هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ناشونال انترست" مقالا للباحثة الزميلة في معهد دراسات الأمن القومي إيميلي لانداو، تقول فيه إنه منذ وقت كانت هناك أسئلة جدية حول طبيعة التحضيرات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية قبل التفاوض المحتمل مع إيران حول ملفها النووي.
وتشير لانداو في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "هناك مؤشرات ظهرت مؤخرا تفيد بأنه حتى لو كانت هناك إعدادات في وزارة الخارجية لمثل ذلك فإن الرئيس دونالد ترامب يبدو أنه يرى أنه قادر على حل المشكلة وحده، وحتى في اجتماع واحد مع الرئيس حسن روحاني، وإشارات الرئيس الى كوريا الشمالية تثير المخاوف بأنه يرى الجانبين من المنظور ذاته، الأمر الذي قد تكون له تداعيات سلبية جدا على التعامل مع إيران".
وتقول الباحثة: "أولا، على عكس ما اعتبره العديد من المحللين بأن حملة الضغط الأقصى التي قام بها ترامب ضد إيران كانت فاشلة، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فحقيقة أن هناك حديثا عن مفاوضات محتملة هو ناتج عن حملة الضغط، فلو لم تحول إدارة ترامب سياستها بالنسبة لإيران لكان المستنتج من هذا أن كل شيء على ما يرام، وأن إيران ملتزمة بالاتفاقية".
وتؤكد لانداو أن "تغير السياسة الأمريكية على مدى السنتين ونصف الماضيتين هو فقط الذي أدى إلى اعتراف القوى الأخرى بوجود ثغرات في الاتفاقية تحتاج إلى المعالجة، واتخذ الأوروبيون مؤخرا خطوة أقرب للسياسة الأمريكية؛ حيث حملوا إيران المسؤولية كاملة عن الهجوم في منتصف أيلول/ سبتمبر على المنشآت النفطية السعودية، وفي بيانهم أيضا، حثوا إيران على معالجة القضايا المزعجة المتعلقة بالجانب النووي والصاروخي وبخصوص أنشطتها الإقليمية، وذهب رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى حد أن وصف اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران بأنها اتفاقية سيئة، وقال إنه يجب التفاوض للتوصل إلى اتفاقية جديدة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه ما دامت العملية مستمرة فإن الحكم عليها بالفشل حاليا قد يكون سابقا لأونه".
وتستدرك الكاتبة بأنه "لا يمكن اعتبار التفاوض مع الإيرانيين أمرا سهلا، فالنظام الإيراني مختلف عن كيم جونغ أون، الذي حلم أبوه وجده بمفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة لسنوات، وبالنسبة للزعيم الكوري الشمالي، فإن مجرد الجلوس مع رئيس أمريكي يعد انتصارا كبيرا، كان على استعداد مقابله لأن يخفف من التوتر، أما في حالة إيران فإن المفاوضات مع أمريكا هي آخر شيء يرغب فيه الزعيم الروحي لإيران علي خامنئي، وهو الذي يتخذ القرار في إيران، بالإضافة إلى أنه على خلاف كوريا الشمالية، فإن إيران ليست دولة نووية بعد، وليس الهدف هو تخفيف التوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، ولكن التفاوض على اتفاقية نووية أفضل -وهو أمر ليس سهلا- ويجب التعامل معه بجدية تامة".
وتقول لانداو: "يجب على المفاوضين الأمريكيين تفحص استراتيجيات إيران وتكتيكات التفاوض الخاصة بها بالعودة إلى عام 2003، ويجب عليهم أن يفهموا أن هذه مفاوضات ليس فيها نتائج رابحة: فإما أن يكون بإمكان إيران صناعة أسلحة نووية أو لا تستطيع، وليس هناك حل وسط يرضي الطرفين، لكن إيران هي التي انتهكت بشكل صارخ التزاما تعهدت به عندما انضمت لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ثم كذبت وخادعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة عقود بشأن التقدم الذي أحرزته في المجال النووي العسكري، ولذلك فهي لا تقف على المضمار ذاته مع القوى العالمية الأخرى التي تطالبها بالعودة إلى التزاماتها، وكون تلك الدول القوية تحاول التوصل إلى ذلك دون استخدام القوة العسكرية، لا يعني أن السياسة ستكون أقل ضغطا لتنجح، وفي الواقع فإن التفاوض مع إيران هو لعبة إجبار".
وترى الباحثة أن "أحد أهم الأمور التي يجب تجنبها عند التفاوض مع إيران هو أن تكون الجانب الذي يرمش أولا، وكان ذلك درسا واضحا من المفاوضات للتوصل إلى JCPOA، ففي تلك المفاوضات رمشت مجموعة 5+1 أولا، وغالبا من خلال تنازلات قدمتها في مرحلة مبكرة خلال المفاوضات السرية في عمان، لكن خلال المحادثات خلال عامي 2014 – 2015، شاهد المراقبون كيف بقيت إيران متصلبة وترفض التحول، بينما بدأت القوى الست بتقديم التنازلات، ومع أول تنازل عرفت إيران بأن هناك تنازلات قادمة، ومع كل تنازل إضافي بدأت أمريكا والأوروبيون يشعرون بأن الاتفاق بدا وشيكا، وهو ما كان يمهد لتنازل آخر وهكذا، وقد استثمرت المجموعة بشكل كبير في العملية لدرجة أن الأمر أصبح واضحا لدى الإيرانيين بأن المجموعة تسعى للتوصل إلى اتفاقية بأي ثمن، وهذا ما مكن إيران من الاستمرار في الدفع نحو المزيد من التسامح وللحصول على المزيد من التنازلات، والنتيجة النهائية كانت صفقة نووية بعيدة عن الأهداف التي أعلنت عنها إدارة أوباما في بداية المفاوضات".
وتقول لانداو: "ما رأيناه مؤخرا من ترامب -بعد حملة ضغط ولدت قوة تأثير لأمريكا- هو مؤشرات على أنه بدأ يقع في أخطاء، أي أنه رمش أولا، ومع أنه لا يزال ملتزما بحملة الضغط الأقصى ويضيف المزيد من العقوبات، إلا أنه في الوقت ذاته يظهر رغبة جامحة -وليس مجرد استعداد- للقاء روحاني، بما في ذلك عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتوفير 15 مليار دولار لإيران إن هي التزمت بشروط اتفاقية JCPOA، وهذه الرغبة الجامحة نقلت لإيران صورة ضعف ستحاول استغلالها والتلاعب فيها، وهذه ليست بداية جيدة للتفاوض مع ذلك النظام الإسلامي".
وتعتقد الباحثة أن "ما يضعف قدرة ترامب على التفاوض بنجاح مع إيران هو تراجع الردع الأمريكي المتدرج، وكان ذلك واضحا بعد الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية السعودية، حيث رأى الخبراء بشكل عام أن مستوى التصعيد الإيراني كان إلى مستوى يسمح به لأن يتجاوز رد الفعل الأمريكي للعقوبات، لكن ترامب خشي أن يكون هناك رد فعل عسكري، ما وسع الفجوة بين خطاب ترامب الناري والاستعداد الحقيقي للقيام بعمل عسكري".
وتلفت لانداو إلى أنه "في الوقت ذاته فإنه ليس هناك اهتمام كاف تعيره الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا القوى الدولية التي تتعامل مع الأزمة بشأن التقارير الأخيرة التي تشير إلى استمرار إيران في أنشطتها النووية العسكرية بناء على وثائق إيرانية أصلية موجودة في الأرشيف النووي، والغريب هو أن أي تقرير بخصوص تقدم كوريا الشمالية في مجالي الأسلحة النووية أو الصواريخ، حتى لو كان مصدره مركز دراسات، يكون هناك ميل لأن يتم اعتماده مباشرة على أنه صحيح ودقيق".
وتنوه الكاتبة إلى أنه "في المقابل، فإن التقارير المتعلقة باستمرار إيران في طموحاتها النووية العسكرية تقابل عادة بالتشكيك، فبعد كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص أنشطة التسلح في المفاعل الموجود في آباده، نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تحليلا اتهمت فيه نتنياهو بالقيام بحركة انتخابية لا يمكن الوثوق فيها، وطرحت سؤال: لماذا الآن؟، وتساءلت الصحيفة إن كانت تلك المعلومات صحيفة فلماذا لم يذكرها نتنياهو سابقا؟ وبناء على ذلك حكمت الصحيفة على المعلومات بأنها مشكوك فيها".
وتعلق لانداو قائلة: "بالطبع يمكن أن تكون هناك أسباب كثيرة لتأخير ذكر الموضوع، مثل التردد في الكشف عن معلومات للإيرانيين، لكن بالتأكيد يجب ألا يكون هذا أساسا للتشكيك في دقة المعلومات، وبالذات عندما يتعلق الأمر بمصداقية إسرائيل، وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار سجل إسرائيل في حقل المخابرات فإن هذا التشكيك في غير مكانه تماما".
وتقول الباحثة: "من الضروري أن نبرز أنشطة إيران النووية القديمة والحديثة؛ لأن هذه الجولة من المفاوضات يجب أن تبدأ من منطلق أن إيران عملت ولعقود لتحقيق إمكانيات عسكرية نووية خارقة اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية في الوقت الذي كانت تخادع فيه المجتمع الدولي، وفي التفاوض على اتفاقية JCPOA لم تصر مجموعة 5+1 على التحقق من احتمال وجود بعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني، وأثر هذا سلبا على النتيجة، حيث طالبت إيران بأن تعامل على أنها عضو عادي في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك حق الخصوصية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية".
وتختم لانداو مقالها بالقول إن "اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة مر دون (قمة) ثنائية بين الرئيس ترامب وروحاني، ولا حتى مكالمة هاتفية، وهذا بالتأكيد هو الأفضل، وإن وصلنا إلى المفاوضات الجادة فبالتأكيد يجب على إدارة ترامب أن تكون جاهزة بشكل جيد، لكن حتى ذلك الحين يجب أن تستمر في حملة الضغط الأقصى، وتستمر في محاولة ضم الأوروبيين لرد فعل أقوى تجاه اعتداءات إيران، وتشكيل استراتيجية مفاوضات، والحذر من أن تكون الطرف الذي يرمش أولا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)