هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يزال الشد والجذب بين القاهرة وأديس أبابا،
على خلفية قضية ملء سد النهضة بالماء، في ظل إصرار إثيوبيا على البدء بالملء دون
شروط مقيدة، وتأكيد القاهرة على أضرار هذه الخطوة على حصتها السنوية من ماء النيل.
وتخشى القاهرة تضرر حصتها السنوية من مياه
النيل، وهي 55.5 مليار متر مكعب، فيما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار
بمصر، وإنما توليد الكهرباء من السد وتحقيق التنمية.
مجلس الأمن
19 حزيران/ يونيو الماضي يمثل تاريخا لافتا في
مسار التحرك المصري دوليا، إزاء إصرار إثيوبيا على ما تقول إنه حقها في ملء خزان
السد، حتى إن لم تتوصل إلى اتفاق مع كل من القاهرة والخرطوم.
في ذلك اليوم، كشفت القاهرة عن نص مذكرة قدمتها
إلى مجلس الأمن، واستندت فيها إلى المادة 35 من الفصل السادس من ميثاق الأمم
المتحدة، وعنوانه "في حل المنازعات سلميا".
حينها، قالت مصر إنها تقدمت بالمذكرة
"عملاً بالمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تخول الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة تنبيه مجلس الأمن إلى أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو من المحتمل أن
يُعرض صون السلم والأمن الدوليين للخطر".
وبعد تسعة أيام، عقد المجلس جلسة لبحث أزمة السد،
وطرح وزير الخارجية المصري سامح شكري، في كلمة له أمام الأعضاء، تفسيرا يدعم
اللجوء إلى الفصل السادس بالقول إن "سد النهضة خطر وجودي يهدد بالافتئات على
المصدر الوحيد لحياة أكثر من 100 مليون مصري".
فيما أعربت إثيوبيا، خلال الجلسة، عن مخاوفها
من هذا التحول المصري نحو ورقة مجلس الأمن، مشددة على حقها في تحقيق التنمية
وإنقاذ ملايين الإثيوبيين من الفقر.
وأعلن المندوب الإثيوبي بالأمم المتحدة، تاي
أسقي سلاسي، رفض بلاده إحالة ملف السد إلى مجلس الأمن، محذرا من أن بحث القضية في
المجلس "يهدد بجعل الحل صعبا"، بحسب ما نقلته وسائل إعلام.
ولم تخرج الجلسة حتى بمشروع قرار، فيما حثت
رسائل من الدول الأعضاء على أهمية التوصل إلى اتفاق، مثمنة إعلان الاتحاد الأفريقي
رعاية مفاوضات ثلاثية أجريت بين 3 و13 تموز/ يوليو الجاري.
غير أن المباحثات الفنية والقانونية، برعاية
الاتحاد وبرقابة أوروبية أمريكية، لم تسفر عن اتفاق، ليستمر الحال القائم منذ
سنوات.
قمة مصغرة
تترقب كل من إثيوبيا ومصر والسودان قمة أفريقية
مصغرة، الثلاثاء، من المرجح أن تُعقد عبر دائرة تلفزيونية.
وستضم القمة قادة الدول الثلاث، بجانب جنوب
أفريقيا، باعتبارها رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، إضافة إلى 5 مراقبين من
الاتحاد.
وثمة ترجيحات بأن لا تصل القمة إلى حل جذري
للأزمة، وهو توافق واتفاق شامل تريده القاهرة، في ظل بريق موسم أمطار ربما لن
تفوته أديس أبابا إلا للضرورة قصوى.
اقرأ أيضا: سد النهضة.. الاتحاد الأفريقي يدعو للاستعداد للتغيير القادم
هذه الضرورة القصوى، وفق ترجيحات يراها مراقبون
صعبة للغاية لكن ليست مستحيلة، هي لجوء مجلس الأمن إلى بنود الفصلين السادس (توصية)
والسابع (إلزامي) من الميثاق الأممي، لمنع ملء خزان السد، وهو خيار راهن عليه كاتب
في صحيفة "الأهرام" المصرية (رسمية).
تحت عنوان "مصر وإثيوبيا والطريق إلى
الفصل السابع"، قال هاني عسل في مقال نشرته الصحيفة، في 24 يونيو/ حزيران
الماضي: "على الرغم من أن مجلس الأمن لم يحدد بعد موقفه من الطلب المصري،
فإنه من المرجح أن يكون القرار الذي سيتخذه في هذا الصدد متسقا مع الحدود الموضحة
في الفصل السادس".
وأضاف: "إذ يمكنه (المجلس) التدخل بشكل
توفيقي بين الدول الثلاث، كما يمكنه الضغط سياسيا على إثيوبيا للتراجع عن موقفها
المتعنت بشأن القضية".
واستدرك: "لكن المهم هنا، أن من قرأ فى
المذكرة المصرية جيدا عبارة حفظ السلم والأمن الدوليين، يدرك أن الفصل السادس قد
لا يكون نهاية المطاف، بل قد يصل بنا الأمر إلى الفصل السابع، الذى يتمتع بطبيعة
إلزامية أكثر من السادس في حالة حدوث تهديد صريح للسلم والأمن الدوليين".
وتابع: "ما جاء في هذا الفصل الناري
(السابع) ينطبق بالفعل، من الآن، على الحالة المصرية الإثيوبية، لأن حرمان دولة
بكاملها من المياه جريمة قتل جماعية تفوق في ضررها بكثير اعتداء دولة على أخرى
بالوسائل العسكرية".
وأشار إلى أن "مصطلح تهديد السلم والأمن
الدوليين الذى تحدثت عنه مصر (في المذكرة)، هو عنوان الفصل السابع نفسه، المعنون
تحت "ما يتخذ من الأعمال فى حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع
العدوان".
واستدرك: "تبقى جزئية شائكة، وهي أن مواد
الفصل تتحدث عن عدوان وقع، لا عن عدوان سيحدث، وفقا لنص المادة 39".
وهنا يأتى، وفق الكاتب المصري، "دور
الدبلوماسية المصرية لتوضيح عدم جواز انتظار العدوان فى حالة السد، لكي يتحمل
المجتمع الدولى مسئولياته فى الوقت المناسب، بل وبسرعة، وقبل أى ملء أحادي، ولا
يجب أن تكون أى مفاوضات أخرى ستارا لارتكاب جريمة يصعب تغييرها، وإلا فجميع
الخيارات ستكون مفتوحة، لأن الصبر نفد".
هذا المقال، الذي نُشر في أهم صحيفة بمصر، عن
الفصل السابع "شديد التعقيد"، يبرز ملامح مواجهة مستقبلية تعجل بها
الخطوات المصرية أو الإثيوبية خلال أشهر الملء "شديدة الحساسية".
ورأت إثيوبيا، بحسب مندوبها الأممي، أن بحث
القضية في مجلس الأمن من جانب مصر، التي استندت إلى الفصل السادس، "يهدد بجعل
الحل صعبا". فماذا سيكون موقفها إن تحركت مصر نحو الفصل السابع.
الفروق بين السادس والسابع
هنا
لابد أن نوضح الفارق بين الفصلين السادس والسابع، بحسب ما ذكره القانوني اللبناني،
حلمي الحجار، بصحيفة "المستقبل"، في 14 أيار/مايو 2007، والذي اعتادت
بلاده سماع اسمي هذين الفصلين جراء نزاعات مستمرة.
أولا: الحالات:
يجوز اللجوء إلى الفصل السادس حال تعريض حفظ
السلم والأمن الدوليين للخطر (المادة 33)، ووجود احتكاك دولي قد يثير نزاعا
(المادة 34) أو أي موقف شبيه به.
أما اللجوء إلى الفصل السابع فيكون عند حصول
تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان (المادة 39).
ثانيا: تحرك المجلس
في الفصل السادس يكون بناء على طلب أطراف
النزاع (المادة 33) أو بناءً على تنبيه أي دولة عضو في الأمم المتحدة (المادة
35/1) أو أية دولة ليست عضوا (المادة 35/2)، وفي حالة وجود نزاع أو أي موقف دولي
قد يثير نزاعا (المادة 34). ويتحرك المجلس مباشرة استنادا للفصل السابع.
ثالثا: الصلاحيات والسلطات
في إطار الفصل السادس تتم دعوة الأطراف إلى
تسويـة النزاع بينها بالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية
القضائية أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل
السلمية (المادة 33) والتوصية بما يراه المجلس ملائما من إجراءات (المادة 38).
أما في إطار الفصل السابع فيتمتع المجلس بسلطة
اتخاذ القرارات المناسبة، عبر نوعين من الوسائل: تدابير كوقف العلاقات الاقتصاديـة
(المادة 41)، واتخاذ تدابير عسكرية (المادة 42).
رابعا: حدود تطبيق القرار
في الفصل السادس يمكن أن تقتصر النتائج على
الدول المعنية بها، مثلا إذا وضعت اتفاقية فإنها تلزم أطرافها فقط، أما في الفصل
السابع يسري على جميع الدول ولا يمكن لأية دولة أن تتنصل منه بحجة أنها لم تكن
شريكا في الاتفاقية أو لم تكن موافقة على القرار أو أنه شأن داخلي.
"آخر الدواء الكي"
وهناك فارق بين مسألة تقديرية وأخرى إلزامية،
وفق قاموس مجلس الأمن، لكن خطوات مصر وإثيوبيا المقبلة، في حال عدم توصل الرعاية
الإفريقية إلى اتفاق، يبدو أنها هي التي ستحدد أي الطرق ستذهب إليه أزمة السد داخل
المجلس، خاصة في ظل حديث السودان، منذ أيام، عن تراجع كميات المياه القادمة إليه
من نهر النيل، وخروج محطات مياه شرب من الخدمة مؤقتا، في تلميح إلى احتمال أن أديس
أبابا بدأت بالفعل ملء السد، وهو ما سبق أن أعلنته، ثم نفته.
ومنتصف تموز/ يوليو الجاري، قال رئيس مجلس
الأمن، السفير الألماني، كريستوف هويسجن، إن المجلس مستعد للنظر مجددا في ملف
السد، حال طلب أعضاء إثارة الموضوع.
إذا غامرت أديس أبابا بملء السد، من دون اتفاق
وبإعلان رسمي لا تراجع فيه كما حدث مؤخرا، فلن يكون أمام القاهرة، وبشكل معلن، سوى
عرقلة ملء السد، من دون أن تُحتسب بحقها "ركلة جزاء" بلغة لاعبي كرة
القدم، وهذا ما يتيحه الفصل السادس، ويحسمه السابع، إذا أراد مجلس الأمن.
لكن يوجد فريق، منه أستاذ القانون الدولي في
مصر أيمن سلامة، يرى أنه في حال الرجوع إلى مجلس الأمن فليس مضمونا أن يصدر قرارا
بوقف بناء السد أو فرض جزاءات أو تدابير معينة ضد إثيوبيا.
وتابع سلامة، في حديث متلفز منتصف الشهر
الجاري، أن اللجوء إلى أي محكمة أو هيئة تحكيم دولية يحتاج رضاء أطراف النزاع
الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان.
لكن ثمة فريق مقابل يرى أن الخطر الكبير، الذي
يحيط بمصر جراء السد وتتحدث عنه كثيرا في ساحات دولية، قد يكون دافعا لتحرك مجلس
الأمن خشية تفاقم الأمور، على أساس أن أزمة تجازوت عمرها التسع سنوات من دون حل،
يبقى علاجها المثل الدارج: "آخر الدواء الكي".