هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ترتيبات كثيرة كانت في ذهن الشاب الفلسطيني عبد الرحمن جبارة (22 عاما)، من قرية سالم شرقي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، والذي كان يستعد لإقامة حفل زفافه الشهر المقبل، قبل أن تباغته رصاصات الاحتلال الإسرائيلي، وتجعله طريحا بفراش غرفة العناية المكثفة.
كل من يعرف عبد الرحمن يشعر بكثير من
الحزن على حالته الصحية، فهو شاب خلوق طموح يحب خدمة عائلته ولا تفارق الابتسامة
وجهه مهما كانت الظروف، ولكنها الآن غُيّبت دون أي مبرر وباتت أصوات أجهزة التنفس
هي الحاضرة فقط حوله، بحسب شقيقه معتصم.
ويقول معتصم لـ"عربي21" إن
ما حدث مع أخي كان "جريمة إسرائيلية نفذت بدم بارد"؛ حيث قام بها الجنود
بشكل مباشر وليس عن طريق الخطأ مثلا أو خلال التدريبات كما يحدث عادة، أما إصابته
فوصفت بالخطيرة وما زال أمره معلقا بيد الله وحده.
فجر السادس من آب/ أغسطس الحالي أي
بعد يوم واحد من انتهاء عيد الأضحى المبارك كان عبد الرحمن يستعد للمبيت في مزرعة
العائلة التي تحوي أنواعا مختلفة من الحيوانات كما يفعل كل ليلة، حيث يحرسها
ويرعاها ويعتني بها كما اعتاد دوما منذ صغره، وحين توجه في الساعة الثانية فجرا
إلى المزرعة شعر بحركة غير طبيعية حولها، فعلم على الفور أنهم جنود الاحتلال
يقومون بمحاصرتها.
ويوضح معتصم أن شقيقه في تلك اللحظة
لم يواصل المسير إلى المزرعة كي يتجنب الجنود، وعاد أدراجه بكل هدوء فقابلته
مجموعة من الشبان من جيرانه في مركبتهم، وحينها أخبرهم ألا يتقدموا إلى الأمام لأن
جنود الاحتلال يحاصرون المزرعة دون معرفة سبب ذلك.
اقرأ أيضا: إصابة برصاص الاحتلال واقتحام للأقصى واعتقالات بالضفة
أخذ الشبان عبد الرحمن في المركبة
معهم كي يوصلوه إلى منزله، وفي لحظات تمت محاصرتهم من قبل عشرات الجنود
الإسرائيليين الذين خرجوا لهم من جانبي الطريق بشكل مفاجئ، ودون سابق إنذار أطلقوا
الرصاص صوب الجالس في المقعد الخلفي وهو عبد الرحمن، وأصابوه برصاص حي متفجر في
رأسه.
ويشير معتصم إلى أن الجنود بعد ذلك
قاموا بسحب شقيقه خارج المركبة وهو ينزف دما، وسألوه عن اسمه، وأخبرهم قبل أن يفقد
وعيه، وحينها قاموا بإخلائه من المكان ونقله إلى جهة مجهولة علمت العائلة حينها
أنها إلى مستشفى "تل هاشومير" في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
حتى الشبان الذين كانوا في المركبة
لم يسلموا من جنود الاحتلال الذين قاموا باحتجازهم والتحقيق معهم ميدانيا لساعتين،
قبل أن يطلقوا سراحهم وهم في صدمة من هول ما رأوه.
وضع متدهور
عبد الرحمن فقد عينه اليسرى على
الفور بعد إطلاق الرصاصة، بينما ما زالت عينه اليمنى تصارع للبقاء سليمة رغم الخطر
المحدق بها، كما أنه يعاني من نزيف دماغي وينتظر إجراء عملية جراحية في محاولة لإنقاذ
عينه وإزالة شظايا الرصاصة.
ومنذ 15 يوما لم يفارق معتصم شقيقه
في المستشفى الذي لا يسمح لأحد بالوصول إليه إلا من الأقرباء من الدرجة الأولى،
كما أنه يراقب عبد الرحمن ويتحدث معه رغم أنه غائب عن الوعي حتى الآن، ولكنه يخبره عن
أمنياته بأن يعود بابتسامته لينير منزلهم.
العائلة تواصلت مع محامٍ وتقدمت برفع
دعوى قضائية ضد جنود الاحتلال رغم عدم وجود أمل كبير بمحاسبتهم بعدما فعلوه وفقا
لجرائم مماثلة سابقة، ولكنها تأمل أن تحمي هذه الدعوى حق عبد الرحمن الذي تحول في
لحظة واحدة إلى جسد هامد يعيش على الأجهزة فقط.
ويؤكد معتصم أن قوات الاحتلال زعمت
أنها أطلقت النار على عبد الرحمن لأنها ظنت أنه شقيقه الآخر عمرو الذي جاءت
لاعتقاله، حين تزامن اقتحامها لثلاثة منازل تتبع للعائلة في الوقت ذاته، معربا عن
استغرابه من أن يقوم الجنود بإطلاق الرصاص على شاب لمجرد الاشتباه به.
ويضيف: "حتى لو كان المستهدف
شقيقي الآخر عمرو فهو ليس مطاردا ولا مطلوبا لدى الاحتلال ويعيش حياة يومية
اعتيادية ولا يعلم أصلا أنه مطلوب للاعتقال، ولو كان الاحتلال يريد فعلا اعتقاله
لكان استدعاه مثلا، فهذا يدلل على أنها جريمة لحظية لا علاقة لها برواية قوات
الاحتلال، ثم إن عمرو منذ يوم الحادثة وهو يعيش في منزله بشكل عادي ولم تعد قوات
الاحتلال لاعتقاله مثلا لو كان مطلوبا لها كما زعمت".
اقرأ أيضا: استشهــاد فلسطيني إثر دهسه بسيارة مستوطن بالضفة
أما عمرو فيعيش حالة قاسية، حيث فكر
في التوجه إلى مخابرات الاحتلال بعد أن زعمت أنه مطلوب لها وأنه هو المستهدف،
ولكنه في الوقت ذاته تراجع عن ذلك لأنه يريد الاطمئنان على حياة شقيقه، لأنه إذا
دخل السجن فلن يعرف عنه شيئا، وسيبدأ الاحتلال بابتزازه من أجل إعطائه معلومات عن
حالته.
ويؤكد معتصم أن شقيقه عمرو يعمل بين
عدة محافظات ويمر يوميا عن عدد من الحواجز العسكرية، ولو كان مطلوبا كما ادعى
الاحتلال لما جعله يتحرك بهذه السهولة، كما أنه أعرب عن استيائه من هذه الطريقة التي
نفذ بها الجنود إطلاق النار بزعم الاشتباه.
وقال: "حتى لو كان مطلوبا فما هو
الداعي لإطلاق نار على رأس شاب بشكل مباشر دون أي مبرر؟ هل هذه طريقتهم في أن
يخبروا شابا أنه قد يتم اعتقاله؟".
وعلى مدار سنوات الاحتلال رُفعت
العديد من القضايا من قبل فلسطينيين ضد جنود الاحتلال بعد ارتكابهم جرائم مماثلة،
ولكن حتى مع إثبات ارتكابها بالصوت والصورة كما حدث في جريمة إعدام الشهيد عبد
الفتاح الشريف في مدينة الخليل عام 2016؛ إلا أن الجهاز القضائي الإسرائيلي ينحاز
إلى الرؤية الأمنية لمخابرات الاحتلال ويقوم بحماية هؤلاء الجنود.
فقاتل الشهيد الشريف تم سجنه لعدة
أشهر فقط تحت ضغط الحفاظ على صورة "إسرائيل" الديمقراطية فقط بعد تسريب
شريط مصور يوثق عملية الإعدام، بينما كان الشاب ملقى على الأرض دون تشكيل أي خطر على
الجندي القاتل، في حين آلت معظم القضايا إلى المماطلة ثم الإهمال في جرائم مماثلة.
وتعيش عائلة جبارة أياما صعبة للغاية
وهي تنظر إلى عبد الرحمن الشاب الحيوي وهو مسجى على سرير المستشفى غائبا عن الوعي
دون أي مؤشر إيجابي، فيما تتساءل كل يوم عن قيمة حياة الفلسطيني تحت الاحتلال وهو
يعاني من رزمة انتهاكات يومية قد تودي أصغرها بحياته.