ليس للحرب في
اليمن المستمرة منذ خمسة أعوام أي مدلولات واضحة لأطراف النزاع الإقليمية فيه؛ سوى أنها للسيطرة على مقدرات البلد وثرواته والتحكم في مستقبله، والذي بدا ظاهرا بعد الثورة في 11 شباط/ فبراير 2011م ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح؛ بسبب فشل منظومة حكمه السياسية والاقتصادية طيلة مدة توليه السلطة والتي قاربت الثلاثة والثلاثين عاما. وعندها استغلت القوى الفاعلة في الإقليم، بدءا من الجار السعودي فالإمارات ثم
إيران، الفرصةَ للتدخل في الشأن الداخلي لليمن؛ نظرا لتدهور الوضع السياسي إبّان فترة أحداث الثورة، وصولا إلى بدايات انطلاق العملية العسكرية بقيادة
السعودية تحت ما يُعرف بعاصفة الحزم.
المقاربة الإيرانية من التدخل في اليمن:
كان هدف إيران ولا يزال منذ قيام الجمهورية الإسلامية فيها بعد سقوط الشاه عام 1979م؛ هو توسيع نفوذها في البلاد العربية تحت اسم "تصدير الثورة الإسلامية"، فعملت على إنشاء حركات سياسية وعسكرية تابعة لها لأجل هذا الهدف، منها: حزب الله في لبنان، وحركات مسلحة في العراق، وصولا إلى جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، والتي تأسست عام 1992م لأجل إعادة حكم الإمامة الهاشمية.
ويمكن حصر دوافع التدخل الإيراني في اليمن إلى عدة أهداف، أهمها:
1- تحييد اليمن بإمكاناته البشرية والجغرافية عن مواجهة عربية محتملة مع المشروع الإيراني في المنطقة.
2- جعل اليمن بؤرة ابتزاز واستنزاف في آن معا لدول الخليج خصوصا السعودية؛ كونه يقع ضمن مجال نفوذها وخاصرتها الرخوة.
3- إضافة اليمن ورقةَ ضغط سياسي دولي في أي مفاوضات محتملة مع الغرب في ما يتعلق ببرنامجها النووي والصاروخي.
4- السيطرة على مقدرات اليمن الطبيعية، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر وبحر العرب؛ في حال سيطرة
الحوثيين مستقبلا على الساحل الجنوبي.
5- جعل اليمن سوقا للبضائع والمنتجات الإيرانية مستقبلا بسبب الكثافة السكانية فيه.
يمكن الإشارة إلى دعم طهران البراغماتي لبعض مكونات الحراك الجنوبي الداعي إلى إعادة الدولة الجنوبية في اليمن، منها الحزب الاشتراكي بقيادة علي سالم البيض؛ فالهدف من هذا الدعم هو التحسب لأي فشل حوثي في السيطرة على جنوب اليمن، وإبقاء حلقة وصل مع المكون الجنوبي تحسبا لأي انفصال مستقبلي.
المقاربة السعودية الإماراتية من التدخل في اليمن:
كان الهدف السعودي الإماراتي الراعي والمهندس للمبادرة الخليجية للانتقال السياسي لمرحلة ما بعد الرئيس صالح واضحا منذ بداية دخول جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا لمحافظة عمران في تموز/ يوليو 2014م، فالصمت حينها على سقوط المحافظة رغم صمودها خمسة أشهر باللواء مدرع 310 في الجيش اليمني تحت قيادة حميد القشيبي، وهي تعتبر بمثابة جدار العاصمة صنعاء إن صح التعبير، ثم تكرار الصمت بسقوط صنعاء نفسها بعد ذلك، في 21 أيلول/ سبتمبر 2014م، وسط انهيار تام لقوات الجيش والأمن.
الصمت السعودي أعقبته مباركة توقيع اتفاقية السلم والشراكة الوطنية بين الرئيس هادي والحوثيين، وذلك في 27 أيلول/ سبتمبر من العام 2014م، بالرغم من استمرار سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية، وهو ما جعلها صاحبة الكلمة العليا في الاتفاق.
يمكن تفسير السلوك السعودي خلال فترة بدء معارك عمران حتى سقوط صنعاء بالمتواطئ؛ فإسقاط صنعاء بالنسبة للرياض يعني ضرب عصفورين بحجر واحد، ألا وهو التخلص من تجمع ما يوصف بأحزاب اللقاء المشترك ذات الطابع المدني، وفي مقدمتها حزب الإصلاح المحسوب على "الإخوان المسلمين"، وهي أحزاب صعدت إلى السلطة ممثلا للحراك الثوري ضد الرئيس صالح؛ أي باختصار التخلص من كل ما يرتبط بالثورة اليمنية ومخرجاتها.
كذلك إسقاط مركز الدولة اليمنية الهش العاصمة "صنعاء" تمهيدا لتقسيمهما إلى دولتين شمالية وجنوبية، ثم السيطرة على موانئها وخطها الساحلي المطل على خطوط التجارة الدولية. فمعظم المناطق التي دخلها الحوثي هي محسوبة على اليمن الشمالي، ثم ما إن توسع الحوثي باتجاه عدن وبقية مناطق الجنوب اليمني أدى إلى بدء التدخل العسكري المباشر للسعودية والإمارات تحت ما يسمى "عاصفة الحزم" بتاريخ 25 آذار/ مارس 2015م تحت يافطة إعادة الشرعية.
لم تستهدف عاصمة الحزم عموما إلا استعادة المناطق الجنوبية التي دخلها الحوثي بعد سقوط صنعاء وصولا إلى تخوم مدينة الحديدة، مع الإشارة إلى تقدم ضعيف في الشمال، وتحديدا في بعض المناطق الحدودية السعودية المتاخمة لمحافظتي صعدة وحجة، والغاية من ذلك تأمين الحدود من أي تسللات لمسلحي الحوثي، بالإضافة إلى السيطرة الكبيرة في محافظة الجوف، خصوصا المناطق الشرقية والوسطى منها، وكذلك الحفاظ على السيطرة على مأرب؛ كونها صمدت في وجه التمدد الحوثي بعد سقوط صنعاء.
أما بالنسبة لمحافظة تعز فهي الأخرى تقع تحت سيطرة قوات حكومة الرئيس هادي ذات الغالبية من حزب الإصلاح، باستثناء الجزء الشمالي منها. وهي بالمناسبة تعتبر جبهة استنزاف لكل من حزب الإصلاح والحوثي، خصوصا أن الإصلاح يمتلك أكبر قوة بشرية، ويمكن الاستفادة منها بمواجهة الحوثي، أي خوض معركة صنعاء في حال السيطرة الكاملة على تعز، إلا أن التحالف لم يستغل هذا الأمر، بل عطل معارك الإصلاح، سواء بقطع الدعم تارة أو إثارة مشاكل داخلية في الحزب تارة أخرى، منها اغتيالات لعدد من قياداته، وهو ما ساهم في تعطل كلي لجبهة تعز.
توسع التحالف في دعم ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" بالتزامن مع توقف شبه كلي للجبهات ضد الحوثي، ما أثمر أخيرا عن سيطرة قوات المجلس على مدينة عدن، بدعم من الطيران الإماراتي وسط صمت سعودي مطبق، مع التمدد لاحقا بالسيطرة على أجزاء من محافظات الضالع ولحج من قوات الحكومة اليمنية.
مستقبل الحرب ومآلات الصراع:
مع توقف معظم جبهات القتال حاليا والركون إلى الهدوء النسبي الحذر، تطرح تساؤلات عن مستقبل الحرب وشكل الحل في المستقبل القريب، بالتزامن مع ما يتردد عن وساطة باكستانية بين السعودية وإيران يقودها رئيس الوزراء عمران خان، والذي زار مؤخرا كلا من الرياض وطهران بهدف الوصول إلى حل للصراع الإقليمي بينهما، مع التركيز على الملف اليمني؛ كونه محور الصراع الأول بين الطرفين.
يمكن تصور شكل الحل بناء على الوضع الميداني حاليا، وهو أحد أمرين:
1- تقسيم اليمن إلى دولتين شمالية وجنوبية بناء على النفوذ المكتمل لكلا الطرفين على الأرض؛ لكن ما يعرقله هو معارضة قوية من داخل اليمن، خصوصا من قسم كبير من مؤيدي الشرعية، بالإضافة إلى جماعة الحوثي أنفسهم، بالرغم من عدم استبعاد رضوخهم في النهاية لضغوط طهران في حال ارتأت مصالحها ذلك، ناهيك عن المعارضة الدولية، رغم أنها ليست مرجحة في شيء. أما بالنسبة لدول التحالف فتحتاج إلى خوض معركة أخرى للقضاء على مؤيدي الشرعية، خصوصا من حزب الإصلاح وسكان المحافظات الشرقية والوسطى (المهرة وحضرموت وتعز ومأرب) لتثيبت
التقسيم بالقوة، وهو أمر شبه مستحيل.
2- فدرلة اليمن إلى إقليمين شمالي وجنوبي باعتباره حلا وسطا، وهو الأقرب حاليا، مع الإبقاء على صنعاء مركزا شكليا للدولة، طبعا مع فرض التحالف السعودي الإماراتي سيطرته المباشرة على الجنوب لتثيبت التقسيم الفيدرالي على المدى المتوسط، ثم السعي مستقبلا إلى التقسيم الفعلي لليمن على المدى البعيد. لكن الأمر يحتاج إلى القضاء على الإصلاح في تعز، وهو أمر غير مستبعد في إطار توافق إيراني سعودي إماراتي بعد توقف الحرب. أما بالنسبة لإيران، فإن الفيدرالية تخدمها على المدى المتوسط؛ لأنه سيعطي شرعية دولية لسيطرة جماعة الحوثي على الشمال، بالإضافة إلى استئناف إمداداتها العسكرية إليه لإعادة بناء قوته العسكرية والتي تضررت كثيرا بفعل الحرب.