قضايا وآراء

الحرب الأمريكية على العملات الوطنية لإيران وحلفائها.. هل من جدوى؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
مما لا شك فيه، أن المنطقة منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمر بمخاض عسير، تعلو وتخفت أحداثه بحسب البوصلة الأمريكية، التي تجلت مؤخرا بالحرب الاقتصادية المباشرة عبر الانسحاب الأمريكي من اتفاق "خمسة زائد واحد" النووي مع إيران، وتهديد الدول الأوروبية بالعقوبات في حال التعاطي التجاري مع إيران، ووقف أي تعاملات بالمباشر أو غير المباشر عبر آليات مالية خاصة، وتاليا وقف النشاط التجاري والمالي مع إيران الدولة، وصولا إلى تصفير الإنتاج النفطي الإيراني أو وصوله إلى أدنى المستويات من الإنتاج تمهيدا إلى تقليل المداخيل المالية بالعملات الأجنبية إلى الخزينة الإيرانية، وهو ما يعنينا من المقال، مع عدم إغفالنا أحداثا كادت تشعل المنطقة، لا سيما مقتل الجنرال قاسم سليماني مطلع العام 2020 والضربات المتنقلة الموجهة لإيران في سوريا، لا سيما في الآونة الأخيرة مع الحديث عن التباين الإيراني الروسي.

الريال الإيراني والموت البطيء

أما أخطر ما يضرب إيران في الصميم، هو ضرب العملة الإيرانية (التومان أو الريال الإيراني)، إذ إن التدهور الحاصل والمستمر منذ العقوبات الأمريكية لا يزال يضرب الاقتصاد الإيراني في الصميم، خاصة مع أزمة النفط وانهيار الاحتياطيات بالعملات الأجنبية في طهران، حيث أكد محللون ومواقع عالمية تراقب الأوضاع الاقتصادية في إيران، أن العملة المحلية انهارت إلى 183 ألف ريال للدولار الواحد، لتصل خسائرها منذ بداية العام الحالي إلى 12 في المئة.

ومما يزيد الطين بلة اقتصاديا، الأزمة الصحية، حيث فاقمت أزمة فيروس كورونا من مشاكل الريال الإيراني ووضعته على طريق انحداري من اتجاه واحد، وسط تزايد المؤشرات على اختناق الأنشطة الاقتصادية والمالية والنقدية كافة في البلاد. ببساطة إنه الحصار المالي النقدي الاقتصادي الأمريكي المتصاعد.

مؤشرات اقتصادية قاتلة


ومع خطر انهيار العملة وندرة النقد الأجنبي، يصعد حديث البطالة والركود الاقتصادي القاتل، حيث توقع مركز بحوث البرلمان الإيراني أن تؤدي التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا إلى إلحاق أكثر من ستة ملايين شخص بصفوف العاطلين عن العمل.

إضافة إلى ذلك، يقدّر صندوق النقد الدولي تقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 9.5 في المئة العام الماضي (ضمور/ نمو سلبي) رغم نجاح القطاعات غير النفطية في النمو بنسبة 0.9 في المئة في الربع الأخير من العام، مدفوعة بانتعاش الصناعات التحويلية. وبلغ متوسط الصادرات غير النفطية العام الماضي نحو 3.5 مليار دولار، فيما وصل متوسط الصادرات الشهرية من إيران إلى العراق إلى حوالي 650 مليون دولار، وإلى تركيا قرابة 400 مليون دولار شهريا. وتشكل الدولتان رئتين للجسد الإيراني.

العراق: توازن الرعب الأمريكي الإيراني.. والدينار يدفع الثمن

حال إيران لا يختلف كثيرا عن حال العراق الذي ناضل أشهرا للوصول إلى نفاذ حكومة الكاظمي الجديدة من المطبات الكثيرة، لكن معضلة العملة العراقية بدأت عشية التشكيل، حيث سجلت الأيام الماضية انخفاضا ملحوظا لقيمة العملة المحلية. وارتفع سعر صرف الدولار الواحد من 1200 دينار إلى 1280 دينارا عراقيا، وسط تحذيرات من استمرار هذا الانخفاض.

ويرى الكثيرون أن توازن الرعب الإيراني الأمريكي ونفوذ الجمهورية الإسلامية؛ أحد أبرز التداعيات الحالية والمستقبلية على الدينار الإيراني وسعره تجاه العملات الصعبة.

وتقول عدة مراجع اقتصادية مالية عراقية، إن البنك المركزي سيحاول ضخ المزيد من العملة الصعبة في السوق، لكن قيمة ما سيضخ ستكون أقل من العملة الصعبة الداخلة إلى البنك المركزي، نتيجة لانخفاض سعر النفط وحاجة الدولة لاحتياطي مناسب من العملة الصعبة!! وتقول إن مهمة حفظ سعر الدينار في المرحلة الحالية، ستكون غير سهلة لكنها داخل نطاق السيطرة!!

والسؤال: إلى متى السيطرة على أسعار الدينار في بلد تضرب ميزانيته في العمق بسبب تخفيض إنتاج النفط، نتيجة اتفاق أوبك بلس الأخير الذي يستمر حتى نهاية العام؟

سوريا وفاعلية قانون قيصر.. والليرة في مهب الريح الأمريكية

إلى سوريا، حيث دخل قانون قيصر الأمريكي حيّز التنفيذ، حيث أقل ما يوصف به هو لخنق سوريا، ومن يدعمها وفي مقدمتهم الجمهورية الإسلامية في إيران، على الصعيدين الاقتصادي والتجاري والمالي. فمن جهة سمي بقانون تجويع وتطويع سوريا، ومن جهة أخرى وصفه البعض بأنه قانون إنهاء الدور الإيراني المحوري في سوريا.

إن القانون الأمريكي قبل وصوله، أطاح بأسعار العملة السورية إلى مستويات قياسية فاقت 2000 ليرة سورية للدولار الواحد. ويعزو العديد من الاقتصاديين انهيار العملة إلى الضغط المستمر على الدولة السورية لإنجاز اتفاق، إضافة إلى جائحة كورونا وعاصفة النفط واستمرار واشنطن في سياسة الضغط القصوى على إيران، أحد الداعمين الأساسيين للرئيس بشار الأسد. كذلك لا يمكن إغفال ضعف احتياطيات البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، حيث يُعدّ وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب، الركائز الأساسية التي تستند عليها العملات الوطنية.

لقد أصبح البنك المركزي السوري بفعل الأزمة المستفحلة منذ 2011 مرهقا في احتياطي النقد الأجنبي، وذلك لتوقف إيرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف حركة التصدير، المساهم الأكبر في إيرادات العملات الأجنبية إلى سوريا، ناهيك عن النشاط السياحي المعطل وعوامل أخرى.

اليمن الممزق والريال اليماني إلى الواجهة

اما اليمن السعيد المقسوم إلى دول فقد غدا حزينا، حيث انهار الريال اليمني إلى حدود قياسية بلغت 710 ريالات مقابل الدولار، مكملا سلم انهياراته منذ انطلاق الأزمة اليمنية.

وعلى عادة السياسيين، كل يحمل الآخر المسؤولية؛ فحلفاء إيران ينسبون الأمر إلى السعودية وحلفائها، في حين حلفاء السعودية يشيرون بالأدلة إلى دور المملكة الإيجابي ويؤكدون أن كل الانهيارات المالية والاقتصادية بسبب إيران وحلفائها الحوثيين.

لكن الأكيد، أن اليمن شبه منهار اقتصاديا وماليا. وكانت تحذيرات من مخاطر كبيرة سيتعرّض لها الاقتصاد اليمني قد أطلقها البنك الدولي أواخر نيسان/ أبريل الماضي 2020. وسيكون الريال عرضة لمزيد من التدهور، في حال عدم وجود مصادر مستقرة للعملات الأجنبية، وهذا ما يجري فعليا.

لبنان بين مطرقة الأمريكان وسندان إيران.. والليرة في خبر كان

إلى لبنان، حيث الأزمات المفتوحة من كل حدب وصوب والمرشحة للتفاقم. فهناك مقصلة صندوق النقد الدولي في التفاوض العسير ضمن شروط صعبة التطبيق داخليا؛ تبدأ من ملف الكهرباء الذي انصعق بمعمل سلعاتا حكوميا أمام المجتمع الدولي، وصولا إلى استقلال القضاء بقانون شفاف، علما أن التشكيلات القضائية عالقة في الأدراج الحكومية لغايات محددة، مرورا ببعض الشروط السيادية للصندوق التي قد تودي برأس الحكومة في حال تطبيق قانون قيصر الأمريكي، لا سيما في المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية مع سوريا وضبطها بإحكام، علما أن للبنان مصالح حيوية في الاقتصاد السوري.

أما بيت القصيد، فهو تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، الذي بدأ فعليا منذ شهور، حيث ضرب الدولار أرقاما قياسية فاقت 4300 ليرة للدولار الواحد، عاكسة أزمات لا تنتهي في المجتمع اللبناني؛ أولها أزمة الثقة بالدولة وإدارتها المالية والنقدية والاقتصادية، التي ستتجلى في التظاهرات القادمة في السادس من حزيران/ يونيو 2020، حيث بلغت الناس ذروة الفقر والذل والعوز والبطالة، حتى كادت تتسول أموالها العالقة في المصارف بلا "كابيتال كونترول" وباستنسابية قاتلة.

إن انهيار العملة اللبنانية تتجاذب حوله الآراء، وإن كان هناك رأي واسع لبنانيا يحمّل ما يجري إلى إيران ودورها في لبنان عبر حزب الله، في حين يؤكد حلفاء طهران أن الأسباب اقتصادية بحتة بفعل سياسة الهدر والفساد التي يتحملها من هم في السلطة منذ اتفاق الطائف، لاسيما الحريرية السياسية، علما أن الكل شريك في الحكم بمعظم الحكومات المتعاقبة في لبنان، أقله منذ 15 عاما.

لقد حُكي الكثير عن أدوار إيرانية بأزمة الدولار الأخيرة في لبنان، وحُكي الأكثر عن دور حلفاء طهران بملفات خطيرة، لا سيما تهريب المواد الأولية كالوقود والمازوت والطحين وغيرها. وبعيدا عن لغات الاتهامات المسبقة، فالكل يعلم أن لبنان في دائرة الخطر، وعلى ما يبدو المطلوب أمريكيا واضح، وهو تقليم أظافر إيران وحلفائها في لبنان عبر التطويع الاقتصادي المر في معادلة أمريكية جديدة؛ فحواها السلاح أو الرغيف، وما الدولار وأسعاره وانهياره إلا جزء من أدوات التقليم الأمريكية.

حرب العملات وسيلة فاعلة

يبدو أن الحرب الأمريكية الناعمة تؤتي أكلها اقتصاديا عبر ضرب العملات الوطنية والاحتياطيات بالعملات الأجنبية في البنوك المركزية وميزان المدفوعات والميزان التجاري، في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.

ومن الواضح اقتصاديا، أن الانهيارات مقصودة أمريكيا وللعيان، وهي رسالة اقتصادية مالية ونقدية إلى إيران وحلفائها في استكمال للحملة الأمريكية المستمرة في لعبة تقليم الأظافر وعض الأصابع؛ التي لن تنتهي اقتصاديا أو حتى سياسيا قريبا على ما يبدو.
التعليقات (0)