هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زال مرئيّاً خلال الرماد وميض نيران في الجزائر ومصر ولبنان والعراق، ومصدر الوميض جذوة شعبية قد تخبو حينا ولكنها تتحول حتما إلى شعلة تنير الطريق نحو الوجهة المقصودة، وقد أريق حبر كثير في نعي ورثاء الربيع العربي منذ عام 2011، بحسبان أن الهبات الشعبية التي زلزلت أركان أنظمة الحكم العربية هنا وهناك، كانت إعصارا عابرا وليس ربيعا قابلا للاستدامة.
جلد للذات
استمرأ كثير من العرب جلد الذات بتصوير قومهم كخانعين خرعين أذلاء، ورعايا يتحكم فيهم رعاة غلاظ شداد، بينما تؤكد وقائع التاريخ أنه ما من بلد عربي إلا وشهد في مراحل مختلفة من تاريخ تشكُّلِه هبات وثورات شعبية ضد الظلم والاستبداد.
ولكن لا سبيل لإنكار أن عرب الألفيتين الثانية والثالثة تعرضوا لأبشع صنوف القهر والتنكيل تحت نير أنظمة فاسدة وفاسقة، ومن عجب أن الجمهوريات ـ والمفترض أنها وكما توحي التسمية ـ تقوم على سلطة الجماهير، ظلت الأكثر معاناة من البطش المنهجي، بسبب ما شهدته من انقلابات عسكرية دموية، في ظل سيادة ثقافة سياسية تعطي السلطة لحاملي السلاح، وتجعل من الضباط المغامرين صناديد يرومون "الإصلاح" و"الإنقاذ" و"التحرير" و"التعمير" و"الاشتراكية" و"شرع الله" و"الوحدة".
ذهب إلى مزبلة التاريخ زين العابدين بن علي، ومعمر القذافي، وحسني مبارك، وعلي عبد الله صالح، وصدام حسين، وعبد العزيز بوتفليقة، وعمر البشير، والبقية آتية لا محالة
الديمقراطية هي سر القوة
سر قوة وتماسك إسرائيل هو ارتضاء مواطنيها تداول السلطة سلميا، فهذه الدولة المفبركة والقائمة على أرض مغتصبة، لم تشهد مجرد محاولة انقلابية منذ تأسيسها قبل سبعين ونيف سنة، فسكانها وقادتهم يدركون هشاشة الأساس الذي قامت عليه، فتراضوا من ثم نظام حكم مدني يتنازعون حوله بالجدل والنقاش والهواش ويستخدمون الرشا والغش والتدليس وكافة الأساليب النظيفة والقذرة، ولكن دون اللجوء إلى السلاح لحسم الصراعات الداخلية، وادخاره (السلاح) للجيران الذين بيوتهم من زجاج وبالتالي حالهم مكشوف.
نعم، ديمقراطية إسرائيل منقوصة، لأن من يؤمن بالديمقراطية الحقة يريدها لنفسه ولسواه، ودولة إسرائيل "على بعضها"، وليس فقط نظام الحكم فيها، قامت على البطش والتقتيل والتهجير القسري لأصحاب الأرض، وهي اليوم قوية فقط مقارنة بجيرانها العرب، بمعنى أنها لا تملك مقومات دولة قابلة للاستمرار على هدي مبادئ من أسسوها، الذين أرادوها ملاذا آمناً ليهود الشتات، وانتهى بها الأمر تلوذ بيهود الشتات كي يعطوها الأمان.
السنوات القليلة المقبلة ستشهد تغيّرا شاملا في الخرائط السياسية لمعظم الدول العربية،