هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يسود قلق في الولايات المتحدة إزاء الاستقطاب الحاد بين اليمين
المحافظ واليسار الليبرالي، ولا سيما إمكانية وقوع صدام دموي بين المجموعات
المتطرفة والمسلحة من القطبين، مع اقتراب انتخابات رئاسية حاسمة وشديدة النديّة.
وبعد أن كان متواريا خلف بريق قوة أمريكا على
الساحة الدولية، وشعاراتها و"مبادئها"، لعقود، برز أخيرا ما بات يوصف
بـ"الإرهاب المحلي"، ممثلا بعشرات المجموعات المسلحة والمتطرفة، بل
والساعية لـ"حرب أهلية ثانية"، ما دفع عدة تقارير اطلعت عليها
"عربي21"، نشرت أحدها مؤخرا مجلة "ذا ناشيونال إنترست"، إلى
التساؤل عن كيفية تجنب ذلك المصير.
وباتت الدولة الأقوى في العالم أمام هذا
المشهد، بشكل خاص، بعد السنوات الأربع الأخيرة، التي تصدر خلالها الرئيس المثير
للجدل، دونالد ترامب، الساحة، متسببا بنشوة غير مسبوقة لليمين المتطرف في الولايات
المتحدة، بل وخارجها، بحسب تقرير لموقع "بزنس إنسايدر"، وباحتقان كبير
لدى الأقليات العرقية، ولا سيما ذوي الأصول الأفريقية، فضلا عن اليساريين
والمنادين بالعدالة الاجتماعية، ليتفجر ذلك المشهد إثر مقتل المواطن الأسود
"جورج فلويد" جراء عنف الشرطة في 25 أيار/ مايو الماضي.
لكن وجود مليشيات مسلحة في البلاد يعود إلى
ما قبل ذلك بكثير، وهو متقبل في التقاليد الأمريكية، بل ومشروع دستوريا، ما يجعل
الولايات المتحدة مليئة بالقنابل الموقوتة.
"دستورية" المليشيات
وجراء تشكل أمريكا من اتحاد مستعمرات مستقلة
ومتناثرة على امتداد هذا الجزء مترامي الأطراف من العالم الجديد، مرورا بالتجاذبات
الحادة بين الشمال والجنوب بشأن شكل الدولة ونظمها، منح الدستور الأميركي
المواطنين الحق بحمل السلاح وتشكيل مليشيات لحماية ولاياتهم، وذلك بموجب التعديل
الثاني الذي أقره الكونغرس نهاية عام 1791، وما يزال معمولا به إلى اليوم.
وبعد الحرب الأهلية (1861- 1865)، باتت أغلب الميليشيات تتشكل على
أساس عنصري- محافظ- رافض لمركزية الحكم، في ردة فعل على هزيمة الجنوب الذي قاتل من
أجل الكونفدرالية والمضي بممارسة العبودية، وهو مشهد ما يزال قائما إلى اليوم، بل
وتصاعد مؤخرا إثر نقمة شريحة واسعة من البيض على حكم أول رئيس أسود للبلاد، باراك
أوباما، الذي استمر لفترتين، وضخ وسائل إعلام وسياسيين، أبرزهم ترامب، في الكثير
من القضايا المثيرة للنزعات المتطرفة، كالتشكيك في مواطنة سلفه ووطنيته واتهام
الخصوم بأنهم "شيوعيون" يسعون إلى مركزية تحد من الفردية الأمريكية، أو
إلى تقويض تقاليد الولايات
المتحدة ودستورها.
وتستعرض
"عربي21" تاليا أبرز المليشيات والمجموعات المتطرفة في الولايات
المتحدة، والتي تؤكد أدبيات أغلبها العزم على القتال ضد ما تعتبره استشراء
لليسارية، وخروجا للبلاد من أيدي المهاجرين البيض الأوائل، وتقاليدهم، وذلك
استنادا إلى عدة تقارير اطلعت عليها "عربي21"، ولا سيما قاعدة بيانات
مؤسسة "ساوثرن بوفرتي لوو سنتر" (SPLC) التي تعمل على رصد التطرف في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى
أن أعداد المنتسبين لتلك المجموعات غير معروفة بدقة، إذ تعمل أغلبها بسرية تامة،
ويعتمد عناصرها أسماء وهمية، فضلا عن تقاطع نشاط بعضها وتعاونها أو عملها تحت
مسميات فرعية في مختلف الولايات. كما يذكر أن العديد من الولايات، ولا سيما في
الجنوب، تشهد حضورا لمليشيات أخرى محلية، لا تقل خطورة وتأثيرا.
جيش الرب
مليشيا مسيحية
متطرفة تشكلت عام 1982 في ردة فعل على تنامي الليبرالية، إذ تعارض سياسات
"منافية للدين"، ولا سيما الإجهاض، وتصنف وزارة العدل أنشطتها بأنها
"إرهابية" وتنسب لها عمليات قتل واختطاف واعتداء على ممتلكات.
شعبة أتوموافين
شبكة من النازيين
الجدد تأسست عام 2015، وتنشط في الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الأوروبية،
وتنسب لها العديد من الجرائم والتخطيط لعدة هجمات، وتتهم بالسعي لتطهير عرقي بحق
غير البيض. يقدر عدد أعضائها في الولايات المتحدة بنحو 80 شخصا.
الشعوب الآرية
تعد من أكثر
المجموعات اليمينية المتطرفة خطورة بحسب الـ"أف بي آي"، وتأسست في
السبعينيات بولاية أيداهو كذراع لمؤسسة "كنيسة يسوع المسيح المسيحية"،
التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض. قدر عدد أعضائها عام 2004 بنحو 200 شخص.
بوغالو
مليشيا يمينية متطرفة تدعو إلى حرب أهلية ثانية وتناهض الفدرالية، وقد
ظهر نشاطها بشكل متزايد عام 2019، وظهرت بقوة إثر مقتل "فلويد" لمواجهة
الاحتجاجات الحقوقية والمجموعات اليسارية ما دفع البيت الأبيض إلى التحرك ضدها،
فيما أغلق موقع فيسبوك الحسابات المنسوبة لها.
اقرأ أيضا: "فيسبوك" يحظر حركة أمريكية يمينية مسلحة مناهضة للفيدرالية
CSPOA
اتحاد يجمع رجال أمن
متطرفين، يعتقد أنه يخترق أجهزة الدولة، وينسب له تعزيز العنصرية ومعاداة السامية
في المناطق الريفية خلال السبعينيات والثمانينيات.
هوتاري
مليشيا تزعم منصاتها
الإلكترونية أن اسمها يعني "المحاربون المسيحيون"، تأسست عام 2006 وظهر
نشاطها بقوة عام 2010، إذ تابعها مكتب التحقيقات الفدرالي بتهم التورط في هجمات
ومحاولات قتل.
كو كلوكس كلان
أشهر المجموعات العنصرية المتطرفة في الولايات المتحدة وأقدمها، إذ تشكلت أول مرة فور انتهاء الحرب الأهلية لمواجهة إنهاء العبودية في الجنوب، ثم ظهرت مجددا في النصف الأول من القرن العشرين، وبلغت ذروة انتشارها بين عام 1924 و1925، إذ قدر عدد منتسبيها بين ثلاثة وستة ملايين شخص. يقدر معهد "ساوثرن بوفرتي لوو سنتر" عدد أعضاء الـ"كلان" اليوم بخمسة إلى ثمانية آلاف شخص، يحمل جلهم السلاح وينادون بتفوق العرق الأبيض المسيحي وبالكونفدرالية الجديدة.
حراس العهد
منظمة يمينية متطرفة
مناهضة للحكومة المركزية، تأسست عام 2009، تقول إنها تشكلت من عناصر في الشرطة
والجيش والدفاع المدني، وجميع من أقسموا على الحفاظ على الدستور وحمايته من جميع
الأعداء المحليين والخارجيين، وزعمت عام 2016 بأن عدد أعضائها يبلغ نحو 35 ألفا.
كهنوت فينياس
مجموعة شديدة التطرف
تستمد اسمها وفكرها من كتاب للمؤلف والناشط "ريتشارد كيلي هوسكنس"،
أصدره عام 1990. لا يقوم نشاط المجموعة على أساس منظم، بل على فكرة الالتزام
بمواجهة اختلاط الأعراق والمثلية الجنسية، عبر تنفيذ هجمات، وقد نفذ عناصرها
بالفعل اعتداءات خلال التسعينيات على مصحات للإجهاض وصحيفة في واشنطن، فضلا عن
تخطيطهم لمهاجمة مقر الـ"أف بي آي". ومن وقت لآخر يعثر المحققون على نسخ
من الكتاب المشار إليه لدى منفذي عمليات إطلاق نار بالبلاد.
الثلاثة بالمئة
يرجع اختيار الاسم إلى اعتقاد بأن ثلاثة
بالمئة فقط من الأمريكيين حملوا السلاح ضد بريطانيا إبان الثورة الأمريكية. تقاوم
هذه المليشيا، التي تأسست عام 2008، مساعي الحد من حرية حمل السلاح وتركز السلطة
في الحكومة الفدرالية، ويمتد نشاطها إلى كندا، حيث تعتبرها السلطات الأخطر في
البلاد.
مجموعات يسارية
نشطت في الولايات
المتحدة العديد من المجموعات اليسارية المتطرفة ولا سيما خلال السبعينيات، ما سبب
قلقا واستنفارا من قبل الإدارات الأمريكية التي كانت تواجه المد الشيوعي حول
العالم.
وتراجع حضور العديد
من تلك المجموعات على وقع تحشيد واشنطن ضدها والرفض الشعبي لها، ومنها "جيش التحرير
التكافلي"، و"جبهة الحرية المتحدة"، و"الطقس تحت الأرض"،
فضلا عن مجموعات أخرى تحمل أفكارا مشابهة ولكن تركز على مواجهة تغول الرأسمالية
على الطبيعة والبيئة والحيوانات.
اقرأ أيضا: ترامب يتوعد منظمة يسارية .. ماذا تعرف عن "أنتيفا"؟
وفي الآونة الأخيرة،
برز مجددا احتشاد اليساريين فيما عرف بـ"حركة مناهضة الفاشية"، المعروفة
اختصارا بـ"أنتيفا"، التي اتهمها الرئيس دونالد ترامب بالمسؤولية عن
أعمال العنف التي شهدتها احتجاجات مناهضة للعنصرية إثر مقتل فلويد، وتعهّد
بتصنيفها "إرهابية".
وتعود جذور
"أنتيفا" إلى حركة مشابهة ظهرت في ألمانيا لوقت قصير في ثلاثينيات القرن
الماضي، وعادت للظهور في السنوات الماضية بعدة دول، ولا سيما بالولايات المتحدة
بعد تولي ترامب الرئاسة.
ورغم ما يلصق
بعناصرها من اتهامات بتنفيذ أعمال اعتداء وحرق، إلا أن تقرير لـ"ساوثرن
بوفرتي لوو سنتر" حذر من تصنيفها إرهابية، بالنظر إلى عدة اعتبارات، أهمها أن
التنظيم فضفاض وينتمي له العديد من الناشطين السلميين، وكون اعتداءاته "غير
مميتة" على غرار المجموعات اليمينية المتطرفة، فضلا عن خطورة منح السلطات حق
تتبع ورصد المعارضين على الحريات العامة.
"حرب أهلية ثانية"
اعتبر تقرير "ذا ناشيونال إنترست" أن تحفيز الاحتجاجات
التي تفجرت بعد مقتل فلويد للحوار المجتمعي والسياسي بشأن مشاكل الولايات المتحدة،
يقابله على الطرف الآخر تصاعد احتمال انزلاق البلاد في أتون مواجهات دامية تخرج عن
السيطرة.
وشدد التقرير على ضرورة التعامل بجدية مع بذور العنف في الولايات المتحدة،
لافتا إلى أن الحروب الأهلية المعاصرة حدثت بشكل غير مقصود إثر حركات احتاج
جماهيري، وهو ما شهدته أوكرانيا ودول عربية، بعد الربيع العربي، ولا سيما في فضاء
يسمح بتدخلات خارجية.
وأوضحت "ذا ناشيونال إنترست" أن المشهد في الولايات المتحدة
يفتقر إلى عناصر الحراك الإيجابي، موضحا أن الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة يمكن
أن تؤدي إلى تغيير في المسار الصحيح في حال توفرت ثلاثة على الأقل من أربعة شروط،
هي: القيادة المتماسكة، والمطالب الملموسة القابلة للتنفيذ على الفور، ووجود خصوم
يمكنهم قراءة مطالب الطرف الآخر والانفتاح للتنازل، وأخيرا دعم القاعدة الأكبر
من المجتمع للمطالبات مع استمرار الحراك.
وأضافت المجلة الأمريكية أن أحدا لا يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأمور في
حال تصاعد التوتر والاستقطاب في الولايات المتحدة، لا سيما مع الاحتمال القائم
لعامل خارجي يفجر الوضع، فضلا عن إقدام طرف محسوب على أحد القطبين على أعمال
انتقامية بعد ظهور نتائج الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، مطالبا
بقيادة للحراك المطالب بالعدالة الاجتماعية للتقليل من احتمالية الفوضى وما يترتب
عليها من أخطار.