هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتبر محمد الخليفة السياسي والمحامي المغربي، واحدا من الأسماء السياسية البارزة في المغرب، على الرغم من أنه لم يعد يشغل اليوم منصبا تنفيذيا أو قياديا في حزب الاستقلال الذي انتمى إليه منذ شبابه المبكر..
شغل الخليفة، وهو من مواليد مدينة مراكش وأحد وجهائها، مرتين منصب وزير في حكومة عبد الرحمن اليوسفي الثانية بين أيلول (سبتمبر) 2000 وتشرين ثاني (نوفمبر) 2002، وفي حكومة ادريس جطو الأولى بين تشرين ثاني (نوفمبر) 2002 وحزيران (يونيو) 2004. وهو حاليًا عضو في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.
التحق محمد الخليفة بالحركة الوطنية منذ صغره، ففي عام 1955، أصبح أصغر زعيم لحزب الاستقلال في مدينة مراكش. بعد أن حصل على تكوين في القانون، التحق بنقابة المحامين في مراكش عام 1964، ثم أصبح رئيسًا لها في السبعينيات.
عايش الخليفة عن قرب معارك التحرير الوطني في دول المغرب الكبير، ولا سيما في الجزائر، كما كان قريبا من القضية الفلسطينية بحكم النشأة السياسية في حزب الاستقلال.
"عربي21" زارت محمد الخليفة في بيته بالرباط، وأجرت معه حوارا شاملا عن فلسطين والجزائر وليبيا وأيضا عن المغرب والتحولات السياسية التي عرفها منذ انطلاق الربيع العربي..
س ـ لنبدأ من صفقة القرن، التي مازالت تتصدر اهتمامات الرأي العربي والدولي، ما هو تقييمك أنت للصفقة وللموقف الفلسطيني والعربي والدولي منها؟
ـ أعتقد أن الكثير من التحليلات، والكثير من المقولات أصبحت متجاوزة بالنسبة لما سماه ترامب بـ "صفقة القرن"، هذا المخطط الجهنمي الذي يريد أن يقضي على كل ما بقي من آمال، بالنسبة لتحرير الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني من نير الاستعمار الصهيوني الذي بقي جاثما منذ 70 سنة على الأراضي الفلسطينية. أعتقد بأن هذه المبادرة أو هذه الصفقة هي كارثة ستحل ليس فقط بالشعب الفلسطيني وإنما بالشعوب العربية والإسلامية كلها..
عمليا هذه الكارثة التي صاغوها من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، لن أجد أفضل من تعبير الرئيس محمود عباس الذي قال بشأنها بأنها ستذهب إلى مزبلة التاريخ.. بالفعل هي ستذهب إلى مزبلة التاريخ والدليل أن الشعوب العربية والإسلامية وكثير من القادة العرب والمسلمين أبدوا موقفا صارما وصريحا وليس فيه أي تأويل بأن هذه المبادرة مرفوضة رفضا نهائيا وأنها ولدت ميتة، فقط ضعاف الإرادة والعقول الذين لا يقدرون الأمور حق قدرها ولا يعرفون تاريخ الأمة الإسلامية وتاريخ فلسطين، ذهبت بهم الغواية بأنهم لا يريدون أن يفهموا حتى حقيقة القضية الفلسطينية، هؤلاء بطبيعة الحال لا قيمة لهم، في كل ما يدعونه.
أعتقد أن القضية الفلسطينية بالنسبة للذين يعرفون أن الاستعمار للأراضي الفلسطينية هو بالفعل كان وعدا من شخص لا يملك إلى دولة لا تستحق.. مبادرة ترامب هي تتميم لما بدأ منذ أوائل القرن الماضي، وبالضبط منذ وعد بلفور، الذي أدى إلى ما نحن فيه الآن.
وبالتالي فإن الشعب الذي بقي صامدا لمدة 70 عاما، هذا الشعب يمكنه أن يبقى صامدا لمئات السنين.. وأعتقد أنه ليس من مسؤوليتنا ولا من مسؤولية جيلنا أن يقرر مصير فلسطين، هل يجب أن تكون دولة أو لا.. القدس أمر مقدس لجميع المسلمين، إما أن نتمكن من تحريره وإما لا نستطيع فنعلن ذلك والأجيال القادمة قادرة تمام القدرة على تحرير القدس.
س ـ الرئيس محمود عباس أعلن في اجتماعات الخارجية العرب، أن طريق السلام وصل إلى طريق مسدود، وأنه أبلغ الأمريكيين والإسرائيليين بذلك.. وأنه بصدد إيقاف التنسيق الأمني وكل ما له علاقة باتفاق أوسلو.. هل تثق بكلام الرئيس عباس؟
ـ تتبعت تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية، وأعتقد أنه لا مفر له إلا اتخاذ هذا الموقف، ليس له أي شيء يمكن أن يتدارك به كل ما وقع من سلبيات منذ أوسلو إلى الآن إلا هذا الموقف.. هذا الموقف يجب أن يكون الموقف الحقيقي والنهائي لأن ترامب والكيان الصهيوني أعدموا أي شيء يسمى اتفاقية أوسلو.. هم الذين أعدموها، ولذلك فالرئيس الفلسطيني عندما يعلن هذا يعلن حقيقة أصبحت قائمة.. نحن الفلسطينيون لم نقم بأي عمل يؤدي إلى الإخلال بما اتفقنا عليه في أوسلو، ولكن الأمريكيين وترامب بالذات ونتنياهو مزقوا كل تلك الاتفاقيات التي تم توقيعها، ولذلك لا مفر للرئيس محمود عباس إلا أن يتجه الاتجاه السليم قبل كل شيء نحو غزة من أجل أن تكون هناك مصالحة حقيقية بتواضع الزعماء الكبار وبالتنازلات الممكنة وغير الممكنة، لأن العدو أصبح واضحا.
العداوة الفكرية والأيديولوجية ليس وقتها الآن، العدو واضح، ترامب ونتنياهو والسياسة الأمريكية القائمة الآن تؤدي إلى فقدان القدس، ولن تقوم دولة لفلسطين إلا إذا كنا نريد أن تكون فلسطين عبارة عن جزر لا يربطها رابط، وحتى هذه الجزر لن يكون فوقها كيان..
ولذلك يجب التوجه نحو مصالحة فلسطينية حقيقية من أجل وحدة الموقف، ووحدة التوجه ووحدة النضال ووحدة الجهاد ووحدة الكفاح ببرنامج واضح.
وأقول أكثر من هذا يجب أن لا نعول على ما كنا نسميه الجامعة العربية، هذه الجامعة بكل أسف على الرغم من تصريحات أمينها العام، والمواقف التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإنها برهنت بأنه لم يعد لها دور حقيقي في القضايا الحقيقية للعرب.
س ـ في الشأن الفلسطيني، تابعت موقف حماس ومبادرة رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية من خلال اتصاله بالرئيس محمود عباس.. هل تعتقد بأن حماس عدو لحركة فتح وللسلطة؟
ـ نحن الذين كنا نعتبر أنفسنا حواريي المرحوم الزعيم علال الفاسي كنا نعتبر أنفسنا فتحويين، وبالتالي فإننا عندما كنا نناضل من خلال الإطار الذي خلقته الحركة الوطنية من أجل دعم الشعب الفلسطيني كنا نعتبر أنفسنا فتحويين.. لكن بكل أسف بعد اتفاقية أوسلو كانت هناك الكثير من المواقف التي لا تبرهن بأننا نتجه الإتجاه الصحيح.
دعني أقول لك كذلك بأن غزة هي التي تركت الأمل قائما ومشرعا بالنسبة للشعوب العربية من أجل تحرير فلسطين.. ما عانته غزة منذ اتفاقية أوسلو إلى الآن، شيء لا يمكن أن يحتمله إلا شعب مستعد أن يجود بروحه من أجل انتصار القضية الفلسطينية، فلهذا شخصيا أشد بيد قوية على النضالات التي قامت بها حماس لتبقى هذه القضية في وجدان الشعب العربي، وفي وجدان الشباب العربي، الذي لم يعرف هذه القضية إلا معرفة سطحية، أو معرفة ممزوجة بكثير من الاختلالات الفكرية والسياسية وغيرها.
وبالتالي فإن حماس والشعب الفلسطيني في غزة، قاموا بالدور، الذي لو كان متكاملا في الضفة وغزة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، أحيي هذا الشعب العظيم في غزة، وأحيي حماس وأحيي قادتها وأحيي التضحيات الجسام التي قامت بها.
وبالتالي فإن النفوس المناضلة الكبيرة والعظيمة في تاريخ البشرية هي التي عندما تقع كارثة ونكبة مثل تخطيط ترامب تتنازل عن كل أنانيتها، وهي التي يجب أن تحضن، وبالتالي على السيد محمود عباس أن يفتح صدره ويتوجه إلى غزة من أجل لم الصفوف.. وأعتقد أن كل التصريحات التي جاءت من حماس تبشر بالخير العميم..
لا يمكن أن نربح معارك مثل المعركة المفروضة علينا اليوم، إلا أن يكون الشعب الفلسطيني موحدا من أجل قضية واحدة هي تحرير فلسطين كل فلسطين.
س ـ في الموقف العربي، كانت معظم البلاغات الصادرة عنها متشابهة، هل رأيت أن الموقف العربي كان في مستوى ما تتعرض له القضية الفلسطينية؟
ـ قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، دعني أذكر بحدث تاريخي حتى نفهم سياق ما نحن بصدده اليوم، عندما أقدم صهيوني على حرق منبر وحرق المسجد الأقصى أواخر عام 1969، دعا المغفور له الملك الحسن الثاني إلى أول مؤتمر قمة إسلامي من أجل رفض إحراق منبر صلاح الدين الأيوبي وبعض الأجزاء من المسجد الأقصى، فكان الموقف الذي تم اتخاذه في الرباط موقفا إسلاميا شاملا نتج عنه تشكيل لجنة القدس التي ترأسها المغفور له الحسن الثاني، وفهم الاحتلال أن القدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
اليوم ليس فقط إحراق منبر أو أجزاء من المسجد الأقصى، اليوم قرار لأعظم دولة في العالم، تقول بأن هذا المسجد الأقصى والقدس كلها أصبحت لصالح إسرائيل، وإذا كنتم تريدون آداء الصلاة فيمكنكم أن تفعلوا ذلك.. الموقف الذي كان يجب أن يتخذ كان يجب أن يكون على شاكلة موقف الحسن الثاني عام 1969.. هل فقدنا الوعي إلى هذه الدرجة؟ ألا يعود وعينا حتى بقراءة الأمس القريب من أجل أن نعرف بأن هذه القضية ليست للبلاغات والمزايدات والمطارحات الفكرية والسياسية، هي قضية مقدسة يجب أن نعرف بأنه بكل أسف الموقف الإسلامي والعربي لم يكن في مستوى الحدث مهما كانت التصريحات والمواقف إلا ما ندر من بعض رؤساء الدول الإسلامية أو العربية التي برهنت بوضوح وقالت ما يجب أن يقال..
ولكن إذا كنا في 1969 من أجل إحراق جزء من المسجد الأقصى كانت تلك المبادرة العظيمة في تاريخ فلسطين والقدس، فإنني بكل أسف أرى بأنه لم يكن رد الفعل الذي يعطينا الأمل بأننا ندافع عن مقدساتنا بالفعل، ونذكر بأن الرئيس ماكرون مؤخرا كان هناك في القدس، وبما أن الكنيسة الموجودة في القدس تعتبر جزءا من التراب الفرنسي منع كل الحرس الإسرائيلي أن يدخل معه، وقال: لن نسمح بشيء لم يقع في التاريخ كله أن يقع الآن..
هذه المواقف الحقيقية، أما المواقف العربية فأغلبها كانت شبه مائعة، طبعا كانت هناك نقاط مضيئة.
س ـ بعض الأطراف العربية كانت حاضرة عند إعلان الصفقة.. هؤلاء ماذا تسميهم أنت؟
ـ مؤلم أن أجد لهم وصفا غير الخيانة للقضية الفلسطينية وخيانة المسجد الأقصى، صعب أن أجد الوصف الذي يجمع كل هذا الكلام.
س ـ بالنسبة للنقاط المضيئة.. ما هي هذه النقاط التي كنت تود الإشارة إليها؟
ـ مثلا الرئيس التونسي قيس سعيد، كانت تصريحاته الرافضة للتطبيع ولصفقة القرن واضحة.. وهي من التصريحات التي يفتخر بها الإنسان العربي، الذي يعرف مركزية القضية الفلسطينية.. قضية فلسطين ليست قضية تراب أو شعب مشرد منذ 70 سنة، القضية الفلسطينية هي أم القضايا بالنسبة للإنسان المسلم.. وبالنسبة للمواطن العربي.. من فلسطين يتفرق الخير وإليها يعود الخير ومن فلسطين يعم الشر ونحن نرى هذا.. عندما ذهبنا في سبات ولم تحرك الإرادات الفلسطينية الحقيقية لتتخلى عن اتفاقية أوسلو، رأينا كيف أن الاستعمار بأساليبه الوحشية والملتوية الظاهرة والباطنة أنه بدأ يتطاول على العالم العربي من أجل أن لا يبقى هذا العالم، الذي يعتبر الرديف الحقيقي لتحرير فلسطين..
أنظر إلى سوريا، وإلى السودان وإلى ليبيا وإلى العراق، وإلى التشرذم في الخليج..
س ـ من برأيك يمتلك الشرعية للدفاع عن فلسطين والقدس؟
ـ هول الموقف الذي اتخذه ترامب يجعل الإنسان يصدق من الواقع العربي والإسلامي اليوم أن هذه الصفقة يمكنها أن تمر على العرب والمسلمين على الرغم من كل ما نقوله، لأن القول وحده لا يجدي.. نحن مسؤولون أننا تركنا الشعب الفلسطيني وحده، ولا يكفي أن نتضامن مع غزة ونرسل لها المعونات الإنسانية، ولا يكفي أن نقول للإخوة الفلسطينيين بأننا معكم، هذا لا يكفي، يجب أن تكون للقضية الفلسطينية مكانتها المحورية التي أعطاها لها التاريخ.. وإلا فنحن نرى ماذا يقع في العالم العربي، والكل يحاول جره، المغرب الكبير بدأت التحركات في ليبيا والله وحده يعلم أين ستقف.. الجزائر تعرف مظاهرات منذ أكثر من عام من دون توقف.. في شعوب المغرب العربي هناك شبه يأس عام شامل.. هناك في الخليج القضية الفلسطينية أصبحت بالنسبة إليهم لا تذكر.. كيف يمكن لنا في وسط كل هذا أن نبحث عن النقاط المضيئة من أجل أن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا يجب أبدا أن نستهين بمبادرة ترامب، ولا تكفي فقط العواطف والقول بأننا ضدها، ترامب اليوم يكون الدولة الأقوى في العالم، ونحن نعرف ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول التي تصبح الأقوى في مرحلة من مراحل تاريخ الإنسانية، علينا أن لا ننسى هذا.. وبالتالي هل نحن بالفعل جادون في تحرير فلسطين والقدس؟
عندما أقول هذا فإنني أقرر أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ولا أقول هذا عاطفة وإنما هذا هو الواقع.. عندما كانت فلسطين دولة أغلب الدول الموجودة اليوم لم تكن يومها..
س ـ من برأيك من دول العالم العربي والإسلامي يمكنه التصدي لهذه الصفقة ويمنع تنفيذها؟
ـ لا يمكنني أن أستثني أي شخص يؤمن بالقضية الفلسطينية وله من الإمكانيات الفكرية والسياسية والعلمية، أن لا يكون قد فكر في حل من أجل الوضع الذي نعيشه الآن، نحن نعيش وضعا سيئا في العالم العربي والإسلامي.. على الرغم من الارتباط بين القدس وفلسطين، مع ذلك فإنه منذ مؤتمر 1969 وتكوين منظمة التعاون الإسلامي وتكوين لجنة القدس اتضح أن هناك أمرين اثنين: قضية القدس قضية وحدها وتهم كافة العالم الإسلامي ويجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية.. والقضية الفلسطينية بمعنى تحرير الأرض، فهذا أيضا شيء أساسي ومهم.
مع الأسف أن الأمر تدحرج من رابطة التعاون الإسلامي التي أصبحت اليوم منظمة التعاون الإسلامي، لم يعد للجنة القدس تلك الآمال التي كانت معلقة عليها وهي تحرير القدس وليس مساعدة المقدسيين.. وكذلك في إطار الصراعات القائمة في العالم الإسلامي، تم تأسيس منظمات أخرى تحمل اسم الدفاع عن القدس.. مع كل أسف أنه حتى منظمة التعاون الإسلامي، أصبح السياسيون في العالم العربي بكل أسف يوجهون منظمات يعلقون عليها آمال لربح معركة من أجل أن الصهيونية تخترق العالم العربي والإسلامي، وما وقع أخيرا في بولندا في قضية الهولوكست يستحي الإنسان أن يتكلم عنه.. هكذا آلت أوضاعنا.
وفي هذا الجو المعتم الذي لا يمكن أبدا، إلا أن نصفه بالعتمة التامة، يجب أن يبرز ويبزغ فجر الأمل، لا يجب أن نستسلم، لأن الذي يؤمن بقضية مثل القضية الفلسطينية عليه أن يبقى متشبثا بخيوط الأمل إلى النهاية.. خيوط لأمل، أعتقد أنه من الواجب تسمية لجنة القدس بـ "لجنة تحرير القدس"، لن نعدم في العالم الإسلامي قادة برهنوا بتصريحاتهم حتى اللحظة الأخيرة، على أنهم في مقدمة الصفوف على الرغم من أنهم قد يؤدون ثمنا غاليا لا من الصهيونية ولا من الذين يحمونها.. حتى بالنسبة لمستقبلهم السياسي.
س ـ من تقصد؟
ـ أقصد الكثير، على الأقل أستحضر الآن الرئيس التونسي قيس سعيد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، تصريحات هؤلاء تبرهن أنه لا يجب أن نفقد الأمل، هناك من استطاع أن يقول الحقيقة.. وبالتالي فإنني أعتقد أنه آن الأوان للقادة العرب والمسلمين الذين يؤمنون حقا بالقضية الفلسطينية، أن تكون هناك قيادة على مستوى العالم الإسلامي في لجنة القدس التي يجب أن تكون لجنة تحرير القدس، وهذه اللجنة يمكن أن تضم هذه الأسماء، وأسماء أخرى لم أذكرها، والفلسطينيون ممن لم أذكرهم من "حماس" و"فتح" وغيرهما.. يجب تكوين لجنة من أجل أن تبقى القدس في ضمير كل مسلم، وأن هذه القضية ليست للنقاش.
ـ المغرب بالنسبة للقضية الليبية لعب الدور الذي كان عليه أن يلعبه كشعب عربي، واحتضانه لحوار الصخيرات، هو شيء يفتخر به المغاربة، وأعتقد أنه سُجل هذا العمل في تاريخ الديبلوماسية المغربية التي سهلت ذلك الحوار، والذي آل إلى ما آل إليه الآن وهو وجود سلطة شرعية معترف بها من العالم كله، إلا من يحاول أن يستثني نفسه الآن.
ولكن كذلك بكل موضوعية، المغرب الذي قام بهذه المبادرة المهمة في ظروف متداخلة ومتضاربة كانت تعمل لعرقلة الحوار، المغرب لم يبق محافظا على روح الصخيرات ويفرض وجوده داخل الساحة الليبية بجانب ما أفرزته اتفاقية الصخيرات، وأعتقد أنه بعد اتفاقية الصخيرات، كان يجب أن تكون أقوى سفارة وأكبرها هي سفارة المغرب، لأن المغاربة احتضنوا كل فصائل الشعب الليبي من أجل استقرار هذا البلد المغاربي وتمثيل ديبلوماسي حقيقي الآن.
ولذلك فإن الانتقادات التي سمعناها بسبب عدم دعوة المغرب إلى اجتماعات برلين، هي انتقادات طبيعية، العمل السياسي إذا كان معزولا في مرحلة من مراحل تطور شعب أو جماعة عندما يقع الانقطاع فإن الناس ينسون كل ما تم تقديمه، وهذا هو حال المغرب في ليبيا.. وأعتقد أن المغرب بالنسبة للقضايا العربية يريد أن يلعب الدور المتميز الهادئ المطمئن، ولكن عندما تختلط الأوراق وعندما تصبح الأطماع الخارجية أكثر من الإمكانات، الداخلية، يجب كذلك على المكون السياسي، أن يكون متواجدا في عين المكان، وأعتقد لو كان المغرب موجودا وجودا حقيقيا يفرضه عليه موقعه وموقفه واحتضانه لاجتماعات الصخيرات، فإنه لم يكن لينسى أبدا، وعلى كل حال فإن نسيانه يمكن أن يكون بسبب الكثير من اللاعبين في هذا الملف، سواء من الإخوان العرب، ومن الإخوة الخليجيين بصفة خاصة، أو من الذين لهم أطماع استعمارية، يعرفون أن المغرب عادة يسلك سياسة خارجية هادئة متزنة، ولا يمكنه بحال من الأحوال أنه عندما يجب اتخاذ الموقف الصحيح سيتراجع..
س ـ بمعنى أن المغرب يعي جيدا الواقع ولن يكون خارج المشهد الليبي، هل هذا ما أفهمه منك؟
ـ أعتقد أن هذا هو واجب المغرب، وأنا أرى تحركا ديبلوماسيا بعد اجتماع برلين، وبأن المغرب الآن يحاول أن يستدرك إذا كانت هناك اختلالات أو أخطاء من اجتماعات الصخيرات إلى مؤتمر برلين، فإن المغرب من خلال نشاطه الإفريقي ولا من خلال الإشارات التي يبعث بها، فإنه لا يريد أن يتخلى عن دوره لأنه يعتبر أن ليبيا كجزء من المغرب العربي يجب أن تنعم بالسلم والهدوء والطمأنينة، ديبلوماسية المغرب المبنية على ثوابت لا يمكن أن يتزحزح عنها، أعتقد أن المغرب سيضطلع من جديد بدوره المفروض عليه من أجل حماية المسار العادل والطبيعي والقانوني الذي يعترف به العالم، من أجل أن تعرف ليبيا الهدوء والطمأنينة والاستقرار، وأن كل ما يتم إرساله من مرتزقة وأسلحة إلى ليبيا، سيعرف المغرب كيف يتعامل معه من أجل أن يعيش الشعب الليبي في دولته الحرة المستقلة.
س ـ لا يمكن أن نذكر المغرب دون أن نذكر الجزائر، الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ العام 1994، هل أنت حزين لذلك؟
ـ حتى كلمة حزن لا تعبر عما نعيشه من واقع أليم.. نحن الذين فتحنا أعيننا والمغرب يستقل على العمل السياسي بكل صراحة إذا لم يكن لنا دور في مقاومة الاستعمار لأننا كنا صغارا، فقد قاومناه مع الشعب الجزائري بكل إمكانياتنا، أتذكر بأننا كنا في مدينة مراكش نعتبر بأن كل تجمع يعقده الجزائريون، عن شبيبة حزب الاستقلال كنا نذهب من أجل أن نقرأ أناشيد التحرير، ونقرأ من جبالنا طلع صوت الأحرار، ونقرأ قصائد مفدي زكريا رحمه الله، نحن اعتبرنا أن تحرير الجزائر هو تحرير للمغرب، هذا هو الجيل الذي تربينا فيه.
بكل أسف لا أعتقد بأن الوضع الذي نعيشه كمغاربة وجزائريين، بغض النظر عن المسؤولين في مستوى القرار، الشعب الجزائري والشعب المغربي، هما شعبان لا يفرحان لهذا الوضع. بالنسبة لنا نقدر الظروف التي مرت بها الجزائر، إلى مرحلة اغتيال بوضياف ثم عزل بوتفليقة إلى هذا الحراك المستمر، هذا كله يتفاعل معه الشعب المغربي، وأعتقد أن هناك الكثير من الإشارات الدالة التي أرسلها الملك محمد السادس في كثير من خطاباته، ولا سيما خطابات المسيرة الخضراء وخطابات 20 آب (أغسطس)، هناك دعوة للتصالح مع الجزائر، ولكن نظرا للوضع السياسي الموجود في الجزائر لا يفكرون إلا إذا لم يعادوا المغرب فإن الجزائر لن تستقر... هذا شيء مؤلم جدا، فالأجيال تلعننا سواء في الحاضر أو في المستقبل.
أجيال المغرب العربي التي نعرضها للضياع، كان من الممكن أن تكون الجزائر والمغرب قوة وقاطرة حقيقية من أجل تفعيل قاطرة المغرب العربي، والتصدي لكل ما يعرفه العالم العربي من انحلال واستيلاب، يكاد يصل إلى خيانة الأمة العربية.. كان يمكن أن نلعب هذا الدور، لكن مع الأسف الجزائر اختارت أن تسير وراء الوهم..
س ـ داخليا، أنت قيادي في حزب الاستقلال، هل يرضيك وضع حزب الاستقلال اليوم؟
ـ لو كنت راضيا عن الوضع الحالي في حزب الاستقال، لكنت أذهب إلى مركز الحزب على الأقل مرة في اليوم، أبدا أعتبر أن حزب الاستقلال الآن بالطريقة التي تمت بها مؤتمراته الأخيرة، كلها أدت إلى أن يكون الحزب مهربا إلى جهة أخرى، ويتحكم فيه من لم يكن له أي دور في تاريخه.
س ـ هل تعني أن الحزب مختطف؟
ـ نعم، هذا أكيد، ومن أجل ذلك فإن الشعب المغربي الذي يؤمن بحزب الاستقلال وتاريخه وقيمه، يعرف أن ذلك لا يعني قتل حزب الاستقلال فحسب، ولكنه قتل السياسة في المغرب.
س ـ ماذا عن مخرجات الربيع المغربي و20 فبراير، هل أنت مستريح لها؟
ـ تجربة 20 فبراير، هي ثورة للشباب المغربي ما في ذلك شك، نتائجها أمران: الأول هو تجاوب الملك محمد السادس معها، وخطابه يوم 9 آذار (مارس) 2011 أعاد الطمأنينة للنفوس وحال دون أن تسير الأمور نحو المجهول.. هذا شيء يجب عدم إنكاره، فبعظمة 20 فبراير، كانت عظمة خطاب 9 آذار (مارس) 2011.. ونتيجة لهذا الحراك الذي هو حراك للشعب المغربي منذ استقلاله.. وأيضا كان لها دستور جديد وانتخابات جديدة مكنت أطرافا لم يكن مرغوبا فيهم من المشاركة في هذه الحكومة، بل وشكلوا حكومة كاملة.
وبالتالي فإن حركة 20 فبراير وما بعدها كان عظيما.. لكن بكل أسف الأمور رجعت إلى ما كنا عليه، وبطبيعة الحال خُلقت بعد ذلك ونشأ عنها حزب وتم خلق صراع جديد لم يكن المغرب في حاجة إليه، وقد أدى ذلك إلى ما أدى إليه، حتى بدأ الكل يلعن واقع المغرب السياسي.. واقع المغرب السياسي الآن يمكن أن نختصره في أمرين إثنين: إنهاء ما تبقى من أحزاب الحركة الوطنية، حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية وكل أطراف اليسار ومن لم يسمح لها بتأسيس أحزابها حتى الآن.. أنا مع كل حزب يأتي من أعماق الشعب المغربي، وسأبقى ضد كل حزب تفرضه السلطة الإدارية.
س ـ هل الإسلاميون جزء من هذه الخطة لإنهاء أحزاب الحركة الوطنية؟
ـ أنا ضد تصنيف الأحزاب الإسلامية، هذه أحزاب في دولة دينها هو الإسلام.
س ـ أين تصنف حزب العدالة والتنمية؟
ـ أصنف حزب العدالة والتنمية في الأحزاب الوطنية التي لها جذور في تاريخ المغرب.. وكان يمكنه أن يسمى الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية.. أنا لا أدري لماذا أصبحنا نعادي كلمة إسلامي؟ بينما ألمانيا الحزب الحاكم فيها رئيسته وزعيمته يسمى الحزب المسيحي، مع أن المسيحة لا علاقة لها بأفعال البشر في الدنيا، ومع ذلك الإسلام الذي هو دين مانع شامل أراد من أراد وأبى من أبى، لماذا؟ لأنه جاء آخر الأديان.. ولذلك أنا لا أوافق على هذه التسميات..
س ـ أريد أن أسألك عن اسمين بارزين في عملية الانتقال الديمقراطي، الأول هو عبد الرحمان اليوسفي، الذي قاد مرحلة التناوب والثاني عبد الإله بنكيران الذي قاد مرحلة ما بعد الربيع العربي؟
ـ أصنفهما بأنهما شخصيتان مناضلتان، كل واحد جاء في تاريخه، اليوسفي بطبيعة الحال هو من الرعيل الأول في الحركة الوطنية، عايش الاستعمار وناضل ضده، وفي مرحلة الاستقلال ومع نشأة الأحزاب اختار طريقا آخر وناضل خارج المغرب بالطريقة التي كان يرتئيها، ورجع إلى المغرب بعد ذلك في ظروف استثنائية. عبد الرحمن اليوسفي لا غبار عليه ولا غبار على تاريخه وهو لا يتنكر لأية مرحلة من مراحل تاريخه. يمكن أن نقول إن الرجل الذي كان ضد النظام أصبح من الشخصيات التي ساهمت في نقل السلطة أو انتقال العرش بالطريقة التي عاشها العالم كله. ولذلك فعبد الرحمن اليوسفي لا في تاريخه ولا في حاضره سيبقى رمزا من رموز الحركة الوطنية المغربية.
أما عبد الإله بنكيران، له دوره أيضا، هو بحكم سنه حاول في كل مراحل تاريخه أن تعمل هذه الأمة العمل السياسي وتناضل سياسيا وهي متشبثة ومتشبعة بقيمها وثوابتها الدينية والتاريخية وكذلك بقيم الحضارة الإنسانية.
عبد الإله بنكيران إذا أردنا أن نتكلم عن المراحل التي عاشها سواء بالصحف التي أصدرها أو بالمواقف التي اتخذها عبر تاريخه يمكن أن نقول بأنه جاء رجل في وقت كان المغرب في حاجة لشخصيات من مثل طينة عبد الإله بنكيران.. وأعتقد بأن الشعب المغربي فراسته لا تخطئ، فعندما كانت 20 فبراير وعندما كان خطاب الملك في 9 من آذار (مارس) 2011 وعندما كان الدستور الجديد، قرر الشعب المغربي عن طواعية وعن اختيار، أن يكون أول رئيس حكومة في أول دستور لمحمد السادس هو عبد الإله بنكيران.
عبد الإله بنكيران اكتشفه الشعب المغربي برمته عندما أصبح رئيسا للحكومة، فمواقفه قربته إلى مختلف الطبقات، من الطبقة التي لم تكن تؤمن بنوعية فكر عبد الاله بنكيران، وكذلك الطبقات الشعبية المختلفة، فبحكم هذه الكاريزمية وبحكم هذا التكوين استطاع بنكيران أن يدخل إلى القلوب بدون استئذان، وأكبر دليل على ذلك أنه يعتبر من أنجح رؤساء الحكومات التي مرت في تاريخ المغرب، وقاد صراعا قويا بكل أسف الكثير التي وضعها في السكة القويمة بكل أسف وقعت فيها تراجعات الآن، وبعض الأشياء التي كان يستممها لم يتمكن من ذلك، وأكبر دليل على أنه كانت له ثقة شعبية أنه بعد 6 سنوات من القصف الذي تعرض له وهو رئيس للحكومة، استطاع أن يقول جملة واحدة فقط أعطوني أصواتكم وأنا كفيل بالآخرين، فكان نجاحه في الانتخابات ثم عينه جلالة الملك رئيسا للحكومة للمرة الثانية..
وأعتقد أن ذلك يكفيه فخرا، أما ما وقع بعد ذلك فهذه مسؤولية تاريخية لمن يتحملون مسؤولية المغرب.
س ـ نصيحتك لأصحاب القرار لتجنب قتل السياسة في المغرب؟
ـ أنا أقول إننا الآن وبكل أسف بعد كل ما عانته الأحزاب المغربية في تاريخها، وبعد ما استطاعوا أن يلغموا هذه الأحزاب بناس لا علاقة لهم بها، ثم استطاعوا تحويلها عن وجهتها، هذا أدى إلى عدم الإيمان بالأحزاب السياسية، وعدم الإيمان بالأحزاب السياسية هو عدم الإيمان بالقيم التي تحملها هذه الأحزاب وببرامجها وبمصداقية رجالها، عندما تصل أمة بأحزابها إلى هذا المستوى علينا أن نتصور بأنه ليس فقط الأحزاب هي التي تموت وإنما السياسة هي التي تموت، وهذا هو الذي يعاني منه المغرب الآن.. المغرب لا يعاني من النمو الاقتصادي والبنيات التحتية، المغرب يعاني من موت السياسة، وإلا إذا أردنا أن نقيم بالأرقام سنجد أن المغرب تغير في كل بنياته، لكن هناك بنيات أخرى المغرب يتراجع فيها، بنية التعليم البنية الاجتماعية الببنيات السياسية، وهذا الذي يعتبر العمل السياسي المجدي الذي يستمر.. وإذا لم يكن هذا فإننا نقول بأن السياسة ماتت..