هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع سحب الولايات المتحدة لقواتها العسكرية في الشمال السوري، بدأت خارطة النفوذ العسكري في شرق الفرات تتغير بشكل دراماتيكي: تركيا تسيطر على منطقة بطول 120 كلم وبعمق 32 كلم بين تل أبيض غربا إلى رأس العين شرقا، وقوات النظام تنتشر في مناطق من محافظة الحسكة ومناطق في ريف حلب الشمالي الشرقي، في وقت تراجع الحضور العسكري لـ "قوات سوريا الديمقراطية".
في الظاهر، يبدو المشهد العسكري قيد التشكل، وكأنه يتجه نحو الاستقرار، لكن إعادة الولايات المتحدة لتثبيت نفوذها أعاد خلط الأوراق من جديد، من دون أن يعني ذلك العودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبيل انطلاق عملية نبع السلام العسكرية.
شكلت العودة الأمريكية مأزقا واضحا للنظام السوري وروسيا بعدما سيطرا بسهولة على مناطق جغرافية عدة، وهذا السبب الذي دفع موسكو للتعبير عن إنزعاجها حين شكك وزير الخارجية سيرغي لافروف في امكانية التوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة بخصوص الوضع في شمال شرقي سوريا.
بالنسبة لتركيا، فإن البقاء الأمريكي يعني حماية تركيا من أي انقلاب في الموقف الروسي، حيث تخشى تركيا أن تستغل روسيا الغياب الأمريكي للانقضاض على الوحدات الكردية،
ووصل الأمر إلى إعلان الكرملين أن قنوات الاتصالات السياسية مع الولايات المتحدة لم تعد تعمل باستثناء القناة العسكرية التي يسعى الطرفان من خلالها إلى تجنّب وقوع احتكاكات أو صدامات غير مقصودة.
على الطرف الآخر، تبدو تركيا و"قوات سوريا الديمقراطية" مستفيدة من التراجع الأمريكي ـ وهذه إحدى مفارقات الجيوعسكرية في سورية ـ فالوحدات الكردية تنفست الصعداء بعد تراجع الولايات المتحدة عن سحب كامل قواتها، لأن ذلك سيوقف اندفاعة النظام نحو المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية.
أما بالنسبة لتركيا، فإن البقاء الأمريكي يعني حماية تركيا من أي انقلاب في الموقف الروسي، حيث تخشى تركيا أن تستغل روسيا الغياب الأمريكي للانقضاض على الوحدات الكردية، وبالتالي سحب الذرائع من تركيا للبقاء في المنطقة الآمنة.
المشهد العسكري
في ظل هذه المعطيات، لا تبدو الصورة جلية بشكل كامل إلا بالنسبة لتركيا التي ستحافظ على مناطق سيطرتها الجديدة، أما بالنسبة للنظام السوري، فالأمر مختلف.
انتشرت وحدات من القوات النظامية السورية، في المناطق الحدودية مع تركيا من مدينة القامشلي غرباً إلى مدينة المالكية شرقا، وعلى امتداد نحو 60 كيلومترا.
وتركّزت نقاط الجيش الجديدة في عدد من قرى وبلدات الشريط الحدودي، منها دير غصن وكرديم فوقاني وعتبة وتل الحسنات وتل السيد والقحطانية وتل جهان وتل خرنوب وملا عباس التي يوجد بها حقل نفطي.
ويكتسب انتشار قوات النظام في هذه المناطق أهمية استراتيجية، كونها تقع في مواقع غنية بالنفط، ما قد يمهّد للسيطرة عليها.
ويتوقف الأمر على حدود الانتشار العسكري الأمريكي، فإلى الآن ليس معروفا أين ستتمركز القوات الأمريكية بالتحديد، وإن كانت نية واشنطن تركيز تواجدها على كامل الحدود السورية ـ العراقية في محافظتي الحسكة ودير الزور، وفقا للتقارير التي تتحدث عن بدء القوات الأمريكية إنشاء ثلاثة قواعد عسكرية: القاعدة الأولى في بلدة الصور والثانية في مقر اللواء 113 بريف محافظة دير الزور الشمالي، فيما بدأت التحضيرات لإنشاء القاعدة الثالثة في قرية زغات ـ ينبوع بريف المالكية على طريق معبر سيمالكا بمحافظة الحسكة عند مثلث تركيا العراق سورية.
أغلب الظن أن الإدارة الذاتية لن تقدم على توقيع اتفاق مع النظام، وسترضى بالواقع الجديد الذي يسمح لها بالبقاء مع أذرعها العسكرية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا،