هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف خبير بملف نهر النيل أن الحديث عن حلول لأزمة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بات غير مجد، في ظل فشل الجولة تلو الأخرى من المفاوضات بين أطراف الأزمة (مصر، السودان، إثيوبيا)، وأن الأقرب للواقع هو الحديث عن نتائج وآثار أزمة نقص المياه.
وقلل محمد محيي الدين، عضو اللجنة
الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي سابقا، ومستشار البرنامج الإنمائي
للأمم بشأن مياه النيل، في حوار لـ"عربي21"، من فرص التوصل لاتفاق؛ بسبب ما
أسماه "الخلاف الكبير في النقاط الفنية بشأن السد الإثيوبي".
وأكد أن ما يتم طرحه من حلول، مثل اللجوء إلى مجلس الأمن، أو المحكمة الدولية، والانسحاب من اتفاق المبادئ الموقع
بين مصر والسودان وإثيوبيا، لن يغير من موقف الحكومة الإثيوبية، وسوف تستكمل عملية
البناء والملء وجميع الأمور الفنية بشكل منفرد، وسيكون الرد الدولي حينها متأخرا.
اقرأ أيضا: E&T: التوتر بين مصر وإثيوبيا وصل إلى مستوى عال
واستبعد الخبير الدولي قدرة
الحكومة المصرية على تعويض النقص الحاصل في مياه نهر النيل من خلال بعض الإجراءات باهظة
التكلفة؛ مثل تحلية مياه البحر على المدن الساحلية، ومعالجة مياه الصرف الصحي بطرق
مختلفة، وترشيد استهلاك المياه الذي تتحدث عنه منذ سنوات ولم يتحقق.
وتاليا نص الحوار:
من خلال انضمامكم للمباحثات
مبكرا في بداية الأزمة واطلاعكم عليها في بداياتها.. هل فشل المفاوضات كان متوقعا أم
مفاجئا؟
في بداية المفاوضات مع الجانب الإثيوبي لم يكن هناك ما يدعو للخوف أو الريبة، الخلافات كانت في أغلبها تقنية، قابلة
للحل، فبعض الخلافات على سبيل المثال كانت بشأن اختيار خبراء بعينهم، أو في تفسير نصوص
من بنود البروتوكول الخاص بالمرجعية، وبالتالي لم يكن الخلاف كبيرا كما هو عليه في الفترة
الراهنة.
متى بدأ الخلاف يطفو على مائدة
المفاوضات بين الجانبين بشأن سد النهضة الإثيوبي؟
الخلاف بدأ واضحا في الفترة
ما بين 2015 و2016، أي بعد توقيع الاتفاق الثلاثي في الخرطوم (اتفاق إعلان المبادئ)،
وخاصة في لقاء القاهرة في أبريل 2016.
وفي تقديري، وسع التوقيع من فرصة إثيوبيا للمراوغة أكثر مما كان متاحا لها قبل توقيع هذه الوثيقة؛ لأنها لم تتحدث عن
حصص (مياه)، ما يعني أن مسألة الحصة لم تعد مسألة مبدأ بقدر ما أصبحت مسألة قابلة للتفاوض،
وهذا أعطاهم مرونة في قراءة الأمر بطريقتهم الخاصة.
في 2015 اعتمد الإثيوبيون على
الموقف السوداني الداعم لهم، وكان يعطيهم القدرة على الاختباء وراء السودان، ولما سقط
نظام البشير، وحدث تغير في الموقف السوداني، بات الجانب الإثيوبي مضطرا للكشف عن وجهه
مباشرة.
هل يمكن إلقاء اللوم على بعض
دول الخليج التي لها استثمارات كبيرة في إثيوبيا في عدم الضغط على الحكومة الإثيوبية
من أجل إحداث انفراجة في المفاوضات؟
لا أميل إلى فكرة "العشم"
في السياسة الدولية، وبالتالي فالأمر تحكمه "مصالح" الدول، ولا توجد فيها
إخوة ولا عروبة، ولا شيء من هذا القبيل، وبالتالي دول الخليج ترى أن مصلحتها شراء أراض
واسعة في السودان من أجل تأمين السلة الغذائية لشعوبها، وهذا سيحدث إذا ما بني السد الإثيوبي؛ لأنه سيحول أراضي النيل الأزرق من الري الحياضي إلى الري الدائم.
المراهنة على الاستمرار في المفاوضات، هل هو خيار صائب واستراتيجي.. أم أن ما يتم طرحه من لجوء لمجلس الأمن أو المحكمة الدولية
أو سحب التوقيع من اتفاقية المبادئ يعد بديلا؟
لا يوجد بديل آخر في الوقت الراهن، خيار مجلس الأمن ليس خيارا بديلا أو ناجحا؛ فهناك قرار 242 لسنة 1967 الخاص بانسحاب
القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في أعقاب هزيمة يونيو، هل تم تنفيذ هذا القرار؟
ولا أحد يجزم إذا ما كان القرار سيكون معك أو ضدك، فالموقف الدولي ليس في صالح مصر.
الخيار الآخر، اللجوء للمحكمة
الدولية له قواعد وإجراءات طويلة، ولا يمكن أخذ دولة للمحكمة دون موافقتها، في الخلاف
بين قطر والبحرين على مجموعة الجزر المختلف عليها، وذهبت قطر معها إلى المحكمة وخسرت
القضية.
أما بخصوص الانسحاب من اتفاق
المبادئ عام 2015، فهناك تلاعب يومي من إثيوبيا، سواء بالبقاء في الاتفاق أم عدمه، وهو
ليس مفعلا في حقيقة الواقع.
هل يصلح الخيار العسكري في حسم
الأزمة كخيار أخير لمصر رغم استبعاده من جانب السلطات في القاهرة مؤخرا؟
ليس أمام مصر سوى خيار القوة العسكرية، لكنها مسألة لها أبعاد كثيرة مختلفة تماما، سواء في تبعاتها الدولية بالنسبة
لمصر وأضرارها عليها، أو في الأمور اللوجستية، وهي هل لدى مصر القدرات العسكرية
على فعل ذلك أم لا.
لماذا الموقف الدولي ليس في
صالح مصر حتى الآن، على الرغم من الثقل السياسي والاستراتيجي والتاريخي لمصر، سواء للدول
الإقليمية أو للغرب؟
في تقديري، هناك عدد من الاعتبارات
في هذا الموضوع؛ الأول أننا بنينا سياستنا العامة في أفريقيا على ادعاءات ليست دقيقة، مثل أن مصر التي تركت أفريقيا في منتصف السبعينيات هي مصر التي عادت لها في بداية العقد
الثاني من القرن الحالي، فلم تكن مصر التي تركت هي مصر التي عادت.
ثانيا، أفريقيا التي تركناها
في منتصف سبعينيات القرن الماضي ليس هي نفسها أفريقيا التي عدنا إليها في 2011، بل
تغيرت تماما، وبالتالي كل ادعاءاتك بشأن صناعة سياسة خارجية مبنية على فهم وتقييم خاطئ.
ثالثا، أننا افترضنا أن كلام
الإثيوبيين بشأن بناء السد، وهو كلام سمعته من مسؤولين، أنه مجرد كلام، ولن يبنوا السد،
وكان هناك نوع من الاسترخاء حيال ما تفعله إثيوبيا؛ لأنه في واقع الأمر لم نستيقظ في
2011، ووجدنا إثيوبيا تقوم بعمل تحويل لمجرى النهر، وبالتالي ماذا كانت تفعل سفارتنا
في أديس أبابا.
لماذا تعتقد أن الغرب لا يمارس
ضغوطا دولية على إثيوبيا على الأقل لدفعها للتوصل إلى اتفاق يرضي الأطراف؟
تقييمنا لدولة مثل إثيوبيا باعتبارها
دولة ضعيفة، فقيرة، جائعة، هو تقييم خاطئ، فهي ليست من الدول التي أنشأها الاستعمار
الإنجليزي أو غيره مثل أوغندا أو كينيا، إنما دولة لها تاريخ وحضارة طويلة، ودولة مهمة، بدليل أنها احتوت مقر الاتحاد الأفريقي.
خطاب التعالي ندفع ثمنه الآن
في مصر، هذه الدول ليست في غفلة دائمة؛ لأنه سيتعاظم إدراكها لمصالحها بمرور الوقت.
هل هناك مخاطر فنية تهدد البنية
التحتية للسد الإثيوبي، أم أنها مجرد توقعات، أو تهويل؟
من المؤكد أن هناك مخاوف فنية،
فالسدود الكبيرة أكثر عرضة لانهيار من السدود الصغيرة، خصوصا أن الطبيعة الجيولوجية
للمنطقة ليست ثابتة بقدر كاف؛ لذلك هناك مخاوف فنية أكيدة فيما يتعلق ببينة السد نفسها،
وهناك مخاوف فنية فيما يتعلق بتدفق المياه ونوعيتها، وبناء عليه ستترتب آثار اقتصادية
واجتماعية على الأطراف الثلاثة.
أين الخطر تحديدا في مسألة فشل
المفاوضات بين الجانب المصري والإثيوبي؟
الخطر الرئيسي هو قصر فترة الملء،
المدة المثالية هي من 7 إلى 10 سنوات، حجم تخزين المياه ليس 74 مليار متر مكعب، إنما
يصل إلى نحو 100 مليار متر مكعب عند الأخذ في الاعتبار تسرب 20 مليار متر مكعب في الشقوق
والفوالق الأرضية والجبلية.
أما اقتصار مدة الملء على 3
سنوات فقط يعني أن مصر ستخسر 25 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وسيكون ضارا للزراعة
والشرب وللسد العالي.
الحكومة تتحدث عن بدائل لنهر
النيل؟ كالتحلية والمعالجة والترشيد؟ هل تجدي؟ ولماذا؟ ومن يتحمل فاتورتها؟
معنى هذا الكلام أن مصر سلمت
لإثيوبيا بما تفعله الآن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كم تحتاج من المياه لتحليتها؟ وكم تكلفة هذه التحلية؟ وكيف سيتحمل الشعب فاتورة التحلية؟ وماذا ستفعل بفقراء مصر؟ خصوصا أن نسبة الفقراء رسميا دون آثار كورونا 32.5 بالمئة، وأثرها 38.5 بالمئة كحد
أدنى و45 بالمئة، وفقا لنتائج بحوث معهد التخطيط القومي (مؤسسة حكومية).
هل المفاوض الفني أم السياسي
من يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات؟
المفاوض السياسي في المقام الأول
هو من يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات، وليس المفاوض الفني؛ لأن المفاوض الفني قال إن
الحلول الفنية وصلت لنهايتها في 2016، وإنه لا بد من تدخل سياسي.