشعب، لذلك كان من الضروري قبل البدء
بالحوار تلبية هذه المطالب الضرورية الأولية لإقامة المناخ المناسب له، وإلا فإنه
لن ينجح.
تدخل العسكر
واليوم، توجد هيئة
الحوار والوساطة في مفترق الطرق، بعد أن أكد منسقها كريم يونس، أنها لن تتنازل عن
شروط التهدئة وستمهل السلطات مدة أسبوع للاستجابة لها في حديثه أمس مع الإذاعة
الرسمية.
ويرجح متابعون ألا يصمد
كريم يونس الذي اشتهر بمعارضته الولاية الثانية للرئيس السابق عبد العزيز
بوتفليقة، طويلا في منصبه بالنظر إلى الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها من الحراك
والتي زادت حدتها بعد خطاب رئيس الأركان.
إقرأ أيضا: جيش الجزائر: الحوار هدفه الانتخابات ولا نقبل "شروطا مسبقة"
وأوضح الناشط في الحراك
الشعبي، سمير بلعربي، أن خطاب قايد صالح دليل على التدخل المستمر للعسكر في الشأن
العام و رفض التنازل وعدم الاستعداد لقبول إرجاع السيادة للشعب.
وذكر بلعربي
لـ"عربي21" أن هذا الخطاب دليل كذلك على أن الهيئة ليست مستقلة
وقراراتها غير ملزمة كما أنه تدخل سافر في عملها رغم تعهد رئيس الدولة في خطابه
يوم 3 تموز/يوليو بأنها ستكون بعيدة عن الرئاسة والجيش.
ويثبت عدم اعتراف رئيس
أركان الجيش بتعهدات رئيس الدولة السابق، وفق قراءة بلعربي، أن "البلاد
اليوم تسيرها المؤسسة العسكرية بواجهة مدنية، وهو ما يفسر احتفاظ قايد صالح بابن
صالح كرئيس دولة وقد أصبح دوره سكرتير مرحلة".
انطلاقة خاطئة
لكن قبل خطاب رئيس
الأركان، ظهرت عدة تحاليل ترجح فشل الهيئة في عملها، بسبب انطلاقتها المتعثرة
وارتياب الحراك الشعبي منها والتشكيك في مصداقيتها وأهليتها للقيام بهذه المهمة.
ويعتقد القانوني
والبرلماني السابق، فاتح قرد، أن "انطلاقة هيئة الحوار والوساطة كانت عرجاء
منذ البداية، حيث إنها اتسمت بالغموض وغياب الشفافية في طريقة تشكيلها والجهة التي تواصلت مع الأعضاء ليكونوا
ضمنها، وكذا تردد البعض في الالتحاق بها رغم أنهم كانوا حسب ما تسرب موافقين على
العضوية بها".
وأضاف فاتح في حديثه مع
"عربي21"، أن "تشكيلة الهيئة لا تلبي طموحات الجزائريين عموما
والحراك بوجه أخص، فكانت تشكيلتها أقل من السقف الذي عبّر عنه رئيس الدولة في
خطابه الذي دعا فيه للحوار، حيث كان ذكر أن أعضاءها سيتمتعون بسلطة معنوية، وهو ما
لم تعكسه التركيبة المعلن عنها".
مخاوف فشل الحوار
وفي ظل توقعات فشل هيئة
الحوار، باتت تُطرح اليوم تساؤلات حول البدائل الممكنة لمعالجة الوضع المتأزم
المستمر منذ 5 أشهر، خصوصا أن كل طرف يبدو متشبثا بمواقفه رافضا التنازل للآخر.
ويتخوف سفيان جيلالي
رئيس حزب جيل جديد، في حديثه مع "عربي21" من أن يكون البديل هو عودة
الممارسات القمعية والذهاب إلى إيقاف الحراك الشعبي بالقوة في الشهرين المقبلين.
وفي تحليل جيلالي، فإن
السلطة في حال فشل الحوار، ستراهن على وقف الحراك ومن ثم فرض انتخابات رئاسية
بالمبررات المعروفة التي تربطها السلطة عادة بالأمن القومي.
ويرى رئيس جيل جديد،
مسألة رفض رئيس أركان الجيش لشروط التهدئة من منظور آخر، إذ يأتي ذلك، بحسبه، كرد
فعل من المؤسسة العسكرية على ما تعتبره تعنت بعض الأطراف السياسية في رفض كل
المبادرات والتشكيك فيها.
ويعتقد جيلالي، أن هناك
مواقف متشنجة لا تحسن التعاطي مع الوضع، فالمؤسسة العسكرية في طبيعتها لا تسير
بمنطق التفاوض في كل دول العالم، وبالتالي عندما دعت للحوار في الجزائر ووجدت
مقاومة أعادها ذلك إلى طبيعتها الأصلية القائمة على إصدار الأوامر، وهو ما يبعث
على القلق حول مستقبل العملية السياسية في البلاد.