"إنه يوم انتصار الصهيونية".. هذه المقولة من الثوابت التي كررها قادة الكيان الصهيوني منذ كامب ديفيد إلى اليوم، وفي كل انعطافه عربية نحو الاستسلام والإذعان لمطالب الحركة الصهيونية لتصفية القضية
الفلسطينية.
يَمنح محمد بن زايد ولي العهد في
الإمارات نصراً جديدا للصهيونية، وكما أقرت كل وثائق
التطبيع الاسرائيلية العربية من مصر إلى الأردن وإمارات اليوم؛ أن هناك تحولا جوهريا و"استراتيجيا" لتحقيق "الانتصار التاريخي للصهيونية "على أنظمة منبطحة ومتآكلة أمام رغباتها السلطوية، وبعد أن مكنها الموقف العربي الرسمي من استكمال مقومات السيطرة الجغرافية والبشرية والاقتصادية على أرض فلسطين التاريخية، نتيجة ما قدمته هذه الأنظمة من خدمات في المنطقة لإسرائيل لترسيخ وجودها الاستعماري، وعلى اعتبار أن جزءا من هذه الأنظمة باقٍ بشرعية وجود المحتل على أسس متبادلة من اغتصاب الأرض وخلق أنظمة وظيفية.
بإمكان تل أبيب، الآن، التطلع بثقة إلى احتمالات "النصر التاريخي" واليوم العظيم الذي يتباهى به نتنياهو وترامب، لاستغلال الطاقات الضخمة للأنظمة النفطية والأنظمة القمعية في المنطقة.. إنه الحصاد الهائل للأدوار والوظيفة المناط بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد منذ بداية الثورات العربية، وقيادته لتمويل الثورات المضادة مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وإيجاد بيئة ملائمة وفرتها أنظمة قمعية ووحشية على امتداد الرقعة العربية في القاهرة ودمشق واليمن.
بمقدور
إسرائيل والحركة الصهيونية الاطمئنان أكثر حول أكبر مشاكلها المزمنة في الوجود، والحل المثالي الذي يقدم لها ليس بتطبيع العلاقات ولا بتأسيس أرضية لسلام عادل وشامل (الأرض مقابل السلام)، ولا العودة للقرارات الدولية وشرعيتها، بل بإقامة تحالف مع الحركة الصهيونية يتبنى أفكارها ويدعم سياساتها على أرض وشعب محتلين.
والأخطر في كل ذلك، إشهار هذا التحالف في وجه الشعب الفلسطيني والعربي، والاصطفاف في خندق إسرائيل ضد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. الوقاحة الرسمية العربية والبؤس الذي يتلبس مجتمعات ترزح تحت القمع والوحشية والاضطهاد والطغيان والاحتلال هما الضمانة الفعلية الوحيدة لاستمرار إسرائيل في الوجود، وتجذرها بحاجة لأنظمة مجهرية ووظيفية.
تاريخياً، افتقد الفلسطينيون وحركتهم الوطنية الحليف الموازي الذي تحظى به الحركة الصهيونية. حلفاء إسرائيل في المنطقة العربية، ومن أطلق شعار "فلسطين قضية العرب الأولى" حملته الشعوب في وجدانها، ولم تزل تصارع وتكافح لاسترداد كرامة ومواطنة وحرية تقودها نحو معركة دحر الاحتلال والاستبداد، غير أن ما حظيت به قضية فلسطين ومعركة استرداد الحرية والمواطنة من طعن مستمر في ظهرها، عزز أكثر مقولة أن إسرائيل قضية النظام الرسمي العربي الذي يخوض معركة كي الوعي للشارع العربي، وخوض الحروب المدمرة عليه وسحقة بالدبابات والبراميل والصواريخ المتفجرة، حَسّنَ عموماً أرضية التحالف القائمة بين الطاغية والمحتل، وعلى أرضية الخروج من مستنقع المآزق والهزائم التي انكشف عليها دور النظام الرسمي العربي بمؤسساته وقياداته وأحزابه.
في تحالف أبو ظبي وتل أبيب، وتبشير الأخيرة بنوايا عواصم أخرى الالتحاق بركب هذا التحالف، من الرياض والمنامة ومسقط إلى الخرطوم في مرحلة مصيرية من الصراع وخطط الضم الإسرائيلية للأرض والمقدسات، هو تعبير أيضاً عن غلبة الإرادة الواحدة وهيمنتها.
وثمة من يعتبر من عرب التطبيع والتحالف مع الصهيوني أن الفلسطينيين كانوا سباقين في التطبيع، وقراءتهم لواقع الشعب الفلسطيني وقضيته لم تخرج من جعبة المزايدة والمتاجرة بالقضية لمصلحة ترسيخ الوجود الصهيوني.
وعليه، بات على الفلسطينيون البحث عن تحالفهم ووحدتهم الوطنية بعد اتضاح خندق الأعداء. الانتقام من الفلسطينيين قائم وقادم، ومعركة إذلال الشعب الفلسطيني التي يخوضها مع المحتل ستنضم لها أطراف عربية أخرى، بعد نجاح سيسي مصر وأسد سوريا بترتيب بيئة انتشار صهيونية في المنطقة.
من الذي سيفشل هذا التحالف؟ ومن الذي سيقوض أحلام إسرائيل والحركة الصهيونية في المنطقة؟ لا ابن زايد ولا بشار الأسد ولا السيسي ولا غلمان الجلادين والمحتلين.. لم يكن تعويل الشعب الفلسطيني يوما على طاغية ومستبد وخائن وسفاح، من شكل كابوساً وأرق مستمر للفكرة والمشروع الصهيوني منذ أكثر من قرن هو الشعب الفلسطيني والشعب العربي، وكلاهما يخوضان ذات المعركة.
الثورة ضد الطغاة هي ثورة تشير إلى زعزعة إسرائيل، وكفاح الفلسطينيين في صلب حرية شعوب عربية من المحيط إلى الخليج ورمز وتعبير لعدالة انسانية أممية، ومن يمنع تحالف متين بين فلسطين وعمقها العربي هي انظمة العار المنشغلة في كسب ود اسرائيل وأمريكا بعد إخراج التطبيع من حيز السرية إلى التحالف العلني.
والسر في أبوظبي لم يعد سرا، كما في الرياض ودمشق والقاهرة وطهران والخرطوم وبنغازي ومسقط، وما إضاءة مبنى الكنيست الصهيوني بعلم الإمارات إلا صورة تنتظر أن يجلل بعدها برج خليفة بالعلم الصهيوني. ولمن لم يخرج تحالفه السري، فهو واضح في مدن عربية مدمرة، وفي زنازين ومسالخ بشرية، وفي تعاون استخباراتي وظيفي لمحاصرة فلسطين شعباً وأرضاً، وحتى لا تعيش "يوم انتصار عربي" دون سماعه بشعارات طاغية.
twitter.com/nizar_sahli