اثنان وسبعون عاما على نكبة
فلسطين، وما يزال
الإعلام الفلسطيني، والإعلام الموازي له، يُقدّم الحقائق، ويسعى
إلى نقل الحقيقة التي يخشاها
الاحتلال، غيرَ آبه بكل وسائل البطش والإجرام التي
أبدعت دولة الاحتلال فيها، وذلك من خلال استهدافها المباشر لكل من يسعى إلى قول
الحقيقة، كي تبقى هذه الدولة الطارئة حَمَلا وديعا في عيون الكثيرين الذين غرّهم
الاحتلال، ومساعيه إلى تقديم نفسه على أنه صاحب الحق والأرض..
ولأنّ الإعلام الفلسطيني ما يزال حتى هذا
اليوم يواكب جرائم الاحتلال من قتل وتهجير واعتقال واستيلاء على الأراضي والحقوق،
فقد أخذت دولة الاحتلال على عاتقها تصفيته بشكل كامل من خلال اعتمادها الخطوات
التالية بحق العاملين في مجال الصحافة والإعلام:
أولا: القتل المباشر والمتعمّد للصحفيين
والمصورين الذين يمتلكون سلاح الكاميرا، ذلك السلاح الذي يخشاه الاحتلال أكثر من
خشيته للبندقية، ومن خلال هذه الخطوة تعتقد دولة الاحتلال أنها سوف توقف نقل
الرسالة، أو أنها ستبث الرعب في قلوب الصحفيين فيتوقفوا عن أداء المهمة، لكنها
اصطدمت في الوقت ذاته مع جيش عرمرم من الصحفيين الذين توافدوا إلى الميادين لنقل
الصورة، ليجدوا بعضا من زملائهم استشهدوا فقط لأنهم ينتمون إلى تلفزيون فلسطين، أو
فضائية الأقصى، أو لأنهم شاركوا في الحملة الإعلامية لمسيرات العودة، تلك المسيرات
التي عرّت دولة الاختلال لا الاحتلال، على حقيقتها المختلة، القائمة على استهداف
أي حراك سلمي للشعب الفلسطيني، من شأنه التأكيد على الثوابت والحقوق الفلسطينية
المشروعة، فلماذا قتلت دولة الاحتلال الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى هناك، وهو الذي
كان يحمل الكاميرا فقط ويطالب بأبسط الحقوق؟!!
ولو أردنا أن نستحضر أسماء الصحفيين
الفلسطينيين الذين قتلتهم دولة الاحتلال على مقصلة الإعلام منذ النكبة، لَمَا اتسع
المقال لتلك الأسماء الثقيلة الحصيفة التي تستمد ثقلها من خالد حمد، ورامي ريان
وبهاء الدين غريب وشادي عيّاد ومحمد الديري، وغيرهم الكثير الكثير من نجوم الحرية..
ولعل البعض منهم قد حالفه الحظ، فلم يُقتل من
خلال الغطرسة
الإسرائيلية، بل اُقتُطِع من جسده شلوٌ أو شلوان سبقاه إلى مصيره
المحتوم، كل ذلك فقط لأنه يمتهن الحقيقة وهو صلة الوصل بين الداخل الفلسطيني
والعالم الخارجي.
فالصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة الذي فقد عينه
أثناء تغطيته الاشتباكات التي وقعت بين جنود الاحتلال وشبان فلسطينيين في مدينة
الخليل، هو عينُ هذه الحقيقة التي تزعج دولة الاحتلال، وما الحملة التي أطلِقت
للتضامن معه إلّا عبارة عن نداءات استغاثة للمجتمع الدولي كي يمارس دوره ويضع حدا
للممارسات الإسرائيلية العدوانية التي لم يسلم منها أحدٌ على الإطلاق..
ثانيا: لم تكتفِ دولة الاحتلال بقتل وعطب
الصحفيين الفلسطينيين، بل عمدت أيضا إلى استهداف وتدمير المنشآت الإعلامية التي
يعملون فيها، منها ما دمرته بشكل كامل ومنها ما دمرته بشكل جزئي، كي ترسل رسالة
مهمة إلى العاملين في مجال الصحافة والإعلام عبر الطائرات هذه المرة، بأنّ المسار
الإعلامي الفلسطيني هو المستهدف برمّته.
ففضائية الأقصى العاملة في قطاع غزة تم
تدميرها ثلاث مرات من قبل الطائرات الإسرائيلية، لأن متابعيها أصبحوا في ازدياد
ملحوظ وبدأت تؤثر في الرأي العام داخل فلسطين وخارجها، لذلك لم تتردد دولة
الاحتلال في التخلص من هذا العبء الثقيل، رغم كل الانتقادات والتنديدات التي كانت
تصدر بعد كل استهداف، وهذا ما منح الصحفيين مزيدا من الإصرار على مواصلة العمل ولو
فوق ركام المبنى، كي يبقى الصوت المشروع صداحا عاليا رغم تصنيفه من قبل الاحتلال
على أنه صوت محظور من خلال اعتبار فضائية الأقصى منظمة إرهابية، بعدما حاول جهاز
الشاباك الإسرائيلي ترويج مزاعمه بأنّ هذه الفضائية تعطي إشارات لمقاومين
فلسطينيين في الضفة الغربية، من أجل تبرير قصف مكتبها في قطاع غزة..
ولم يكن هذا الاستهداف المباشر هو الوسيلة
اليتيمة التي لجأت إليها دولة الاحتلال في هذا الصدد، بل عمدت أيضا إلى إغلاق بعض
الفضائيات الفلسطينية بشكل كامل ومنعها من مواصلة العمل. فكثيرا ما كانت تغلق مكتب
تلفزيون فلسطين في القدس المحتلة وتصادر محتوياته وتعتقل أعضاءه، ضمن الإجراءات
الممنهجة التي تستهدف الإعلام الفلسطيني والعاملين فيه، كمحاولة يائسة من أجل
إخفاء الوجه البشع لممارسات الاحتلال بحق الإنسان الفلسطيني. وهذا ما يُثبِت أنّ
الصوت الفلسطيني هو المستهدف من قبل الاحتلال بغض النظر عن انتمائه الفصائلي أو
الجغرافي، طالما أنّ هذا الصوت يقول لا لدولة الاحتلال..
ثالثا: عمد الاحتلال أيضا إلى اختراق العديد
من المواقع الإلكترونية الفلسطينية بهدف التشويش والإساءة، وكثيرا ما كانت السلطة
الفلسطينية تحذر من هذه الخطوة وتبعاتها الخطيرة.
فقد بادرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية
مؤخرا إلى شن هجوم إلكتروني على مواقع تابعة لحركة حماس، واخترقت موقعين من مواقع التواصل
الاجتماعي في واتساب وتلغرام للحركة، بذريعة أن حماس اخترقت هواتف بعض الجنود
الإسرائيليين.
وقد شهدت السنوات الأخيرة أيضا اختراقا سافرا
لعدة مواقع فلسطينية من قبل أجهزة الاحتلال، من بينها موقع وكالة صفا الإخبارية،
ووكالة سما ووكالة الرأي وموقع الجبهة الشعبية، وموقع قناة فلسطين اليوم، ووكالة
فلسطين الآن، بالإضافة إلى موقع قناة الأقصى وموقع إذاعة صوت الأقصى. وهذا ما يثبت
أنّ دولة الاحتلال ماضية في طريقها إلى تصفية الصوت الفلسطيني وكافة الأصوات
المناصرة له، كي يبقى صوتها هو الرائد في كوكب الإعلام، ولكنْ.. هيهات..