قضايا وآراء

ياما جاب الغراب لأمه

سمير حسن
1300x600
1300x600
وصلت قبل بضعة أيام مساعدات طبية إماراتية إلى مطار سراييفو لمكافحة فيروس كورونا، بعد أسبوع واحد من وصول مساعدات مماثلة من قطر.

هنا يجدر التذكير بأن في بداية انتشار الفيروس تساءل مسلمو البوسنة عن سبب تأخر النجدة والمساندة من الدول الإسلامية الغنية، فقال لهم حسين كفازوفيتش، رئيس العلماء، توكلوا على الله واعتمدوا على مواردكم.

كان هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى السياسي، بعد وصول المساعدات الإماراتية، فقد شكرت وزيرة الخارجية بيسرا توركوفيتش كل من قدم مساعدة إلى البوسنة، لكنها كانت قد قالت بعد استقبال المساعدات القطرية في مطار سراييفو: "لقد طلبنا المساعدة من دول عربية عديدة، لكن قطر كانت أول من لبى النداء".

لسنا بصدد المقارنة بين مساعدة الإمارات وقطر للبوسنة، بل على العكس، ربما تكون المساعدة الإماراتية أكبر، فقد قيل إنها تزن عشرين طنا، إذ تشمل 40 جهاز تنفس ومئة ألف اختبار للفيروس، بينما المساعدة القطرية عشرة أطنان وتقدر قيمتها بثلاثة ملايين يورو.

لكن توقيت المساعدة الإماراتية للبوسنة يدفعنا للنظر في كيف استطاعت السياسة الناعمة لأبوظبي أن تحرز ثلاثة أهداف في مرماها وبأموالها.

أولا، المفاجأة غير السارة أن المساعدة الإماراتية عبارة عن أجهزة تنفس غير صالحة للاستعمال، أو بالأحرى لا تصلح للمرضى في غرف العناية المركزة لأنها تعمل لمدة ساعة واحدة فقط.

وزيرة الخارجية البوسنية لم تعلق على ذلك، لكن بعض المصادر المطلعة أكدت أن أجهزة التنفس التي أرسلتها الإمارات موديل "ACM812A"، من إنتاج الشركة الصينية "Aerospace ChangFeng Medical"، هو نفس الموديل الذي جلبت منه شركة بوسنية خاصة بالتنسيق مع الحكومة مئة جهاز مطلع أيار/ مايو، وكشف الأطباء عدم صلاحيتها، ثم كشفت الصحافة أن سعر شرائه أغلى من السعر العالمي، ما دفع النيابة العامة البوسنية للتحقيق في قضية فساد ضد المسؤولين عن الصفقة.

ثانيا، يتداول الإعلام البوسني أن المساعدة الإماراتية التي أودعت المخازن لا المستشفيات؛ هي نفسها التي رفضها الفلسطينيون عملا بمبدأ "الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح"، حتى لا يكونوا جسرا للتطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ولأنها وصلت إلى مطار "اللد" دون تنسيق مسبق مع السلطة الفلسطينية.

لقد فهم مسلمو البوسنة أن رفض رام الله للمساعدة الإماراتية جعل أبو ظبي تحولها إلى سراييفو، وبعد اكتشاف عدم صلاحية أجهزة التنفس فهموا أكثر أن الموضوع ليس إلا "ياما جاب الغراب لأمه".

مصادر مطلعة أوضحت أن تجهيز طائرة بكميات كبيرة من تلك المعدات الطبية يستغرق وقتا طويلا، خاصة وأنها ليست من إنتاج الإمارات، في حين أُعلن عن وصول المساعدة الإماراتية بل ووصلت بالفعل إلى البوسنة في غضون أسبوع فقط منذ أن رفضها الفلسطينيون.

ثالثا، رغم كل ما مضى فإن المساعدة الإماراتية لمسلمي البوسنة تأخرت ثلاثة أشهر، إذ سارعت أبو ظبي مع بداية تفشي جائحة كوفيد- 19 إلى منح الأرثوذكس والكاثوليك في صربيا وكرواتيا والجبل الأسود مساعدات طبية عاجلة وصالحة، ولم تتحرك نحو مسلمي البوسنة إلا بعد وصول المساعدة القطرية.

هذا التخبط الذي تعيشه أبو ظبي أصبح مثيرا للشفقة والرثاء؛ لأنه يكشف أن الذين يقودون الإمارات مجرد هواة لا يجيدون اللعب بالسياسة الناعمة، فقد كشفهم فيروس كورونا في البلقان، ولأنهم لا يجيدون اللعب في ميادين السياسة الخشنة فقد كشفهم فيروس حفتر في ليبيا، والنتيجة "3/صفر" في مرمى الإمارات لصالح الفيروسات.
التعليقات (1)
مسعد البرقوقى
الخميس، 04-06-2020 03:43 م
مقال ممتاز وخاصة انه يلقى الضوء على مساحة خفية فى الاعلام عن علاقات الدول العربية بمسلمي البلقان