هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلنت هيئة تحرير الشام، الأربعاء، في خطوة مفاجئة أثارت تكهنات كثيرة حول دلالاتها وتوقيتها، عن تشكيل ثلاثة ألوية جديدة في إدلب.
ويقف مستقبل المدينة على مفترق طرق، بفعل الاستفزازات التي تعترض تسيير الدوريات التركية- الروسية المشتركة على الطريق الدولي (M4).
وفي التفاصيل، أكدت مصادر عسكرية في "تحرير الشام"، استحداث "لواء طلحة بن عبيد الله، ولواء علي بن أبي طالب، ولواء الزبير بن العوام"، من دون أن توضح تعداد هذه الألوية، وأهدافها القتالية.
مصادر "عربي21" أدرجت الخطوة في إطار التغييرات التي تجريها قيادة "تحرير الشام" تحضيرا للمرحلة القادمة، التي يُنتظر أن يتم تثبيت وقف إطلاق النار فيها، موضحة أن قيادة "تحرير الشام" تحاول التقليل من سطوة التيار المتشدد بداخلها الرافض لتطبيق التفاهمات التركية- الروسية حول إدلب، من خلال إيكال قيادة تشكيلاتها العسكرية إلى شخصيات بعيدة عن التشدد.
وحسب المصادر ذاتها، فإن استحداث الألوية الجديدة، جاء ليضعف التشكيلات التي تحسب على التيار المتشدد، ما يعني أن الخطوة هي بمثابة هروب من مواجهة داخلية، قد تؤدي إلى تفكك "تحرير الشام"، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن الخطوة تأتي في إطار التحضر لجولة جديدة من المعارك، فيما لو انهار اتفاق وقف إطلاق النار.
ترتيب صفوف
وفي قراءته لذلك، قال الباحث في "مركز جسور للدراسات" عرابي عبد الحي عرابي، إن "تحرير الشام تعاني من ضعف الأداء العسكري، إضافة إلى ترهلها التنظيمي، وقد أشار زعيمها الجولاني في مقابلة له مع أحد الإعلاميين مطلع يناير/كانون الثاني الماضي إلى أن تحرير الشام ما زالت بحاجة إلى ترتيب الصفوف، وقد جاءت المعارك الأخيرة لتفرض على الهيئة الإسراع في هذه الهيكلة، وقد ابتدأت ذلك بإنشاء هذه الألوية.
وأضاف لـ"عربي21" أن الخطوة داخلة ضمن احتياجات ملحة وهي ضمن خطط تحرير الشام منذ أمد ليس بقصير.
اقرأ أيضا: استقالة قياديين من "تحرير الشام" في إدلب.. ما الدلالات؟
وتابع عرابي بأن قيادات هذه الألوية ليسوا من الأسماء الشهيرة خارج تحرير الشام، نظرا لعدم تسليط الضوء عليهم سابقًا، إلا أنهم من القيادات المعروفة والمقربة للعناصر داخل تحرير الشام، ويعرف عنهم الإشراف على معسكرات تدريبية وخوض المعارك إلى جانب العناصر.
وبالبناء على ذلك، يرى عرابي أنه يمكن تفسير الخطوة على ثلاثة أوجه، الأول: استثمار الجولاني في حالة الهدوء التي فرضها وقف إطلاق النار، من خلال إعادة ترتيب صفوف تحرير الشام، وضخ دماء جديدة من العناصر المستجدّين بعد الاستنزاف الذي عانت منه تحرير الشام والأطراف الأخرى جميعها.
أما التفسير الثاني بحسب قراءة عرابي، فيقرأ على أنه حرص من الجولاني على مواكبة متطلبات المرحلة والعمل على تراتبية عسكرية مركزية أكثر صرامة في تحرير الشام من خلال الانتقال إلى مرحلة الألوية بعد مرحلة تقسيم التراتبية على مبدأ القطاعات، إضافة إلى إبعاد الأسماء غير المقبولة دوليا عن الساحة وإظهار أن تشكيله يعتمد الآن مقاربة أخرى تعتمد على العناصر والقيادات المحلّية المعتدلة.
والتفسير الثالث، كما يراه عرابي، هو محاولة إرضاء المعترضين داخل تحرير الشام على الأداء العسكري والضعف التنظيمي، بتشكيل هذه الألوية، وإسناد مهمة قيادتها لأسماء عسكرية ذات أداء مهم في تحرير الشام.
فساد إداري
الباحث بشؤون الجماعات الجهادية في سوريا، عباس شريفة، قال لـ"عربي21": إن الخطوة تدلل على الخلافات الداخلية، والخلل الإداري، والتنازع على المسؤوليات، مبينا أن "تحرير الشام عانت خلال المعارك الأخيرة من تسرب عدد كبير من عناصرها، ما أدى إلى وجود فساد إداري".
وأوضح أن "تحرير الشام، قامت باختصار تشكيلاتها العسكرية، لضبط النفقات"، مضيفا "الجولاني يحاول موازنة الكتل العسكرية في تحرير الشام، ليكون تنظيمه أكثر انسجاما، بعد شعوره بالخطر، وخصوصا أن الحضور التركي الكثيف أفقد "تحرير الشام" الكثير من حضورها العسكري في إدلب".
وقال شريفة، "تحرير الشام، تريد إعادة بناء هيكليتها العسكرية تحسبا لكل السيناريوهات، في حال لم يرضخ لشروط تركيا".
وأنهى بقوله: "يحاول الجولاني التخلص من التهلهل الإداري، وشد عصب التنظيم، لترتيب الصف الداخلي لمواجهات قادمة، مع أطراف عدة محتملة".
استعراض قوة
الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد، قال إن "إعلان تحرير الشام عن استحدث ثلاثة ألوية في هذا التوقيت، المتزامن مع التوتر الناجم عن الاعتصامات على طريق (M4)، الاعتصامات المدعومة من تحرير الشام، يؤكد أن الأخيرة تستعرض قوتها أمام الفصائل، وتركيا".
وأضاف لـ"عربي21": يبدو أن "تحرير الشام" استشعرت حجم التهديد لوجودها، بعد أن عززت تركيا وجودها العسكري في إدلب، ودعمت الفصائل المتحالفة معها، وهي لذلك تعلن عن تشكيلات جديدة، لتقول بأن "تحرير الشام، لا زالت الطرف الأقوى، وعلى الجميع مراجعة حساباته قبل الإقدام على أي خطوة"، وذلك في إشارة من الباحث إلى احتمالية نشوب مواجهة بين فصائل المعارضة المدعومة تركيا، و"تحرير الشام".
وما يدلل على ذلك، وفق السعيد، استمرار "الجيش الوطني السوري" العامل في منطقتي "درع الفرات، وغصن الزيتون" بإرسال التعزيزات العسكرية إلى إدلب، رغم سريان وقف إطلاق النار، وقال "تبدو تحرير الشام ممتعضة من هذه التحركات، ولا تستطيع انتقادها علنا، لذلك تحاول إرسال رسائل غير مباشرة توضح مخاوفها وامتعاضها من تهميش دورها في إدلب".
إلى أين تتجه تحرير لشام؟
ومجيبا على هذا التساؤل، يقول الباحث عرابي عبد الحي عرابي، تتغلغل تحرير الشام في مختلف المفاصل المحلية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، ولذا لا يمكن إنهاء دورها بمجرد فرض حل التنظيم عسكريا أو سلميا، ولذا لا بد من الاستعداد لتجاوز مرحلة اسم تحرير الشام في فترة لاحقة، بعد إعادة فرض شكل جديد لها، إلا أن هذا الأمر لن يكون على نحو عاجل.
اقرأ أيضا: "تحرير الشام": اتفاق إدلب سيفشل لسببين.. وتشكر تركيا
وأضاف أنه "يمكن القول أن تحرير الشام بدأت بإعادة تهيئة نفسها للتماهي مع متطلبات الدخول في أجسام أخرى، وهي تعلم أنها أداة وظيفية قوية لتركيا في وجه روسيا وإيران، وأن ضبط الواقع في شمال غرب سوريا لن يكون إلا بالتعاون معها، ولذا فهي على الأغلب ستستمر في إعادة هيكلة منظومتها العسكرية والأمنية شكليا، كمقدمة للتماهي مع المشهد الجديد في إطار الاستعدادات للمرحلة القادمة التي تتجه نحو الاستقرار في حال استمر وقف إطلاق النار".
وقبل أيام، كانت تحرير الشام قد شهدت استقالات لقياديين في صفوفها، ما اعتبر من مراقبين مؤشرا على حجم الخلافات الداخلية التي تعصف ببيتها الداخلي.
والأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع التركية، عن إتمام تسيير دورية مشتركة مع الجانب الروسي، هي الرابعة من نوعها، على طريق (M4) بإدلب السورية، وتأتي الخطوة في إطار اتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مطلع آذار/ مارس الماضي، بعد توتر غير مسبوق في المنطقة بين أنقرة والنظام السوري.
ويصر مدنيون في إدلب على منع تقدم الدوريات المشتركة، ما دفع موسكو إلى إمهال أنقرة لتوفير ظروف تنفيذ بنود الاتفاق، ما ينذر بانهياره، لا سيما مع استمرار خرق النظام لوقف إطلاق النار من وقت لآخر.