دق اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في قصف صاروخي أمريكي في بغداد، أجراس الخطر والقلق في العاصمة التركية أنقرة، نظرا لما يمثله الرجل للنظام الإيراني، واحتمال انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة لا تحمد عقباها، كما أن أراضي العراق ستكون أول ساحة للاشتباكات المحتملة في حال تصاعد التوتر، وهي من أهم جيران تركيا.
الخوف من تسارع الأحداث في المنطقة الملتهبة، دفع القادة الأتراك إلى إجراء اتصالات مع العواصم المعنية، على غرار ما فعله كثير من قادة القوى الدولية والإقليمية الأخرى، في محاولة لتخفيف التوتر، لأن أي خطوة تصعيدية في ظل التهديدات المتبادلة، قد تؤدي إلى خروج الأحداث عن السيطرة، وتحول المنطقة الغارقة في الدماء، إلى ساحة حروب جديدة تحرق نيرانها الأخضر واليابس.
الخوف من تسارع الأحداث في المنطقة الملتهبة، دفع القادة الأتراك إلى إجراء اتصالات مع العواصم المعنية، على غرار ما فعله كثير من قادة القوى الدولية والإقليمية الأخرى، في محاولة لتخفيف التوتر
العلاقات التركية الأمريكية شهدت في الآونة الأخيرة
تدهورا غير مسبوق بسبب الخلافات بين أنقرة وواشنطن في ملفات عديدة، مثل احتضان الولايات المتحدة لزعيم الكيان الموازي، فتح الله كولن، وتحالف البنتاغون مع وحدات حماية الشعب الكردي، الجناح المسلح لفرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، بالإضافة إلى شراء تركيا منظومة صواريخ "إس-400" الروسية، رغم معارضة واشنطن. إلا أن ذلك لا يعني أن أنقرة سوف تصطف مع طهران ضد واشنطن في الأزمة الأخيرة. بل وقد تؤدي هذه الأزمة التي تفجرت باغتيال سليماني، إلى نوع من التحسن في العلاقات التركية الأمريكية، في ظل أنباء تتحدث عن ارتياح إدارة ترامب من مستوى ردة فعل تركيا على مقتل سليماني.
وفي المقابل، يتوقع أن ترغب إيران في جذب أنقرة إلى جانبها في صراعها مع الولايات المتحدة، وأن تسعى إلى استغلال تدهور العلاقات التركية الأمريكية. وذكرت وسائل إعلام تركية أن الرئيس الإيراني حسن روحاني دعا نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى "التعاون في التصدي للغطرسة الأمريكية"، إلا أن أنقرة
لديها خبرة كافية وتجارب مرّة تقول لها إن هذا الموضوع الشائك يجب أن تتعامل معه بحذر شديد.
تركيا سبق أن قامت بدور الوساطة، مع البرازيل، بين طهران والدول الغربية، في ملف إيران النووي، وتعرضت لانتقادات وضغوط بسبب دفاعها عن حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، ولكن إيران تجاهلت تلك الجهود تماما، بعد أن توصلت إلى اتفاق مع إدارة أوباما عبر مفاوضات سرية، لتستغل الوضع الجديد الذي خلقه ذاك الاتفاق لتوسيع نفوذها في المنطقة، دون أن تبالي بما خلفه هذا التوسع من قتل وتدمير.
يتوقع أن ترغب إيران في جذب أنقرة إلى جانبها في صراعها مع الولايات المتحدة، وأن تسعى إلى استغلال تدهور العلاقات التركية الأمريكية
وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ادَّعت بأن أردوغان في الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع نظيره الإيراني،
وصف قاسم سليماني بــ"الشهيد"، كما أن حسابا رسميا تابعا للسفارة الإيرانية في أنقرة نشر في تغريدة ذات الادعاء، إلا أن أنقرة نفت ذلك بشكل قاطع، مشددة على أن تلك الأنباء عارية عن الصحة. وهذا التقول الإيراني الرسمي على الرئيس التركي يعزز قناعة الأتراك بضرورة الحذر في التعامل مع طهران وعدم الوثوق بها.
وعلى المستوى الإعلامي، لفت كثير من الكتاب الأتراك المقربين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، في تعليقاتهم على مقتل سليماني، إلى الدور الدموي الذي لعبه قائد فيلق القدس في تدمير العراق وسوريا، والمجازر البشعة التي ارتكبتها المليشيات الشيعية، وتحرك الرجل منذ سنين في المنطقة بكل حرية دون أن يخاف من استهداف الطيران الأمريكي له، كما رفضوا الدعوة التي وجهها روحاني إلى تركيا للتعاون ضد الولايات المتحدة، مشددين على أن هذه المعركة ليست معركة تركيا. ومن المفارقة، أن التعاطف والتضامن مع إيران في قضية اغتيال سليماني، جاء من الأحزاب التركية اليسارية المتطرفة، بالإضافة إلى حزب السعادة المعارض الذي استنكر رئيسه، تمل كارا مللا أوغلو، العملية الأمريكية، ووصف قائد فيلق القدس بـ"الشهيد".
تركيا ترفض مزيدا من التوتر والتصعيد في المنطقة، وتدعو الجميع إلى التحلي بالحكمة والهدوء وضبط النفس، كما تشارك في الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى نزع فتيل الأزمة، لأنها تقع بجوار الدول التي ستحترق بنيران ذاك التصعيد المحتمل، إلا أنها في ذات الوقت لا ترغب في أن تكون جزءا في الصراع الأمريكي الإيراني أو تنحاز إلى أحد الطرفين.