هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بشعور من السعادة والسرور ممزوج بالتوتر والخوف من محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة للاستيلاء على منازل المقدسيين في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، يجلس المواطن الفلسطيني عمران الرجبي، مع أطفاله بشكل مستمر على شرفة منزله المرتفع ليتمتع بالنظر للمسجد الأقصى المبارك.
شعور خرافي
وقال عمران الرجبي، وهو مالك لمنزل في البلدة القديمة بحارة السعدية، يطل على المسجد الأقصى المبارك: "عندما أقف هنا أشعر بحياة أخرى، كان يمتلكنا شعور خرافي في شهر رمضان، عندما كنت أصعد لهذه المطلة لتناول طعام الإفطار مع أسرتي"، لافتا إلى أن "المقدسيين وخاصة الأطفال يتعلقون بالمسجد الأقصى بشكل كبير".
ونوه في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "سكان القدس وخاصة البلدة القديمة، يتعرضون باستمرار للابتزاز الإسرائيلي، عبر الضغط عليهم من أجل بيع منازلهم وعقاراتهم"، كاشفا أن الاحتلال عرض على والده قديما "شيك مفتوح" من أجل بيع المنزل الذي يسكن فيه، وهو العرض الذي "تم رفضه ونرفضه جملة وتفصيلا".
وذكر الرجبي، أن "هناك عدة منازل بجوارنا سيطر عليها الصهاينة في التسعينيات وبعضها فقط قبل عامين، تطل على الأقصى"، مؤكدا أن سلطات الاحتلال عبر أذرعها المختلفة، "تحاول باستمرار إغراء أصحاب النفوس الضعيفة لبيع منازلهم".
ولفت إلى أن "الاحتلال يعمل على تكثيف الوجود الصهيوني من اليهود حول المسجد الأقصى وبالقرب من حائط البراق على حساب أهل القدس المسلمين، إضافة لمحاولة طمس الهوية الإسلامية للمدينة"، كاشفا أن "الاحتلال يعرض على بعض السكان بيع منازلهم، على أن يتم تسليم العقار المباع بعد 10 أعوام، فما يهمهم أن يشتروا المنازل بأي طريقة".
وأشار المواطن المقدسي، إلى الدور الخبيث الذي يؤديه بعض السماسرة في تسريب منازل المقدسيين ممن يرغبون في بيع منازلهم لمواطنين فلسطينيين آخرين، لسلطات الاحتلال، حيث "يقوم السمسار بشراء المنزل، ومن ثم بيعه بعشرات الأضعاف للمستوطنين"، مؤكدا أن "معظم تسريبات المنازل في البلدة القديمة تمت بهذه الطريقة".
دوافع ومخاطر
وحول الدوافع الحقيقة والمخاطر المترتبة على محاولات الاحتلال السيطرة والاستيلاء على العقارات والمنازل في البلدة القديمة التي تطل أو القريبة من الأقصى، أوضح الباحث والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي صالح لطفي، أن "هذه المحاولات بدأت قبل 1967، في عصر الحكومة والوصاية الأردنية على القدس، وهناك وثائق رسمية تثبت شراء اليهود لأوقاف وممتلكات فلسطينيين من عائلات نافذة تعيش في الأردن وخارجه، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي".
ونبه في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "العين على القدس عند الحركة الصهيونية كانت منذ نشأت تلك الحركة عام 1882 وحتى هذه اللحظات، والنظرة الصهيونية لمدينة القدس لم تتوقف مطلقا"، لافتا إلى أن "أول بنك أسس في الحركة الصهيونية في أواخر القرن 19، كانت مهمته الأساسية جمع الأموال لاستنقاذ "أرض صهيون" ـ كما يسمونها ـ في القدس".
وبناء على الحقيقة التاريخية السابقة، يتضح بحسب الباحث أن "سياسية المؤسسة الإسرائيلية، هي مكملة للفكر الصهيوني قبل قيام إسرائيل وحتى يومنا هذا"، موضحا أن هناك عدة أسباب لإصرار الاحتلال على الاستيلاء على البلدة القديمة.
وذكر أن من بين تلك الأسباب؛ أن "المؤسسة الإسرائيلية عينها على كل المسجد الأقصى البالغ مساحته 144 دونما؛ لأنها ترى بأن هذه الأرض (بحسب المزاعم الصهيونية) هي "حق شرعي مقدس" لها، وأن هذه الأرض هبة من الله تعالي، بحسب عقيدتهم التي تعتمد على شروحات التوراة؛ التي لم ترد فيها مسألة القدس".
ونوه لطفي، إلى أن "اليهود يقولون إن المسجد الأقصى (هارهبيب) محاصر بثلاثة أطواق فرضها المسلمون عبر التاريخ؛ الطوق الأول وهو الأخطر والأهم (بالنسبة للاحتلال)، هو الغلاف المحيط مباشرة بالأقصى من البيوت داخل البلدة القديمة، والطوق الثاني وهو أيضا داخل البلدة القديمة ومحيطها الخارجي وأسوار البلدة القديمة، وأما الثالث؛ فهو القرى والنجوع المحيطة بالمدينة".
وأفاد أن "الاحتلال قام منذ 1967 بعملية استيلاء شبه مطلق على الحيز العام الفلسطيني في القدس، ومن ثم ضمن السيطرة على الطوق الثالث"، منوها إلى أن "عمل الاحتلال منذ 1984 وحتى يومنا يتركز على الطوق الثاني والثالث؛ أي على البلدة القديمة ككل والبيوت المحاذية والملاصقة للأقصى المبارك".
عربدة وسرقة
وأضاف: "من أجل هذا المخطط، تصرف إسرائيل مليارات الدولارات في هذا المجال، ونحن رأينا منذ 2017 وحتى 2019 تورط شخصيات عربية نافذة؛ خليجية وفلسطينية، في تمرير شراء أراضٍ في القدس لصالح مؤسسات صهيونية في أمريكا تتبع مباشرة لوزارة المالية الإسرائيلية، والهدف من كل ذلك هو بناء الهيكل المزعوم".
وحول مدى سير الاحتلال ونجاحه في إنجاز خطة السيطرة على البلدة القديمة بالقدس، أكد الباحث أن "الأمور في البلدة القديمة صعبة وخطيرة جدا، وأي إنسان يمر في المكان سيجد على مقربة من الأقصى محلات بيع لليهود، تم شراؤها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والآن يتم فتحها".
وبين أن "هناك أيضا وجودا يهوديا هائلا؛ سواء من خلال العربدة وسرقة البيوت والأراضي بالقوة، عند طريق استغلال واستعمال قانون الاحتلال الإسرائيلي في مثل هذه الحالات"، مؤكدا أن "القانون والمحاكم الإسرائيلية ما جاءت إلا لتثبيت الاستيطان اليهودي في مدينة القدس".
ومن العديد من الدراسات الميدانية التي قام بها الباحث الفلسطيني لسنوات في هذا الموضوع، أفاد أن "المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية وأذرعتها الدولية وأخطبوطها المنتشر، يتقدم بشكل خطير جدا نحو طوق المسجد الأقصى، وهناك عشرات الأسر من المستوطنين اليهود المتدنيين تحيط؛ إحاطة السور بالمعصم بالمسجد الأقصى".
وحذر لطفي من خطورة الوضع في القدس وحول الأقصى، وقال: "الوضع خطير جدا، وللأسف الشديد أن القيادة الفلسطينية دائما تقول إن الصراع هو صراع سياسي وليس دينيا، وإسرائيل تردد هذه النغمة، وفي حقيقة الأمر في عقلها هو صراع ديني، واليهود لن يتوقفوا أبدا عن التقدم خطوة خطوة تجاه المسجد الأقصى".
وفي هذا الجانب، استذكر الباحث جملة لأحد الزعماء المتدينين في الحركة الصهيونية، حيث قال: "نحن نملك نفسا طويلا، ويمكن أن ننتظر مائتي عام أخرى للسيطرة على البلدة القديمة".