هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت قضية قتل الشابة الفلسطينية "إسراء غريب"، جدلا وغضبا واسعين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة، عقب ترجيح مقتلها على يد أفراد من عائلتها على خلفية "شرف العائلة".
وانتشرت قصّة إسراء بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أطلق نشطاء هاشتاغ "كلنا إٍسراء غريب"، وقالوا إن وفاتَها جاءت بسبب التعنيف الأسريّ، وإن صورةً التقطتها برفقة شاب كانت تنوي الزواج به بعد أن تقدم لخطبتها، كانت السبب الرئيس في مقتلها.
وفي التفاصيل، يقول نشطاء، إن قصة غريب التي تعمل في مركز للتجميل في بلدة بيت ساحور جنوب الضفة الغربية المحتلة، بدأت حين وافقت عائلتها على خطبتها من شاب تقدم لها، ثم خرجت برفقته وشقيقتها بعلم والدتها، بهدف التعرف عليه في أحد مطاعم المدينة، وقاموا بالتقاط فيديو قصير نشر على "إنستغرام"، فيما استغلت ابنة عمها المقطع، لتقوم بإبلاغ والدها وأشقائها والتحريض على الفتاة؛ بحجة خروجها مع شاب قبل عقد القران.
وكان نشطاء على مواقع التواصل تناقلوا مقطعا مصورا من داخل مستشفى حيث كانت ترقد إسراء غريب، ويسمع فيه صراخ حاد، قيل إنه كان للحظات الأخيرة في حياة الفتاة قبل أن يقدم أفراد من عائلتها على قتلها بضربة على رأسها، وهي على سرير المستشفى، فيما خرجت مسيرة في مسقط رأس إسراء استنكارا لحادثة القتل.
يأتي ذلك، فيما تواصل النيابة العامة الفلسطينية التحقيق في ملابسات الحادث، وقالت الجمعة، إنها باشرت في إجراءات التحقيق في وفاة الشّابة غريب، مُشيرة إلى أنها أجرت الكشف الظاهري على الجثة، وتبين أنها وصلت جثة هامدة إلى مستشفى بيت جالا الحكومي.
وأضافت النيابة أنها باشرت في سماع إفادات الشهود، وجمع الأدلة والبيانات الأولية، والتحقيق وفقا للوقائع والملابسات، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وانتشر في مواقع التواصل بيان مقتضب قيل إنه بيانُ عائلة غريب، والذي زُعِم فيه أن إسراء "كانت ملبوسة بالجنّ"، وأن العائلة بريئة تماما من دم ابنتها، فيما جاء في بيان آخر قيل إنه للعائلة كذلك، أن إسراء سقطت من ارتفاعٍ عالٍ وماتت متأثرة بإصابتها.
أستاذ علم الاجتماع جميل الطهراوي قال، إن قتل النفس على خلفية "شرف العائلة" يناقض الحق في الحياة، وهو يهدد الأمن المجتمعي، ويعد مخالفا لما جاء به الشرع الحنيف.
ولفت في حديث لـ"عربي21" إلى أن هناك خللا في السلوكيات المنبثقة من الأعراف والتقاليد المتوراثة في ما يتعلق بعمليات القتل على خلفية شرف العائلة، رغم تأكيده أن هناك حالة من الوعي في هذا الموضوع.
وأضاف: "الناس ما زالت أسيرة لتناقل الحديث، والهمز واللمز وما يحدثه من وغر للقلوب، وأنه ينال من سمعة العائلة، ما يدفع ببعض أفرادها لارتكاب جرائم وعمليات قتل غير مبررة"، مشيرا إلى أن "كلام الناس والخوف على سمعة العائلة" يمثل السبب الأكبر وراء الاندفاع لتنفيذ هذه الجرائم.
ولفت إلى أن تسليط الضوء على ضرورة تفعيل القانون، والاحتكام له في كل القضايا التي تواجه الناس، ربما يقلل من هذه السلوكيات العدوانية ويقلل من العنف الأسري.
ولفت في هذا الصدد إلى وجود "حالة من الوعي أحدثها الجيل الجديد الذي يستخدم الفضاء الأزرق تجاه هذه السلوكيات والجرائم، بشكل قد يقلل منها"، لكنه قال إن هذا التأثير محدود، وما زالت العادات والتقاليد المتوارثة تؤثر تأثيرا كبير وتدفع باتجاه تنفيذ مثل هذه الجرائم.
ورأى أن حماية المجتمع من هذه السلوكيات هي مسؤولية تكاملية في المدرسة، والشارع، والبيت، والمسجد، ويجب أن يتربي الطفل من نعومة أظفاره على حفظ حقوق الآخرين، خاصة الحق في الحياة.
بدورها عزت الأخصائية الاجتماعية عروب جملة، ما حدث للشابة "غريب" إلى حالة "الجهل والتأخر الفكري" الذي ما زالت تعاني منه شريحة في المجتمع الفلسطيني.
وأضافت في حديث لـ"عربي21": "ما زلنا ننتظر التحقيقات حول الأسباب الحقيقية لحادثة وفاة الشابة، وإذا ثبت أن القتل جاء بسبب عنف أسري، فإن من قاموا بهذه الجريمة لا بد أن يقدموا إلى القضاء لنيل عقابهم".
وأشارت إلى أن التفكير السلبي تجاه ما يسمى بقضايا الشرف أمر خطير جدا، "لأن الكثير من الأحداث والجرائم المتعلقة بهذا الموضوع ثبت لاحقا أن مسوغاتها غير حقيقية، وأنها جرت بسبب معلومات خاطئة، وبسبب تسرع الأهل في التعاطي مع هذه الحالات".
وأضافت: "للأسف ما زلنا نتبع الأهواء والعواطف بطريقة سلبية، تفضي إلى تصرفات همجية وغير مسؤولة تصل حد القتل وإزهاق الأرواح، ولا يمكن أن يقدم على هذا السلوك (القتل) إنسان سوي، لأنها تنم عن عنف كبير، يؤكد وجود سلوكيات سابقة أفضت إلى ارتكاب هذه الجريمة البشعة".
وعن انتشار مثل هذه الجرائم في المجتمع، قالت جملة، إن مثل هذه الجريمة معزولة نسبيا، وغير منتشرة بشكل واسع في المجتمع الفلسطيني وتحدث على فترات متباعدة ربما تمتد سنوات.
ولفتت إلى ضرورة "نشر الوعي وثقافة التسامح والامتثال للقانون في أوساط مجتمعاتنا العربية والمجتمع الفلسطيني تحديدا عبر اللقاءات التوعوية، سواء في المدارس أو الجامعات والمعاهد، بهدف تنحية الأفكار السلبية، مع ضرورة تفعيل قوانين حازمة وصارمة لمن يقوم بمثل هذه الأفعال".