ويل للصوماليين من شر قد اقترب.. جائحة كورونا

نفهم كيف هزت جائحة كورونا العالم وأرعبتنا صحيا، فعدد الإصابات تخطى حاجز ثلاثة ملايين، أغلبهم من عالم الغرب (أمريكا وأوروبا)، الذي صدع رؤوسنا طيلة القرون بالامتياز والتقدم في كل المجالات، لا سيما في مجال الصحة، وأصبحت كل الكرة الأرضية مختبئة في جحورها، خائفة من بعبع اسمه كورونا خشية أن يلتهمها في أي لحظة.

أيضا ندرك كيف دمرت الجائحة اقتصاد العالم في شهور، وكيف كشفت عيوب الإدارة لكثير من الدول، ودمرت هذه الجائحة الشعوب والأفراد معا اجتماعيا ونفسيا. ويكفيك من ويلاته الجديدة على العالم أن المصاب ممنوع الزيارة داخل المستشفى، والسماح بدفنه إذا مات فقط بعدد قليل من أفراد عائلته، وأنه يجب على بني البشر أن يتباعدوا بقدر متر واحد على الأقل حتى لو كانوا في غرفة واحدة، كل هذا علمناه واستوعبناه.

ولكن ما لا يفهمه الإنسان الذي ينظر إلى الصومال من بعيد، هو استهتار الشعوب الصومالية بخطر جائحة كورونا. وقد تنبأت منظمة الصحة العالمية أن هذه الجائحة قد تقتل من أفريقيا ثلاثة ملايين شخص.

لماذا لا ينصاع الشعب الصومالي لأوامر الدولة في البلد الذي سُجلت فيه حتى الآن 601 حالة إصابة ووفاة 28 شخص، ومستشفياته يتوفر فيها القليل من غرف العناية أو الأجهزة المساعدة على التنفس للحالات الحرجة، وإن كانت الحكومة الفيدرالية مشكورة (حسب استطاعتها ومعها الولايات الصومالية طبعا) قد سارعت في نشر الوعي بين الناس، واتخذت سلسلة من التدابير، منها على سبيل المثال تعليق الرحلات الجوية، وإغلاق منافذ البرية، ووقف الجمع والجماعات في المساجد، وإغلاق أماكن الأنشطة التعليمية، وإعفاءت ضريبية تصل إلى النصف، كما فرضت الحجر الصحي النصفي من الساعة الثامنة مساء حتى الثامنة صباحا.

نعم نفذت الدولة كل هذه التدابير، ولكن هناك تحديات كبيرة تضاهي الجائحة يجب أن تستعد الدولة لمحاولة حلها.

أولا: التجاهل وعدم الإصغاء للدولة، الذي نفهم سببه عندما نعيد الذاكرة بما عانى هذا الشعب من الحروب الأهلية، والمجاعات، والجفاف، وانهيار المؤسسات، طيلة العقدين الماضيين، والظروف التي يعيشها حتى الآن من تفجيرات تكفيرية، فكل هذه المصائب القديمة والحديثة أنتجت حالات اجتماعية شاذة، يكون الفرد مطلق الحرية، حيث أصبح الفرد هو الدولة، والدولة هي الفرد، فإذا مرض أو احتاج إلى أي شيء فعليه أن يعين نفسه، وينسى أن تكون هناك دولة تساعده على احتياجاته، لأنه لم يتعود على ذلك منذ زمن طويل، حتى جاءت جائحة كورونا وزادت الطين بلة. وهذه المشكلة عويصة لحلها في شهور، ومع ذلك لا بد من دولة قوية تثبت قدرتها لمساعدة الناس في كل النواحي، وتستطيع أن تنجح بثقة الشعب، سواء بالخدمات أو بالتوعية المكثفة، وتستعين في هذا المجال بعلماء النفس والإعلام.

ثانيا: تحدي القوة الفقيرة العاملة من حراس، وباعة جائلين، وصرافين، وسائقي سيارات التوك توك، وتجار الشوارع الصغار الذين يرفضون توجيهات الحكومة، والسبب أن دخلهم يومي، ويعيلون أسرا فقيرة كثيرة، فلا يلائمهم الحجر الصحي، وبالنسبة لهم الجوع أخطر من جائحة كورونا فهم يخافون أن يقتلهم الفقر قبل المرض. ولكن للأسف الدولة لم تنظر إلى هؤلاء نظرة خاصة، وهو ما أدى التمرد الذي صار في شوارع مقديشو الأسبوع الماضي، حين رفضوا الانصياع للحجر الصحي الذي فرضته الحكومة بالقوة في الفترة المسائية المحددة.

وحل هذه المشكلة هو أن تلغي الدولة الضريبة كليا عن هؤلاء العمال محدودي الدخل، وتنشئ صندوقا خاصا لمساعدتهم، بأسرع وقت ممكن، وتستعين في ذلك بالتجار وخيار البلد، وإلا ستكون هناك مجاعة لا تقل عن خطورة كورونا.

ثالثا: التحدي من بعض الشيوخ وأئمة المساجد الذين لم يفهموا طبيعة هذه الجائحة فهما صحيحا، حيث يعارضون إغلاق المساجد مؤقتا منصاعين للفتاوى التي تصدر من بعض الشيوخ الصوماليين المقيمين في كينيا، ومن الشيخ الكويتي حاكم المطيري، مستدلين بأدلة من القرآن التي تستنكر منع المصلين عن المساجد، وهو ما أدى للأسف لاشتباك الشرطة مع المصلين، التي جاءت لإيقاف خطب الجمعة الماضية في المساجد في العاصمة مقديشو، وإن كان بعض الشيوخ أقل تشددا ومتفهمين لضرورة الإغلاق.

والحق أن تغلق اللجنة المعنية للتصدي للجائحة المساجد، ولكن بشكل مؤقت، مع كل الاحترام لجميع الشيوخ، لأنها هي المسؤولة عن صحة الشعب، حتى لا يزايد أحد على التمسك بديننا وعبادتنا، لأن المعلوم أن غلق المساجد ليس لمنع الناس عن الصلاة (معاذ الله)، ولكن لضرورة مشروعة أغلقت من أجلها كل المساجد ومعها الحرمان الشريفان. فعلى الدولة أن تكون صارمة لسلامة الناس، وعليها أن تستعين بالعلماء الراسخين في العلم، والأطباء الناصحين، ولكن بعدما تفرض الحجر الصحي شاملا كاملا على الكل، فليس من المسموح أن تترك المحلات التجارية غير الضرورية مفتوحة وتغلق دور العبادة.

أرجو أن تتنبه الدولة لهذه التحديات، وأن تعمل بشكل صارم لأنها هي المسؤولة أمام الله عن هذا الشعب الغلبان، كما يجب على الشعب أن يترك العناد والاستهتار بهذه الجائحة الخطيرة، وأن يكون مشفقا ومسؤولا على نفسه، وأهله، ووطنه، فأحسن مواجهة لهذا المرض هو الوقاية، حيث لا يوجد لقاح ولا علاج.

فويل لنا من هذ الفيروس الشرير إذا اقترب، ولنكن واعين مستوعبين بالآية القرآنية "ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، متوكلين على الله، متعاونين حكومة، وشعبا، شيوخا، صغارا، كبارا، رجالا ونساء، وحسبنا الله ونعم الوكيل.