هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"حين ذهبتِ مالت أزهار اللوتس نحو الماء ومدّت كفيها تستبقيك! حين ذهبتِ حقلٌ من عبّاد الشمس تلفّت نحوك وتخلّى عن وجه الشمس"..
(في رثاء مريد البرغوثي لرحيل الأديبة المصرية رضوى عاشور)
العَم مريد البرغوثي لا يتوانى في طرحنا أرضا على الدوام بأبياته، وفي ذكرى أيام ميلاد "رضواه" التي مرت مُنذ أيام في نهايات أيار/ مايو الماضي، فليس لنا إلا أن نهرول إلى الإرث المتروك.
شخصيا هربت بداية إلى "افتحوا الأبواب لتدخل السيدة" في رثاء الشاعر مريد البرغوثي لرضوى عاشور، مرورا بقصيدة "باسمك يا أمي" التي نظمها الشاعر الابن تميم البرغوثي، ومن ثم أعدت الكرة بفتح كتاب "أثقل من رضوى"، الإرث الأكثر واقعية لما هو قادم من أجيال في طريق معرفتهم بفضائل السيدة رضوى عاشور.
رضوى عاشور هي مرآة حكاية المذبحة في حيفا عام النكبة في "الطنطورية"، قصة جمال القاهرة الحَيي وسط القهر في "قطعة من أوروبا"، وبصيص الأمل المناضل على عِناد بين قضبان المعتقل في "فَرَج".
كلما أبحرت في الإرث الطويل للأديبة الراحلة رضوى عاشور، والتي تحل هذه الأيام ذكرى ميلادها والعام السادس على رحيلها الأخير عنا وعن الأدب في العام 2014، عُدت إلى "أثقل من رضوى"، ربما لأن اختيارها لاسم الكتاب كان احترافيا، أو ساحرا كي نعود له على الدوام، نُكرر على أنفسنا الحكاية مرارا وتكرارا.
هو حكاية رضوى مع حركة 9 مارس، وقصر عابدين وعريضة أساتذة الجامعات، وقصر الزعفرانة والخديوي وأمه، وواشنطن الباردة، والطبيب نيوكِرك، وجامعة عين شمس ومكتب الأربعين عاما في قسم اللغة الإنجليزية، وشجرة العائلة من الدكتور عبد الوهاب والخال طارق والأم ميّه وصاحب اللغة الأب المحامي مصطفى وصولاً إلى الأحفاد.
حكاية رضوى في "أثقل من رضوى" في رأيي أنها إرث الحنين لأبناء جيل يناير لنفسه.
قصة السيدة رضوى عاشور مع بلطجي الأمن ذي التيشرت الأصفر، خاطف المنشورات من يدها في وقفة المطالبة بطرد الحرس الجامعي من حرم الجامعات المصرية، كانت من ضمن شرارات الهبة ضد الحرس الجامعي قبل وبعد الثورة. أعادت حكاية الدكتورة رضوى عاشور هذه إليّ اعتقالات حرس جامعة المنصورة لنا في وقفة لدعم غزة في حرب عام 2009 وهزيمتنا للحرس نفسه في 2011 واعتقالنا ثلاثة منهم بقوة الثورة وهم على وشك حرق مستندات إدانتهم في فترة مبارك.
في إعادة كرتي لكتاب "أثقل من رضوى" هذه المرة استوقفتني السيدة رضوى حين طلّت على ميدان التحرير من شقة "بيير"، لتملأ روحها وعينيها وسنوات عُمرها النضالية بالثورة من علوِ.
استوقفتني بأنني فَقدت هذه النِعمة وهذا الإحساس المليء بالرضى لمشهد الثورة من علٍ، وجعلتني أطرح على نفسي التساؤل: لمَ غَفلت هذه النَشوة في الثورة؟
نِضالها الفريد مع المرض في برد واشنطن صَب على النار زيتا في داخلي، وكأنها تكتب شيئا من خطواتي، أنا والذين معي في عشرات المدن بالمنافي القسرية مُذ سنوات، حين نستحث خطى المستشفيات لضحد العِلل المتربصة بنا على خوفِ وغربة.
السيدة رضوى مع بيت العائلة وأيام الجُمع وصخب لهو الأطفال والأحفاد وذكريات الأهل في "أثقل من رضوى"؛ كتبت ملخصا للدفء الخام لمصر، والبيت المصري في ذروة استقراره، وكمال العائلة ورحمتها وحنينها.
"أثقل من رضوى" حين كتبت رضوى عاشور نفسها وكتبتنا جميعا ما بين الثورة الانتصار والهزيمة، والاكتئاب وبصيص النور، وحَرم العائلة وعدوان الفقدان على أنفسنا.
"أثقل من رضوى" ميثاق لباب الثورة وما قبلها، فامسحوا على خفقان الحنين لعائلاتكم بشيء من سَرد رضوى عاشور في رائعتها الأدبية التي جسدت مقاطع من سيرتها الذاتية.
لا ثَمة جمال في مكتبة تخلو من روايات رضوى عاشور، فتمموا جمال مقتنياتكم بـ"أثقل من رضوى".