ليست
الانتخابات الرئاسية مجرد مناسبة للتداول على السلطة، بل ستكون أيضا محطة أخرى لتحصين المسار الديمقراطي. إذ ليس هناك أي ضامن لإنهاء الردة عن
الديمقراطية، خاصة إزاء محيط رافض أو مضطرب يهدد التجربة رغم كل الظروف المساعدة لها. وربما المعركة ليست حتى الآن (وهو ما نتمناه في يوم ما) حول من
المرشح الأفضل، بل حول من هو المرشح الأخطر على المسار.
وكانت تصريحات أحد
المرشحين المحسوبين على "المنظومة القديمة" مناسبة لأن نتذكر
هشاشة الوضع العام.
إذ بدون مقدمات قام وزير الدفاع، الطبيب عبد الكريم الزبيدي، بتصريحات صادمة حول نيته إرسال دبابات للبرلمان إثر مرض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، يوم 25 تموز/ يوليو الماضي، في ما عُرف لاحقا بـ"الخميس الأسود". يقول الزبيدي: "عند تواجد رئيس الجمهورية (الباجي قائد السبسي) في المستشفى العسكري للعلاج، تلقيت اتصالات من البرلمان ومن رئاسة الجمهورية للتدخل، خصوصا مع فترة النقاهة التي كان فيها رئيس البرلمان محمد الناصر؛ الذي قدم على الفور إلى المجلس وباشر مهامه، بعد أن تواترت معلومات حول حبك مخطط وتعميم إشاعة وفاة الرئيس".
وأضاف أنه أمر المؤسسة العسكرية بالبقاء في حالة تأهب "لحماية الشرعية والدستور ومنع أي محاولة للانقلاب عليهما، وكان الجيش سينتشر بعد دقائق ويطوق البرلمان ويمنع دخول النواب". وتابع: "أوقفنا إشاعة وفاة الرئيس، وعاد الناصر إلى مهامه، وأعلمناه بأنه لا وجود لشغور، لا وقتي ولا دائم"، مشيرا إلى أنه اتصل برئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أكد له أنه لا إمكانية لذلك وهو يوافقه على ما قام به.
هنا لدينا مقومات النية في الانقلاب العسكري بمبادرة من وزير الدفاع وموافقة، (حسب قوله) من رئيس الحكومة، حيث أنه كان سيرسل الدبابات العسكرية لمنع البرلمان من القيام بواجبه الشرعي، أي أن يقوم باجتماع للتداول في التطورات الخطيرة والنظر في إمكانية الشغورات، حيث أن مرض الرئيس كان مستفحلا ولم تتوفر تفاصيل دقيقة حوله، وخاصة أن رئيس البرلمان (المعني بملء الفراغ الدستوري) كان حينها هو نفسه في إجازة مرضية. أي كان سيتم التداول في ما يتيحه الدستور من إمكانيات ملء الفراغ.
الزبيدي، الذي أعلن حين ترشحه أن النقطة الوحيدة في السياسة الخارجية المعني بها هي "فتح السفارة
التونسية في دمشق"، وأن نقطة من أهم خمس نقاط هي فتح ملف "الجهاز السري" المعنية به حركة النهضة، يحيل مباشرة على تموقع محلي بأفق إقليمي محدد. إذ من غير الصعب أن نرى مؤشرات التموقع في خطاب ورؤية "النادمين على الثورة" والمعنيين بالانقلاب عليها.
المرشح الآخر الذي يستحق الانتباه عندما نستحضر قصة الانقلاب؛ هو الشاهد، ليس لأن الزبيدي أشار إلى موافقته فحسب على نية الانقلاب، بل لتصرفاته عموما التي توحي بأنه غير قابل أساسا بمغادرة السلطة. من الواضح أنه بصدد توظيف القضاء لقطع الطريق على المتصدر حسب كل الاستطلاعات (أي
نبيل القروي)، بوضعه في السجن. وأصبح من غير الواضح كيف ستتم الحملة الانتخابية والقروي يتجاوز الدور الأول مثلا؟ هل سيخوض حملته الانتخابية وهو في السجن؟ هل إذا فاز سيبقى في السجن؟ وما هي السيناريوهات الأخرى؟
الشاهد يتصرف بعقلية أنه لن يغادر.. وربما عبء الملفات التي يخشى تركها لخليفته في الدولة تجعله في حالة كابوس يومي.
في النهاية، التفكير في الانقلاب ليس له علاقة بعدم الإيمان بالديمقراطية بالضرورة، بل يمكن أن يكون ناتجا أيضا عن حالة انسداد أفق وهلع من إمكانية المحاسبة في حالة الغرق في الفساد؛ وتوظيف مقدرات الدولية بشكل غير شرعي من أجل الربح الانتخابي.
في كل الحالات ستكون حجة الزبيدي والشاهد للمرور إلى الدور الثاني هو أنهما الوحيدان القادران على وقف القروي، وحينها سنكون إما إزاء فرضية الانقلاب أو فرضية الانقلاب.
الآن، ما يجب أن نطرحه هو: من يمكن أن يصل من
المرشحين النزيهين والمحسوبين على الثورة ومن غير الفاسدين؛ إلى الدور الثاني وأن ينتصر على القروي، ممثل "شعبوية المافيا" كما يقول البعض؟ ليست هناك خيارات كثيرة، إذ لا يمكن لمن له مطاعن كثيرة ومن لا يستطيع أن يغطي قاعدة انتخابية واسعة عبر ربوع الوطن وتتجاوز العصبية الحزبية؛ أن يواجه القروي.
الناخب التونسي أمام اختيار عسير.. ننتظر ونرى.