هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رسوماته ليست مجرد لوحات تجمل المعارض وإنما هي مبحث فكري يورط كل زائرِ معرضٍ ويحرّضه على لعبة اختراق "مكامن الضوء" داخل الأشياء والأماكن وإذا بها "عدوى" حيرة وتساؤل سريعة الانتشار...
"لا يوجد حالم واحد يستطيع أن يظل غير مبال وهو يطالع صورة البيت..." في "جماليات المكان" لغاستون باشلار ولا يوجد أيضا حالم واحد يستطيع أن يظل غير مبالٍ وهو يطالع لوحات عدنان معيتيق أو يقرأ كتابه "مكامن الضوء "...
من "جماليات المكان" إلى "مكامن الضوء" من الفكر الفلسفي إلى فلسفة الفن التشكيلي يظل السؤال في أعمال الفنان الليبي، عن العمق الإنساني للأشياء وللأمكنة، غير مرتهن في لوحة وإنما يتعدّاه إلى الكتابة والتوثيق في أوّل إصدار له عن الفن التشكيلي في ليبيا والذي يحمل عنوان مشروعه "مكامن الضوء"....
التقت "عربي21" عدنان معيتيق في حديث عن كتابه "مكامن الضوء" ومشاريعه القادمة وكان هذا الحوار:
ظهر كتاب "مكامن الضوء" مؤخرا، لكن قبل ذلك راجت صفحة فيسبوك بنفس الاسم، ولديك مدونة، منذ متى تشتغل على هذا المشروع؟
"مكامن الضوء" في الأصل هو مدونة. وقد تبلورت الفكرة عندما تراكمت مجموعة من المقالات التي نشرتها في صحف محلية وعربية مختلفة مثل القدس العربي والعرب والعربي الجديد وغيرها. وأيضا مجلات ثقافية من بينها مجلة التشكيل العربي والعربي الكويتية.
ومع هذه التراكمية من المقالات كان لزاما عليّ أن أفكر في مكان تجتمع فيه كل هذه المقالات، وهي مقالات عن تجارب ليبية وعربية وعالمية، بالإضافة الى كل مشاركاتي كفنان تشكيلي في ملتقيات فنية من بينها مهرجان المحرس للفنون التشكيلية والذي تربطني معه علاقة وطيدة جدا بكل أعضاء اللجنة المشرفة والفنانين المشاركين فيه.
وكانت بداية الفكرة في إطلاق المدونة سنة 2009 بالإضافة الى مجموعة "مكامن الضوء" في صفحتي الشخصية بالفيس بوك. وفي 2016 انطلقت في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي في التعريف بالفن التشكيلي الليبي الذي كان غائبا تماما عن الساحة العربية رغم وجود العديد من التجارب المهمة جدا.
وكل هذا، طبعا، كان توطئة لمشروع كتاب "مكامن الضوء... مقالات عن تجارب مختارة في التشكيل الليبي المعاصر"، الذي صدر حديثا منذ شهرين على نفقتي الخاصة وفي انتظار جزء آخر سيحمل نفس العنوان "مكامن الضوء... مقالات عن تجارب مختارة في التشكيل العربي المعاصر".
أي صدى لمكامن الضوء في الساحة الفنية الليبية؟
بطبيعة الحال كان الكتاب مميزا لأنه بكل صراحة كان الكتاب الأول الذي يصدر عن الفن التشكيلي الليبي. وأحدث جدلا فاستوقف الكثير من المهتمين بالشأن الفني وكذلك العديد من الصحف والمجلات التي كتبت عن هذا الإصدار. وكان أيضا مضمون حوار اجرته معي إذاعة مونت كارلو الدولية وتغطية في العديد من الفضائيات الليبية بمناسبة حفل توقيع واشهار الكتاب. ويبقى النشر مرتبط بتحسن ظروف العالم من الناحية الصحية حتى نستطيع أن نرسله الى العديد من المعارض في العديد من البلدان العربية الأخرى.
التوثيق للفن التشكيلي الليبي في هذه اللحظة لا أعتقد أنه من السهولة بمكان. ماهي أبرز العقبات التي اعترضتك؟
طبعا التوثيق عن التجارب الليبية ليس سهلا...ومن أهم الصعوبات عدم وجود متحف وطني يجمع كافة التجارب التشكيلية الليبية وخصوصا القديمة منها والتي لم نطلع على أغلب إنتاجها. بالإضافة إلى شحّ المعلومات عن الفنانين أنفسهم وخصوصا الروّاد. وعدم اهتمام الدولة بتجميع أو صناعة قاعدة بيانات تجمع كل الفنانين التشكيليين ونماذج من أعمالهم وسيرهم الذاتية حتى يسهل عمل الباحث.
كتاب "مكامن الضوء" صدر دون دار نشر، هل يعني ذلك موقفا منك كما يفعل العديد من الكتّاب أم أن الأمر يتعلق بظروف طباعة الكتب في ليبيا؟
الكتاب صدر على نفقتي الشخصية من دار" إمكان للطباعة والنشر" والتي كان لها دورا كبيرا في إخراج العمل بأجمل صورة وأيضا تحملت معي تكاليف الإخراج والتصميم أمّا تكاليف الطباعة كانت على نفقتي الخاصة. وقد كتب المقدمة الشاعر محمد المزوغي وهو نفسه صاحب دار الطباعة وكان الفنان والخطاط محمد الخروبي قد رسم الخطوط الخارجية للكتاب.
الكتاب هو مجموعة مقالات، حين كنت تكتبها هل كان مشروع إصدارها في كتاب يخامرك؟
كما قلت سابقا، أن الأمر أصبح فكرة مشروع كتاب بعد أن تراكمت العديد من المقالات عن تجارب ليبية وعربية.
والأهم من هذا كله انه لا يوجد أي اصدار يجمع مقالات أو دراسات تتناول الفن التشكيلي الليبي قبل كتابي "مكامن الضوء" والذي هو محاولة متواضعة لتغطية جزء صغير من المشهد التشكيلي الليبي الغائب عن الساحة العربية والإعلام العربي.
بشكل عام كيف ترى الكتابة حول الفنون التشكيلية في العالم العربي وما هي أبرز نقائصها؟
هناك العديد من النقاد والكتاب والفنانين الذين لهم مشاريع جادة. ومن بين هذه الأسماء الناقد والفنان التشكيلي التونسي خليل قويعة والناقد المصري عبد الرازق عكاشة ومن العراق الناقد والشاعر فاروق يوسف ومن المغرب الناقد موليم العروسي.
ورغم هذا كله لا تكفي جهودهم لتغطية الحدث الفني التشكيلي. فعدد النقاد لا يتناسب مع العدد الكبير من الفنانين والمعارض التي تحدث هنا وهناك في البلدان العربية. ومن هذه الأسباب التي تجعل قلة الكتابات التشكيلية المدركة للفعل التشكيلي والرصينة في التناول والطرح في الصحف والمجلات بخلاف التغطيات الصحفية الإخبارية اليومية فهي حاضرة بشكل كبير رغم عدم تمييز الكثير منها التجارب الجيدة من الرديئة.
تطالعنا العديد من الصحف العربية مقالات عن تجارب تشكيلية متواضعة جدا وهذا يرجع الى مشرفو الصفحات الفنية وعدم درايتهم بالتشكيل.
ماهي البلدان العربية الأخرى التي تلفتك تجارب فنانيها وتحب الكتابة عنها؟
كتبت عن تجارب من معظم البلدان العربية. فالتجارب الفنية الحقيقة في كل مكان ولكن هل تسمح لك الفرصة بالتعرف عليها او الاقتراب منها حتى تستطيع الولوج الى عالمها والكتابة عنها؟؟؟
ربما النقطة الإيجابية اليوم هي الفرصة التي يتيحها التواصل الاجتماعي اليوم في التعرف على التجارب بكل يسر.
لقد جاءت التجارب العربية التي كتبت عنها من الكويت والعراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان في مقالات عن تجارب فردية وأيضا في مقالات أخرى عن تجارب مشتركة في ورش ومهرجانات فد شاركت فيها بصفتي فنان تشكيلي.
كيف ترى مستقبل المعارض التشكيلية بعد فترة الإغلاق التي عرفتها إثر تفشّي فيروس كورونا؟
المعرض الافتراضي وخصوصا المتاحف الافتراضية بدأت تتكرس وتظهر ملامحها قبل حادثة كورونا بسنوات عديدة. فزيارة متاحف غوغل متوفر منذ فترة ليست بالقصيرة يتم فيها عرض " فضاء افتراضي " العديد من التجارب الفنية العالمية في عصور مختلفة.
واليوم أصبح الوضع أكثر صعوبة بإلزامات جديدة مرتبطة بضرورة توفير بيئة صحية للمواطنين وحالة التباعد الاجتماعي.
فأصبح من الضروري ان يتم تفعيل العالم الافتراضي والتواصل عبر الشاشات في العديد من الملتقيات والمعارض.
أخيرا، كثيرا ما يقال إنه يوجد نقص في النقد الفني عربيا، وأكثر من ذلك هناك شبه غياب للتأريخ للفن، هل تطمح إلى مثل هذه المشاريع؟
المحاولات لتوثيق تاريخ فن تشكيلي عربي جاءت على أكثر من صعيد وقد تبنتها منظمات دولية منذ فترة السبعينيات في صورة كتاب عن الفن التشكيلي في كل بلد عربي. وهذا انجز الكثير منه باستثناء بعض الدول ومنها ليبيا الى حد الآن.
وأيضا أنجز كتاب عربي جامع لكل البلدان العربية كمحاولة لرسم صورة عن ملامح التشكيل العربي. وكان صاحب المبادرة هو الناقد عفيف بهنسي في كتابه "الفن التشكيلي في البلدان العربية " وكانت تجربة ناقصة رغم محاولاته تغطية كل البلاد العربية والكتابة عن تجربة من كل بلد...
ولكن تبقى الصورة ناقصة لعدم احاطة كافة التجارب في وقتها وتم إهمال العديد منها في هذا الكتاب.
وعن طموحي الشخصي يراودني حلم كتاب شامل عن الفن التشكيلي الليبي عبر 100 سنة منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى الآن.