خيّمت ظلال الأزمة الاقتصادية على
التعديل الحكومي الأول في عهد الرئيس
الجزائري عبد المجيد تبون، من خلال تغيير
وزراء قطاعات حساسة مثل الطاقة والمالية.
لكن هذا التعديل الحكومي الذي جاء مفاجئا
للمتابعين، لم يكن خاليا تماما من إشارات سياسية أراد الرئيس الجديد عبرها إثبات
وجوده وتأكيد تحكمه بتسيير البلاد في ظل ما يوجه له من انتقادات حول عدم قدرته على
التغيير.
وشمل التعديل الحكومي في عمومه ست
وزارات، أبرزها وزارتي الطاقة التي أسندت للوزير السابق عبد المجيد عطار ووزارة
المالية التي كانت من نصيب محافظ بنك الجزائر السابق أيمن عبد الرحمن، في حين تم
استحداث وزارة للانتقال الطاقوي وضع على رأسها وزير التعليم العالي في نفس
الحكومة
شمس الدين شيتور.
وعرفت الحكومة تغييرا في وظائف الوزارات
وهيكلتها، فقد تم الفصل بين وزارتي الصناعة والمناجم، في حين أقيل وزير الاستشراف
بشير مصيطفى من منصبه واستحدث وزارة لاقتصاد المعرفة.
خلفية الاقتصادية
وفي شرحه للخلفية الاقتصادية للتعديل، قال حفيظ صواليلي رئيس
القسم الاقتصادي لجريدة الخبر، إن هناك رغبة واضحة من خلال الفصل في القطاعات
لاسيما الصناعة والمناجم، لضمان فعالية أكبر في إدارة القطاعات.
وأوضح صواليلي في تصريح لـ"عربي21"، أن ثمة مسعى لتثمين
الموارد المتاحة في مجال المناجم التي ظلت لسنوات غير مستغلة وغير مفعلة، حيث تبقى
الموارد المنجمية تتسم بالتنوع وبإمكانها المساهمة في دعم الخزينة العمومية
بالعملة الصعبة.
وعن التغيير في حقيبتي الطاقة والمالية، لفت المتحدث، إلى أن الملاحظ هو إسنادهما
لمسؤولين تقنيين، فعبد المجيد عطار سبق له أن تقلد مسؤولية رئاسة سوناطراك وله
خبرة في مجال الجيولوجيا والاستكشاف وهو مجال يراد بعثه على خلفية اعتماد قانون
المحروقات المعدل.
وتابع: "أما بن عبد الرحمن، فقد تولى منصب محافظ بنك
الجزائر وهو أيضا على دراية بمسائل هامة في القطاع سواء ما تعلق بالقطاع المصرفي أو
أنظمة الدفع".
وعلى المستوى السياسي، تم الاحتفاظ بأهم
الوزراء الذين يقودون وزارات سيادية، مثل وزير العدل بلقاسم زغماتي ووزير الخارجية
صبري بوقادوم ووزير الداخلية كمال بلجود، علما أن الرئيس تبون هو وزير الدفاع
الوطني بموجب الدستور.
لكن هذا التعديل الحكومي لم يسلم من
الانتقاد، خاصة فيما يتعلق بالتوسع في الوزارات التي فاق عددها الأربعون، في وقت
تُسوق السلطة لضرورة الحدّ من نفقات التسيير بسبب تراجع الجباية جراء الحجر الصحي
الذي فرضه وباء كورونا، ناهيك عن الأزمة الأخطر التي سبّبها انخفاض أسعار النفط
وما خلفه ذلك من تراجع في مداخيل الجباية
البترولية.
انتقادات للتعديل
وفي تعليقه على ذلك، أبرز رئيس الكتلة
البرلمانية السابق لحركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش، أن ثمة اختلالا في التناسب بين
شعارات الترشيد وواقع الزبونية ومنطق الاسترضاء.
وتساءل حمدادوش في تصريحه لـ"عربي21":
"هل يُعقل أن دولة مثل الصين بتعداد سكاني يقارب مليار ونصف، عدد أعضاء
حكومتها لا يتجاوز 18 وزيرا، بينما دولة مثل الجزائر بتعداد سكاني 44 مليون نسمة
نجدها بحكومة يتجاوز عدد وزاراتها 40 وزارة؟".
وأضاف: "إننا نسبح ضد التيار
العالمي في العمل الحكومي، ففي الوقت الذي يتجه فيه الجميع إلى دمج الوزارات في
أقطاب وزارية كبرى بأبعاد تنموية، نتجه نحن نحو المنطق الإداري في التسيير الحكومي
للقطاعات الوزارية ببعدها التقني الأجوف".
لكن النائب عن أكبر حزب في البرلمان بعد
حزبي السلطة التقليديين، يعتقد أن الإشكال أكبر من عدد الوزارات، ذك أن هذا
التعديل يفتقد "إلى معايير التعيين والتنحية لوزراء لم تعط لهم الفرصة لإثبات
النجاح أو الفشل".
واستطرد حمدادوش قائلا: "ما نخشاه
أن نكون أمام نفس الذهنيات والممارسات التقليدية للسلطة السياسية وكأنها امتداد
لسابقاتها، في حين أن الجميع كان يتطلع إلى تغييرات جذرية تستدرك لحظة التسرع في
تشكيلة الحكومة السابقة بما يتناسب مع معطيات وتحديات المرحلة الحالية ومخاطر
المرحلة المستقبلية".
وشدّد المتحدث على أنه لم يعد هناك منطق
لمثل هذه التغييرات الشكلية، وهي التي تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي،
فالاستهلاك المفرط لهذه الحكومات سيؤثر، حسبه، سلبا على الاستقرار والتنمية
والخدمة العمومية.
"مكاسب سياسية"
بخلاف تلك القراءة، يرى رابح لونيسي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، أن التعديل الحكومي رغم أنه لم يكن جوهريا في
عمومه، ولم يمس وزارات سيادية، إلا أنه يحمل بعض الرسائل.
وذكر لونيسي في تصريح لـ"عربي
21"، أن الرئيس تبون من خلال هذا
التعديل يريد أن يقول بأنه متحكم في الوضع وفي السلطة التنفيذية وأن الإقالة يمكن
أن تمس كل من لا يكون فاعلا في الميدان.
وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن
المعروف أن تبون شكّل الحكومة الأولى في وضع لم يكن يتحكم بعد فيه تماما في
السلطة، ولذلك سيكون من الطبيعي أن يبدأ
في تنحية وزراء لم يعينهم هو، ولهذا لا يُستبعد إجراء تغييرات أخرى مستقبلا.
ومن بين ملامح هذا التعديل، حسب المتحدث،
الرغبة في إسكات بعض النخب التي لها تأثير والطامعة في المناصب، من خلال فتح الباب
أمامها ضمنيا في إمكانية دخول الحكومة في تغييرات قادمة، ما يجعلها تصمت عن توجيه
الانتقاد في هذه المرحلة.