هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد منطقة البلقان توترا شديدا بعد أن هدد إقليم صرب البوسنة بالانفصال عن البلاد في غضون شهرين، وسط تساؤلات عن دور لروسيا، التي تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة، لممارسة ضغوط على الغرب.
فقد هدد "ميلوراد دوديك"، رئيس
إقليم الصرب، الذي يشكل نحو نصف مساحة جمهورية البوسنة والهرسك، بالانفصال عن
البلاد، خلال 60 يوما، ما لم يتم إجراء تعديل دستوري، يتم بموجبه إعادة تشكيل
المحكمة الدستورية، وإنهاء تواجد القضاة الدوليين فيها.
وتتكون المحكمة الدستورية في البلاد من تسعة
قضاة، ثلاثة منهم دوليون، واثنان عن كل عرقية رئيسية، أي المسلمين البوشناق
والأرثوذوكس الصرب والكاثوليك الكروات، وذلك بموجب اتفاقية "دايتون"
التي أنهت الحرب الأهلية في البلاد، والموقعة نهاية عام 1995.
ويرفض المسلمون ذلك التعديل المقترح، ويؤكدون
أن "دايتون يجب القبول بها بشكل كامل"، كما جاء على لسان عضو المجلس
الرئاسي عن البوشناق، شفيق جعفروفيتش، الذي حذر من عواقب وخيمة لانهيار الاتفاق.
تجدر الإشارة إلى أن انتزاع مساحات من
البوسنة والهرسك، وإنشاء جمهورية للصرب، تنضم لاحقا إلى صربيا، كان الهدف المعلن
والمتسبب باشتعال حرب 1992- 1995، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، جلهم من المسلمين
البوشناق، بحسب الأمم المتحدة.
بصمات روسيا
بدأ التصعيد غير المسبوق، قبل أيام، بعد زيارات
أجراها "دوديك" إلى صربيا المجاورة، الحليف القوي لروسيا في المنطقة،
وبالتزامن مع زيارة لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى بلغراد، وكذلك بعد
ثلاثة أشهر من استضافة صربيا تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا، ظهرت فيها منظومة
أس400 لأول مرة في مناورات خارج البلاد.
واعتبرت عدة تقارير إجراء البلدين لتلك المناورات
رسالة تحذيرية للغرب من المضي في ضم دول جنوب شرق أوروبا إلى حلف شمال الأطلسي،
بالتزامن مع عمل سراييفو على ترتيبات داخلية تمهيدا للعضوية، التي يعارضها الصرب، فيما
تعتبر موسكو أن ذلك يأتي في إطار "نهج عدائي"، ومضي "الناتو"
بتبني سياسات الحرب الباردة التي انتهت قبل عقود.
اقرأ أيضا: إحياء ذكرى مجزرة سربرنيتسا.. أردوغان: التاريخ لن ينسى (صور)
وفي الواقع، فقد بدأ التصعيد بين الحلف
وروسيا بهذا الخصوص بعد مصادقة الناتو على عضوية جمهورية شمال مقدونيا في شباط/
فبراير 2019، وتجدد بعد منح جمهورية الجبل الأسود خطة الانضمام نهاية العام ذاته.
ومن شأن التحاق جميع دول المنطقة، بما فيها
البوسنة والهرسك، إلى الحلف، دفع صربيا إلى الابتعاد عن روسيا والالتحاق بهذا
المسار، ما سيحرم الأخيرة من آخر موطئ قدم في المنطقة، التي تعتبر خاصرة رخوة
للاتحاد الأوروبي.
تحرك أمريكي
أثارت التطورات الأخيرة في البوسنة والهرسك
قلقا عميقا في الغرب، كما جاء على لسان مسؤولين في الاتحاد الأوروبي ودول ومنظمات
مختلفة، فيما تحرك السفير الأمريكي لدى سراييفو، إيريك نيلسون، على الأرض، وعقد
لقاء مع "دوديك".
لكن تصريحات من الجانبين أظهرت فشل
المباحثات، بل إن تعليق حساب السفارة عبر "تويتر" خلا من أي مجاملات
دبلوماسية، فيما أكد "دوديك" أن اللقاء تحول من "مباحثات
بناءة" إلى "تهديد"، مشددا على أن الإدارة الأمريكية لن تتمكن من
ثنيه عن السعي لتحقيق مصالح جمهورية الصرب.
وفي تغريدتها، قالت سفارة واشنطن: "لقاء
اليوم بين عضو الرئاسة البوسنية دوديك، والسفير نيلسون، شهد التأكيد على أن
الولايات المتحدة تتوقع احتراما كاملا لاتفاقات دايتون، ولسيادة البوسنة والهرسك
وسلامة أراضيها".
وأضافت في تغريدة أخرى: "على مدار 25
عاما، شكلت الولايات المتحدة شريكا قويا للبوسنة والهرسك، بدعم كامل لازدهار،
واستقرار، وسلام هذا البلد".
وهددت السفارة من "عواقب وخيمة"،
حقيقية ومباشرة، لأي "إجراء يقوض تلك الأهداف".
— US Embassy Sarajevo (@USEmbassySJJ) February 19, 2020
ملفات معقدة
وتشهد المنطقة العديد من الملفات الساخنة،
وأبرزها، إلى جانب البوسنة والهرسك، ملف انفصال إقليم كوسوفو عن صربيا، حيث تواصل
الأخيرة رفض الخطوة، رغم أنها باتت حقيقة واقعة على الأرض منذ عام 2008، وتعترف
ببريشتينا أغلب الدول الغربية والإسلامية، بواقع 51% من الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة.
وتنأى سراييفو حتى الآن عن الاعتراف باستقلال
كوسوفو، جراء تهديد الصرب بالانفصال عن البلاد في حال اتخذت الخطوة، لكن تلويحهم
بذلك بشكل متزايد يهدد بانزلاق المنطقة برمتها إلى حرب جديدة.
أضف إلى ذلك وجود مطالب قومية لدى أقلية مسلمي
"السنجق"، جنوب صربيا، ولدى الألبان في شمال مقدونيا، وغيرها من بؤر
الصراع، في منطقة باتت تحظى بأهمية استراتيجية متزايدة، جراء موقعها على طرق
التجارة والهجرة البديلة، بين الشرق والغرب.