لا تكاد السيدة الفلسطينية منتهى أمارة تُنهي
فترة إبعادها عن المسجد
الأقصى المبارك حتى يتجدد القرار بحقها بأوامر من شرطة
الاحتلال، فكل زيارة لها تقريبا للمسجد يتخللها إما اعتقال أو إبعاد أو حتى تهديد.
وقبل عدة أيام توجهت أمارة كما اعتادت إلى
المسجد لتعاد بحقها الإجراءات ذاتها، فجنود الاحتلال يعترضون في كل مرة تواجدها في
منطقة
مصلى باب الرحمة الذي نجح المصلون في إعادة فتحه قبل أكثر من عام بعد إغلاق
إسرائيلي استمر 16 عاما، حيث يقومون بمنعها من التواجد في منطقة المصلى خلال
اقتحامات المستوطنين.
وتقول أمارة لـ "عربي21" بأن الاحتلال اعتقلها
أكثر من عشر مرات تحت التهم ذاتها والتي يسميها "عرقلة عمل الشرطة والإخلال
بالأمن العام داخل الأقصى وتحريض الجمهور"، وذلك بسبب تواجدها في منطقة مصلى
باب الرحمة خلال اقتحامات المستوطنين.
وتوضح بأن سياسة الاحتلال تلك هي مخطط مدروس
للاستيلاء على خُمس المسجد الأقصى المبارك والذي تشكله منطقة باب الرحمة وما
حولها؛ مبينة بأن تواجد المصلين هناك هو حماية للمنطقة التي تتعرض للاستهداف
الإسرائيلي.
وتبين بأن ما تسمى بـ "جماعات
الهيكل" وهي الجماعات الاستيطانية المتطرفة؛ تدعو بشكل دائم للاستيلاء على
المكان وافتتاح مصلى باب الرحمة لاستخدامه في صلواتهم وتحويله إلى كنيس، لافتة إلى
أن دور كل مصلٍ أن يتواجد في تلك المنطقة لحمايتها من هذه المخططات.
وتضيف:" دورنا هو توعية المصلين وكل
الفلسطينيين بأن ما يحاك ضد منطقة باب الرحمة كبير حدا وحثهم على التواجد المكثف
هناك وعدم إعطاء مجال للاحتلال أن تكون المنطقة فارغة لأن هذا ما يجعل الجنود
يستفردون بنا، فنحن قلة في مواجهتهم".
وخلال الأسبوع الفائت حاولت أمارة الصلاة في
المنطقة المقابلة للمصلى فاعترضها الجنود وقاموا باعتقالها قبل أن تنهي صلاتها؛
وهي السابقة الخطيرة التي رأت فيها أمارة محاولة لتطبيق التقسيم الزماني والمكاني.
وتشير إلى أن الاحتلال بعد اعتقالها نقلها إلى
مركز شرطة الاحتلال وقرر إبعادها عن المسجد لعدة أيام؛ ثم سلمها بلاغا باستدعائها
حتى ينطق بالحكم ضدها والذي تتوقع أن يستمر ستة أشهر بعد أن كانت أنهت ستة أشهر من
الإبعاد في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتتابع:" ما نريد إعلامه للناس هو أن
المسجد الأقصى تبلغ مساحته 144 دونما لا تقتصر على المصليات أو حتى المصلى القبلي؛
فكل ما داخل السور هو الأقصى سواء كان مسقوفا أو مكشوفا أو أرضا أو أشجارا، ويحق
لكل من يدخل أن يصلي أينما يشاء، ولكن الاحتلال يسعى دوما للتقسيم المكاني
والزماني وترك المستوطنين يقتحمونه بأريحية وأن لا يكون أمامهم أي مصلين".
وترى أمارة بأن الذي تطور هو معاملة شرطة
الاحتلال من حيث التصعيد السلبي بالاعتقال والإبعاد واعتراض كل من يصلي هناك أو
حتى الجالسين والذين يتناولون طعام الإفطار في المنطقة، حيث يريدها فارغة وهو ما
لا يقبله المصلون ورواد المسجد جملة وتفصيلا كي لا يعاد ما حدث في المسجد
الإبراهيمي في الخليل على حد قولها.
وتضيف:" حتى لو اعتقلونا أو ضربونا
وأبعدونا سنبقى هناك وسنواصل تفويت الفرصة على الاحتلال والمستوطنين".
تاريخ عريق
ويعود تاريخ باب الرحمة إلى العصر الأموي ويسمى
بالباب الذهبي بسبب جماليته التي تظهر فيها عراقة التاريخ، ويقع على بعد 200 متر
جنوب باب الأسباط في الحائط الشرقي للسور ويؤدي مباشرة إلى داخل المسجد الأقصى
المبارك.
من جانبه يؤكد الخبير المقدسي وأستاذ العمارة
في جامعة بيرزيت جمال عمرو لـ "عربي21" بأن قضية باب الرحمة ومصلاه باتت مؤلمة
ومؤسفة على كل الصعد أمام أطماع الاحتلال التي لا تنتهي والتي تود الاستيلاء عليه
بين ليلة وضحاها.
ويقول إن مبنى باب الرحمة هو جزء لا يتجزأ من
المسجد الأقصى وهو الباب الشرقي الوحيد الذي أغلقه القائد الإسلامي صلاح الدين
الأيوبي، وهو الباب الذي يُفتح بشقيه وله قوسان كبيران يفتحان على مقبرة باب
الرحمة التي دفن فيها عشرات الصحابة والتابعين.
ويرى عمرو بأن أهمية هذا الباب بالنسبة
للاحتلال هو موقعه الاستراتيجي أولاً؛ حيث أنه يُفتح على العالم الخارجي خلافا للأبواب
الأخرى التي تُفتح كلها على البلدة القديمة، حيث باستطاعة باب الرحمة تمكين اليهود
من الدخول للأقصى ومغادرته بسلاسة من ناحية أمنية.
أما السبب الثاني في استهدافه من قبل الاحتلال
فيوضح عمرو بأن له نمط معماري أقدم ومتميز عن بقية الأبواب، حيث كل الأبواب الباقية
أعيد بناؤها ما عدا باب الرحمة الذي يعود بتاريخه إلى العهد الأموي؛ الأمر الذي
أثار أطماع الصهاينة بزعم أنه مشيد منذ زمن الهيكلين الأول والثاني اللذين يدعي
المستوطنون وجودهما أسفل المسجد الأقصى.
ويضيف:" باب الرحمة أموي بامتياز ويعود
لتاريخ قبة الصخرة والمصلى القبلي تماما؛ ولذلك فيه كورنيشات وتفاصيل معمارية جميلة جدا، كما أنها منطقة
مباشرة ومفتوحة لمن يدخل من الخارج فيكون بجوار أقرب نقطة لقبة الصخرة التي يسميها
الاحتلال قدس الأقداس لأنها ملاصقة تماما لباب الرحمة وأطماعهم أيضا تتركز
فيها".
ويشير إلى أن الاحتلال يحاول أن يختصر المسجد
الأقصى أنه المصلى القبلي فقط، والمقصود هو حرف الانظار عن قبة الصخرة ونزع
أهميتها من وجدان المسلمين، فباب الرحمة يشكل معبرا مباشرا لها، وهو منطقة مفتوحة
وكبيرة وتوجد 18 دونما في محيطها يحضر فيها قطعان المستوطنين للصلاة، ويعتبرون
أنها منطقة مفتوحة آمنة وبعيدة عن مسارات السياحة وعن المصلين الذين يحاول
الاحتلال إبعادهم عن المنطقة بكل طريقة ممكنة.
ويبين عمرو بأن هذه المنطقة فيها أتربة أخرجها
الشيخ رائد صلاح وأهالي الداخل المحتل من المصلى المرواني حين تم افتتاحه، فادعى
المستوطنون أنها مقدسة من الهيكل المزعوم وهو محض افتراء وكذب حسب تعبيره، لافتا
إلى أن جميع العناصر متوفرة لجذب أطماع المستوطنين إلى منطقة باب الرحمة ما جعل
اليهود يولونه تركيزا استثنائيا مدعين أنه يشكل الباب الشرقي للهيكل المزعوم.
ويؤكد الخبير بأن هناك ضعفا في المستوى الرسمي
في مواجهة هذه الأطماع مع وجود نوايا حسنة؛ حيث أن وزراء الأوقاف الأردنيين
والفلسطينيين يبذلون مجهودا من أجل الحفاظ عليه ولكن هذه الجهود لا ترقى لمستوى
الأطماع الإسرائيلية الكبيرة وشديدة الخطورة.
وحول التضييقات التي يتعرض لها المصلون في
منطقة مصلى باب الرحمة يقول عمرو إن المصلين يتعرضون للاعتقال والاعتداء والطرد من
المصلى إذا حاولوا البقاء فيه فترة طويلة وتزامنا مع اقتحامات المستوطنين للأقصى
ولهذه المنطقة تحديدا.
ويوضح بأن جنود الاحتلال يدنسون المصلى
بأحذيتهم ويسعون أن يكون في وقت صلاة اليهود مفرغا تماما من المسلمين لأن الأطماع
واضحة، بينما كان الفلسطينيون يدافعون عن باب الرحمة باعتباره جزءا لا يتجزأ من
الأقصى خلال ما عرف باسم "هبّة باب الرحمة" قبل أكثر من عام حين تمكنوا
من إعادة فتح المصلى والصلاة فيه، لافتا إلى أن الجنود يقتحمون المصلى بين الحين
والآخر ويجرون فيه المسوحات شبه اليومية ومراقبة اي تغييرات ممكنة.
واختتم عمرو حديثه بالقول إن لباب الرحمة
بوابتين خارجيتين هما بوابتا الرحمة والتوبة وفتحهما يساهم في تخفيف ازدحام
المصلين الوافدين إلى الأقصى، ولكن الاحتلال يواصل إغلاقهما.