الانخفاض الملحوظ لسعر الدولار مقابل الجنيه، والتمتمة بنمو
اقتصادي غير مسبوق، هو فصل جديد من فصول الكذبة الكبيرة التي يعيشها النظام
المصري منذ وثوبه غير المبرر على حكم مصر بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013. فرغم الوعود المستمرة من قائد الانقلاب للمصريين بالغنى، وتحوله تدريجيا لتوصيف الحالة المصرية بأنها حالة شبه دولة وأن البلاد فقيرة بشكل مفزع، أو على حد تعبيره "احنا فقرا قوي"، تظل البيانات والتصريحات الحكومية التي تروجها الأبواق الإعلامية تبشر الشعب بالنماء والازدهار على الرغم من عدم وجود دليل واحد ملموس على أرض الواقع.
وفقا لتقرير نشره مؤشر "IHS Market Egypt"، فإن نشاط القطاع غير النفطي قد انخفض بشكل ملحوظ، هذه القراءة لا تخص الشهر الجاري بل هي حالة ممتدة لستة أشهر خلت، وهي تعد الأدنى في 54 شهرا ماضية بما يعني أن منحنى المبيعات في انهيار مستمر خلال الفترة السابقة، وقد بلغ ذروته في الأشهر الست الماضية. ويعزو المتخصصون هذا الانخفاض إلى انخفاض المبيعات والصادرات، بسبب خوف العملاء المتزايد من السياسات الاقتصادية المتبعة، على الرغم من الصعود الوهمي لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار. فالحالة الاقتصادية المصرية لا تحتاج إلى خبير متخصص لقراءة المشهد الاقتصادي النقدي وتفسير مآلاتها، في ظل هذا التخبط الواضح في السياسات وعدم استقرار خط التعامل في ظل القرارات الفردية التي تصب في مصلحة فئة بعينها.
هذا التخبط في السياسات الذي أقلق المستثمر والعميل في السوق المصرية غير النفطية أثر بشكل كبير على سوق العمالة بشكل غير مباشر، حيث تخشى الشركات توظيف العمالة في ظل حالة عدم الاستقرار الذي تعيشه، ولا أدل من انسحاب شركة فودافون للاتصالات من السوق المصرية وبيع حصتها في السوق لشركة سعودية، بعد أن أيقنت الشركة البريطانية أن وجودها في السوق المصرية بات مستحيلا لصالح الشركات السعودية والإماراتية أو شركات الجيش والمرتبطين بها من رجال أعمال وضباط سابقين أو من يدورون في فلكهم.
هذه الدائرة التي تحيط بحالة
الاستثمار في مصر والتي صاحبتها زيادة في أسعار الفائدة أدت إلى انخفاض استثمار القطاع الخاص في السوق المصرية، بعد أن فضل المستثمرين وضع أموالهم في البنوك وبنسبة فائدة تتراوح ما بين 13 و14 في المئة، بدلا من ضخ أموالهم في المشاريع التي لن تحقق عوائد بنفس الإيرادات، مع مخاطرة أكبر لمنافسة الدائرة المحظوظة والمرعية من قبل النظام في مصر.
وعلى الرغم من أن وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" قد وضعت القطاع المصرفي المصري في منطقة مستقرة من مؤشرها بسبب توافر السيولة النقدية، إلا أن تحليل هذه الوضعية يؤكد أنها لا تعكس الحالة الحقيقية للاقتصاد المصري المنحصر في دوائر رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، والمنكمشة في المقابل من جهة قطاع المستثمرين الأكبر، والذين وفروا هذه النظرة (استقرار الاقتصاد وتوفر السيولة) من خلال وضع مدخراتهم في القطاع المصرفي كبديل عن النزول للسوق.
لكن المردود الحقيقي من هذا التقوقع من قبل قطاع المستثمرين العريض هو تراجع في التوظيف في ظل تراجع
نمو سوق الشركات، حتى في ظل التدابير التي اتخذها النظام في مصر أواخر العام الماضي، والتي تمثلت في إطلاق عدد من المبادرات لتمويل القطاع الصناعي والمصانع المتعثرة والتمويل العقاري والسياحة، مع خفض سعر الفائدة.
فمخاوف قطاع الاستثمار تظل كبيرة، وعلى الرغم من عدم تحقيق قانون العمل الحالي الأمان اللازم للعامل المصري، سواء في الاتفاقات الجماعية أو في التسويات الفردية. فالمستثمر يظل متخوفا من التوظيف تحت مظلة ذلك القانون، حتى مع قبول العامل التعاقد على شروط مجحفة، حيث يرى المستثمر أن العامل يعد ورقة ضغط عليه من قبل منافسيه من أصحاب النفوذ من العاملين في السوق، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في سوق العمالة المصرية، لا سيما عندما نضيف إلى ذلك رغبة النظام في تسريح ما يقارب الأربعة ملايين موظف من القطاع الحكومي والعام في الدولة. فبحسب تصريحات رأس النظام، فإن زيادة الأجور والرواتب التي بلغت 266 مليار جنيه في موازنة 2018/ 2019 والتي تغطي حوالي سبعة ملايين موظف حكومي؛ يعد عبئا كبيرا على موازنة الجهاز الإداري للدولة، الذي يحتاج ثلاثة ملايين موظف فقط من أصل سبعة ملايين موظف يتقاضون أجورا من الموازنة؛ لا يمكن أن تتحملها بعد الآن.
سياسات المجاملة أو رد الجميل الاقتصادية التي ينتهجها النظام لتثبيت أركانه، والتي تصب في مصلحة دول معينة أو جماعة بعينها أو أفراد محسوبين عليهم، تضر بشكل كبير بفئة المستثمرين من جهة ومجتمع العمال العريض من ناحية أخرى، وهو ما يملأ البركان بمزيد من الحمم، وينذر بقرب انفجار المجتمع بأكمله.