هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أرى وسائل إعلام رئيسية وثانوية تهتم كثيرا بالانتخابات الإسرائيلية، وتتهافت على أصحاب الرأي والمحللين والمثقفين لاستضافتهم، وكل واحد يدلي بدلوه ورؤيته الخاصة حول سير الانتخابات المتكررة التي لا تنتج حكومة. وهذه المتابعة الإعلامية متأثرة جدا بمتابعة الأنظمة العربية ومنظمة التحرير للانتخابات الصهيونية على أمل أن تفرز رئيس وزراء ليّن يمكن التفاهم معه، وبرلمانا يميل نحو الحلول السلمية.
رهان خاسر
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي الذي شهد جنونا في دعم مرشح إسرائيلي على آخر، خابت آمال العرب عموما، وآمال منظمة التحرير الفلسطينية. مع كل جولة انتخابات، كان يأتي رئيس وزراء يتبنى الاستمرار في مصادرة الأراضي وبناء الاستيطان وإنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. حتى الذين عقد العرب آمالا عليهم مثل باراك وبيرس وليفني خيبوا الظنون وذهبت جهود العرب في تليين الموقف الصهيوني أدراج الرياح.
وتاريخيا، لا يفوز من وضع مستقبله ومصيره في حجر عدوه. وإذا كان المرء غير قادر ويشعر بالعجز فإن الحل لا يكمن في اللجوء إلى العدو عساه يأتي بقيادة رحيمة تسير في نهج الشفقة. ولهذا استمرت مكانة القضية الفلسطينية تتراجع عبر الزمن، واستمر العرب بالدعاء لأن يهزم الله سبحانه شامير وشارون ونتنياهو. لكن الدعاء لم تصاحبه إجراءات تؤدي إلى كبّ الشخص المنتخب على وجهه فيصاب بالعمى.
ولم يختلف وضع العرب والفلسطينيين وتفكيرهم بالنسبة للانتخابات الأمريكية. كانوا وما زالوا يلهثون وراء الانتخابات الأمريكية عسى الناخب الأمريكي يقرر انتخاب شخص يبحث عن عدالة في حل القضية الفلسطينية ومقاربة مختلف القضايا العربية. وكان بود بعض العرب المساهمة في تكاليف الدعاية الانتخابية. لكن الناخب الأمريكي لم يكن ينتخب وفق الأهواء العربية وإنما وفق غبائه وجهله بمعطيات السياسة الدولية ودور الولايات المتحدة في الابتزاز والاستعباد والهيمنة.
تاريخيا، لا يفوز من وضع مستقبله ومصيره في حجر عدوه. وإذا كان المرء غير قادر ويشعر بالعجز فإن الحل لا يكمن في اللجوء إلى العدو عساه يأتي بقيادة رحيمة تسير في نهج الشفقة.
العقيدة الصهيونية
المسألة ليست مرتبطة بأشخاص أو أحزاب وإنما مرتبطة بالعقيدة الفكرية السياسية والدينية للصهاينة. مواقف الصهاينة لا تنبع من هذه الساعة وإنما تستند إلى تاريخ طويل وتمنيات وأمانٍ وتطلعات مرتبطة بإرادة الرب الذي يتحدثون عنه في التوراة، وبالعقيدة الصهيونية التي تبلورت عبر الزمن بخصوص أرض فلسطين ومساحات كبيرة من أرض الشام ومصر والحجاز.
وهناك مشكلة خاصة بالمصطلحات والمفاهيم. أسمع المعلقين يتحدثون عن اليمين واليسار والمتطرف وغير المتطرف. ماذا يعني اليمين، وماذا يعني اليسار؟ وماذا يعني الاعتدال وماذا يعني التطرف؟ هذه مصطلحات صكها في الغالب الإنكليز أثناء صدامهم في الطريق نحو إقامة الديمقراطية، وهي مصطلحات لها أجواؤها الخاصة وظروفها التي لا تتكرر، وليس من الصواب استلافها من الغرب والتغني بها باستمرار. وإذا أردنا استعمال هذه المصطلحات فإن علينا تعريفها أولا.
بالنسبة لكاتب مثلي، لا أرى أحدا من الصهاينة معتدلا. وإذا جاز أن نعرف التطرف والاعتدال بالنسبة للقضية الفلسطينية فإننا نعطي تعاريف متناسبة مع الحقوق الفلسطينية وليس وفق نسبة إنكار هذه الحقوق. فالذي ينفي حق اللاجئين في العودة متطرف، والذي يقول بضرورة اقتصار الدولة الفلسطينية على حدود حزيران متطرف. أما المعتدل فهو الذي يعترف بالظلم الذي وقع على شعب فلسطين ويقرر التراجع عما ساهم به من ظلم.
من في الكيان الصهيوني غير متطرف؟ وأين هو المعتدل منهم؟
ويبدو أن إخوتنا في الأرض المحتلة/48 يعشقون الحديث عن اليمين المتطرف، والإجماع بينهم على هذا التعبير واضح. وأرى أنه من الأفضل التفكير بعمل ما يمكن أن يخيف الصهاينة عموما دون التفكير بآلية الانتخابات لنيل قسط من الفرج.
ومن الضروري ملاحظة أن اهتمام العرب بانتخابات أعدائهم يوفر طمأنة للأعداء من حيث أن العرب بلغوا من العجز إلى حد الاستنجاد بالناخب المعادي. انتظار نتائج الانتخابات يبعث للآخرين المعادين رسالة بأن العرب لا يملكون حولا ولا قوة، وأنه بالإمكان السيطرة عليهم بسهولة.
ولهذا علينا أن ننشغل باستمرار بما يجب علينا أن نفعل، وبالخطط التي يجب أن نرسمها وننفذها.