جرب
الإخوان الحزب الملتصق بالجماعة، والحزب المنفصل عن الجماعة، والحزب شبه المتصل، والتحالف المؤقت مع هذا الحزب أو ذاك في أكثر من بلد وأكثر من زمن، وكان كل خيار له وعليه.
ما زال الإخوان في العالم إلى اليوم يتخبطون للأسف في مقاربتهم لمسألة
الحكم. فمن مشاركة لا مغالبة، إلى مغالبة إن أمكن، إلى تولي سدة الحكم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا (كل ذلك حلال شرعا)، لكن الخطأ أن تخرج على الناس بأن مواقفك السياسية هي توجهات فكرية أصيلة لا تحيد عنها، ثم لا تلبث أن تغيرها بتغير الظروف والأزمنة وتسميها تكتيكات سياسية، فهذا يفقدك المصداقية عند كل الناس.
حين تقول إن فهمك للإسلام مشاركة لا مغالبة ثم تسعى إلى المغالبة؛ فهذا تناقض فكري، وحين تمكث لعقود تؤصل أن الشعوب ليست جاهزة لحكم الإخوان ثم تنقض على الحكم؛ فهذا ترنح فكري وليس موقفا سياسيا.
أتفهم أن الإخوان في مصر حاولوا إقناع بعض الشخصيات بالترشح للرئاسة، ولما رفضوا قرروا ترشيح أحدهم (لن أناقش الأمر بزاوية سياسية)، لكن الذي لم أفهمه على الإطلاق هو ما نسبة الاختلاف
الفكري بين الإخوان ومن طلبوا منهم الترشيح للرئاسة، ومن كانوا أيضا مرشحين ينتمون فكريا على الأقل لمدرسة الإخوان أو قريبا منهم؟
خلاصة رأيي أنه من السهل أن تجمع الناس على اختيار مسؤولين تتوافر فيهم هذه القيم التي يشترك فيها كل الناس، وليس فقط المسلمين.
هذا سيكون عاملا مجمعا لكل الأطياف، ولنا في القرآن الكريم أسوة حسنة، حيث قال الله تعالى: "وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان"، وموقف الرسول الكريم في حلف الفضول الذي قال عنه: "لو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت"، وعهوده مع اليهود في المدينة إبان قيام الدولة كما أسلفنا.
إن جمع الناس على اختيار الذي يحمل هذه القيم هو أمر ليس بالسهولة التي نتخيلها؛ لأن هذا أمر يتطلب المزيد من الجهد لرفع الوعي عند الإخوان وعموم الناس. للأسف أيضا أن هذا طريق طويل، وإذا أراد الإخوان أو غيرهم أن يلتمسوا طريقا أقصر فعليهم التعامل مع المعادلة التي أشرت إليها في
هذا المقال.
مسألة الخلافة الإسلامية بمفهوم الدولة العثمانية وماشابهها؛ قال فيها البنا: "والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم". ونعلم يقينا أن الإخوان اليوم ينظرون إليها على أنها نوع من التكامل والتنسيق والشراكة؛ يبدأ من النواحي السياسية والاقتصادية، مرورا بالحقوق العامة، وصولا للدفاع المشترك. وليس بالضرورة بصورة وجود أمير للمؤمنين في مكان ما يعين الولاة ويجمع الأموال (وهذا ليس حرام شرعا أنا أتحدث عن مواقف عصرية).
وللحديث بقية لا تقل أهمية ولا يكتمل المعنى إلا بها!!