هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إذا قمت بعملية جمع حسابية
لكل كلمات وأفعال ترامب الأخيرة، ستجد أنه يقول للشعب الأمريكي: بين النموذجين
الأساسيين للتعاطي مع الوباء في العالم - النموذج الصيني الصارم «من القمة إلى
الأسفل»، للاختبار والتعقب والتتبع والعزل - في انتظار لقاح يوفّر مناعة القطيع -
والنموذج السويدي «من القاعدة إلى الأعلى» القائم على حماية الأشخاص الأكثر عرضة
للخطر والسماح للباقين بالعودة إلى العمل والإصابة بالعدوى، وتطوير نموذج مناعة
قطيع طبيعية، فإن الرئيس الأمريكي قرر تبني المقاربة السويدية.
وكل ما هناك أنه لم يخبر البلاد أو الفريق
المكلف بفيروس كورونا.
هذه هي الخلاصة الوحيدة التي يمكن استخلاصها
من كل الطرق التي تراجع بها ترامب عن توجيهات حكومته ودعم أنصاره المنادين بإنهاء
الإغلاق، الذين تعبوا من التوجيهات، ويتوقون إلى العودة إلى العمل والأجور، على
غرار معظم البلاد.
ولكن ترامب قرر إرسال الأمريكيين إلى المعركة
ضد فيروس كورونا من دون معادِلات الخرائط أو الدروع أو الخوذات أو الأسلحة أو أي
استراتيجية منسقة للتقليل من عدد الإصابات. كما أنه يرسلهم من دون زعامة وطنية -
وبالتالي فإن كل مفرزة من الجنود أو ولاية، وحدها، ما يزيد من احتمالات انتشار
الفيروس بين الأشخاص الذين يريدون الذهاب للتسوق، والأشخاص الذين ما زالوا يريدون
البقاء في البيت.
كما أنه يرسلهم من دون خطة وطنية لحماية
المواطنين الأكثر عرضة للخطر، خاصة المسنين، ودون أن يكون قدوة للآخرين بخصوص
ضرورة ارتداء الناس الكمامات وممارسة التباعد الجسدي حينما يكونون في العمل أو في
مكان عام. وأخيرا، يرسلهم من دون خطة للتراجع في حال أصيب عدد كبير جدا من الأشخاص
وتعرضوا للأذى.
أخشى أن تشعل هذه العيوب، عندما تظهر حرب
أهلية منخفضة الدرجة بين من سيسألون جيرانهم: «من أعطاك الحق لتتجاهل توجيهات
مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وتذهب إلى مقهى أو العمل أو مطعم، ثم
تنشر فيروس كورونا وتنقله إلى أجداد شخص ما أو أجدادك؟»، وبين أولئك الذين سيسألون
جيرانهم: «من أعطاك الحق لتبقي على الاقتصاد مغلقا أثناء وباء والتسبب في بطالة
جماعية ضخمة يمكن أن تكلف أرواحا أكثر بكثير من تلك التي ستنقذها، خاصة حينما قد
تنجح الاستراتيجيات البديلة، مثل استراتيجية السويد؟».
والواقع أن خط «ماسون- ديكسون» جديد، (خط رسم
في عهد الاستعمار البريطاني وصار في ما بعد يرمز للحدود بين الولايات الشمالية
المناوئة للعبودية والولايات الجنوبية المؤيدة لها)، يمكن أن يظهر بين تلك
الولايات التي يتزعمها حكام يريدون تزويد مواطنيها بمعدات الحماية القصوى وتوجيهات
الأمان السلامة، وأولئك الحكام الحريصين على إعادة فتح ولاياتهم من أجل استئناف
الحركة التجارية العادية.
ووفق استطلاع جديد للرأي أنجزه مركز «بيو»
للبحوث، فإن أكثر من ثلثي الأمريكيين يخشون أن تكون ولايتهم بدأت إعادة الفتح بشكل
سريع ومبكر، بينما يخرج المحتجون الموالون لترامب إلى الشوارع لمطالبة الشركات
بإعادة الناس إلى العمل الآن.
وبالتالي، أستطيعُ أن أتخيل إمكانية منع حاكم
ولاية ميريلاند- الذي كان حذرا بشأن رفع الإغلاق- السيارات الآتية شمالا على
الطريق 95 والحاملة لوحات مسجلة في ولاية جورجيا. وهذا ليس من نسج خيالي فقط.
إن مأساة كل هذا هو أن رئيسا أحسن ما كان
ليسمح لنا أبدا بالوصول إلى شفير ما يشبه نزاعا أهليا في زمن الجائحة. وخلاصة
القول هي أن ترامب يتحدث مثل الصين، ويحسد السويد، ولكنه لا يستعد لأي من
النموذجين، ويشدد على أن استراتيجيته أحسن من كليهما.
ولكن الواقع هو أنه ليس مستعدا لفرض نظام
المراقبة والتتبع والعزل الصارم الذي يجعل إعادة فتح البلاد ناجحة، وفق النموذج
الصيني. وليس مستعدا لبحث استراتيجيات يمكن أن تجعل الفتح على النموذج السويدي أقل
خطورة، مثل نقل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر الذي يعيشون في منازل مكتظة إلى فنادق
فارغة أو إحاطة كل مؤسسات رعاية المسنين بوحدات للاختبارات الصحية العامة.
ولهذا، أخشى أن نكون متجهين نحو فوضى كبيرة.
ذلك أن حالات الإصابة بالفيروس في بلدنا ستتفاقم جراء عدم كفاءة الإدارة، بينما
يتفاقم تعصبنا الحزبي المفرط أصلا. المشكلة أن استراتيجية ترامب السياسية تقوم على
تقسيمنا إلى أحمر وأزرق، «جمهوريين» و«ديمقراطيين»، مؤيدين للفتح الآن ومدافعين عن
التأني في الفتح. تلك هي السياسة الوحيدة التي يمارسها!
باختصار، إن «كوفيد 19» يستنزف صحتنا الجسمية
والاقتصادية، بينما تقوّض مواقف ترامب مؤسساتنا ووحدتنا الوطنية. ولهذا، فإننا في
حاجة ماسة إلى لقاحات - ونتيجة لانتخابات 2020 - تمنحنا مناعة القطيع ضد هذا
الفيروس وضد الظروف السياسية الراهنة.
(الاتحاد الإماراتية)