عقد رئيس وزراء تركيا الأسبق، أحمد داود أوغلو، يوم الجمعة الماضي مؤتمراً صحفيا أعلن فيه استقالته من الحزب وذلك قبيل اكتمال عملية فصله منه. وفي خطوة داعمة للتحرّك الذي قام به داود أوغلو، شارك في المؤتمر الصفحي كل من نواب حزب العدالة والتنمية أيهان أوستون وسلجوق أوزدا وعبدالله باشجي ونديم يامالي وسليم تيمورجي وفرماز أوستون ليقدّموا بدورهم استقالاتهم من الحزب.
بنية الحزب غير قادرة على المراجعة
وأشار داود أوغلو إلى أنّ الحزب تخلى عن المبادئ التي تمّ تأسيسه عليها في نفس اليوم الذي اتخذ فيه قرارا بفصل أعضائه، مؤكداً أنّ الحزب فقد خلال السنوات الماضية قيمه وسياساته الأصيلة، ومذكّراً في نفس الوقت بأنّه تمّت إثارة الموضوع للحث على المراجعات لكن بنية الحزب لم تعد صالحة للمراجعة والمحاسبة في ظل سيطرة مجموعة صغيرة وضيّقة من الأعضاء عليه.
ولفت داود أوغلو الاهتمام إلى أنّ الحزب لم يعد قادراً على دفع البلاد خطوة جديدة إلى الأمام كما لم يعد بمثابة حل للمشاكل التي تعاني منها الدولة، مؤكداً أنّ المناصب زائلة فيما القيم باقية وعلى أنّه من هذه اللحظة فصاعداً، فإن بناء حركة سياسية في ضوء المبادئ الأساسية التي يؤمن بها هو مسؤولية تجاه الأمة التركية.
مع الإعتراف بأنّ باباجان وفريقه أخطر من داوود أوغلو، لا يبدو أنّ المسؤولين في حزب العدالة والتنمية يأخذون جهوده على محمل الجد.
عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية ومن أنصاره والمنتفعين لا يزالون ينظرون إلى ما يجري باستخفاف. هم يرون أنّ الرئيس أردوغان هو من صنع أحمد داود أوغلو وأنّ الأخير لم يحفظ الجميل له وحاول تحدّيه مرات عديدة وفشل. واستناداً إلى وجهة النظر هذه فهم يقلّلون من شأنه ويرون أنّ انشقاقه لا يشكل تهديداً لحزب العدالة والتنمية ولا لرئيس الحزب على اعتبار أنّ دائرة نفوذه وتأثيره على مستوى تركيا ضيّقة وغالباً لن يستطيع تعدي شريحة محدودة من النخبة.
في المقابل، ومع الإعتراف بأنّ باباجان وفريقه أخطر من داود أوغلو، فلا يبدو أنّ المسؤولين في حزب العدالة والتنمية يأخذون جهوده على محمل الجد. هم يحاولون التقليل من أهميّة ما يمكن للأحزاب الناشئة ـ حال الإعلان عنها ـ أن تحققه في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ولذلك هم يركزون في كلامهم على أنّ حزب العدالة سيبقى الحزب الأكبر والحزب الأثقل والحزب الأكثر شعبية، ومع أنّ مثل هذا الكلام قد يصح كذلك في المستقبل، لكنّه يخفي خلفه ما لا يريد الحزب وأنصاره الاعتراف به، ألا وهو التراجع.
في آحدث إستطلاع للرأي، أظهرت النتائج تقدّم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة على حزب العدالة والتنمية الحاكم. هذه هي المرّة الأولى التي يتم فيها نشر مثل هذه النتيجة منذ حوالي عقد من الزمان أو أكثر. هناك ما يدعو للتشكيك بنتائج هذا الاستطلاع بطبيعة الحال، فمؤسسات الاستطلاع في تركيا غالباً ما يكون لديها ميول و/أو مصالح سياسية تؤثّر على النتيجة التي يتم الخروج بها للجمهور. علاوةً على ذلك، عادة ما تعاني هذه المؤسسات من خلل في منهجية الاستطلاع ولا يتم نشر الآلية التي يتم اعتمادها بهذا الخصوص.
تراجع شعبية العدالة والتنمية
لكن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أنّ هناك تراجعا في شعبية حزب العدالة والتنمية. هذا أمر كنا قد قطعنا بشأنه قبل الانتخابات البلدية الأخيرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، ما هو تأثير الأحزاب التي سيتم إنشاؤها على موقع ودور حزب العدالة والتنمية؟ وفقاً لتصريحات صادرة عن بعض خبراء استطلاعات
الرأي، فإن حزب باباجان قد يحصل على حوالي 5 أو 6% (البعض ذكر حوالي 18%)، فيما قد يحصل حزب داود أوغلو على ما يترواح بين 1 و4%.
تشير هذه النسب ـ إن صحّت ـ إلى محدودية الشريحة التي سيستقطبها المنشقون عن حزب العدالة والتنمية بالرغم من أنّ التوقعات بخصوص أدائهم ستكون أكثر من ذلك بكثير، لكن حتى إذا ما افترضنا أنّها سترسو على هذه الأرقام، فإنّ مراجعة نتائج الاستفتاء على النظام الرئاسي التي جرت في العام 2017، ونتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة ونتائج الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، كلّها تشير إلى أنّ هامشا بقدر 1% من الأصوات وصولاً إلى 5% قد يغيّر المعادلة رأساً على عقب ضد حزب العدالة والتنمية.
عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية ومن أنصاره والمنتفعين لا يزالوا ينظرون إلى ما يجري باستخفاف. هم يرون أنّ الرئيس أردوغان هو من صنع أحمد داوود أوغلو وأنّ الأخير لم يحفظ الجميل له وحاول تحدّيه مرات عديدة وفشل.
هناك من أشار في أحد البرامج التلفزيونية قبل حوالي شهرين إلى أنّ ما يقارب الـ30% من ناخبي حزب العدالة والتنمية باتوا يرون أنّه قد حان الوقت لاختيار حزب جديد غير حزب العدالة والتنمية. هذا يعني أنّ هذه الشريحة قد تنفتح على أفكار المنشقين عن حزب العدالة والتنمية. 30% ـ إن صحّت ـ تعتبر نسبة كبيرة جداً ستغير المشهد السياسي في تركيا. لكن في جميع الأحوال، ما يمكن استنتاجه اليوم هو أنّ الحزب الحاكم في مأزق، وربما قد فات الأوان على إجراء إصلاحات أو تغييرات جوهرية في الحزب، لكن أعتقد أنّ الأمل الأخير الذي قد يكبح جماح كل هذه التكهنات ويبقي على المعادلة القائمة هو تحقيق معجزة اقتصادية قبل الانتخابات القادمة، وهذا أمر يبدو لي في غاية الصعوبة ولا يقل عن التحديث الذي ستفرضه الأحزاب الجديدة وإنما يزيد عنه.