أفكَار

أين شعوب الخليج من التطبيع.. هل تتهافت عليه أم تقاطعه؟

الشعوب في مجملها مغيبة من مساعي التطبيع الرسمي مع إسرائيل  (عربي21)
الشعوب في مجملها مغيبة من مساعي التطبيع الرسمي مع إسرائيل (عربي21)

بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1979، والأردن وإسرائيل سنة 1994، بقي التطبيع مع الأخيرة أمرا معيبا ومستنكرا على الصعيد الشعبي في مختلف مستوياته، وكان أي اختراق للموقف الشعبي الرافض للتطبيع من قبل شخص أو أشخاص يعرض أصحابه لحملات شعبية تشجب ذلك السلوك بقوة، وتعبر عن رفضها لها رفضا تاما.
  
وبعد الاتفاق الذي أعلن عنه بين إسرائيل والإمارت العربية في 13 من آب (أغسطس) الجاري، لتكون الإمارات هي الدولة الخليجية الأولى في عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وفي ظل ما تتداوله تقارير إعلامية عن عقد اتفاقيات سلام مع دول خليجية أخرى قريبا، كيف سيكون موقف شعوب الخليج العربي من التطبيع؟ وهل ستتهافت عليه تبعا لأنظمتها السياسية أم سترفضه كما فعل الشعبان المصري والأردني من قبل؟

من اللافت في هذا السياق جرأة بعض السعوديين والإماراتين في مهاجمتهم للقضية الفلسطينية بشراسة، وإشادتهم بالاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، وهو ما اعتبره الناشط السعودي، فهد الغفيلي في تغريدة له على تويتر "لا يمثل رأي الأغلبية من أبناء الشعبين" موجها كلامه للأشقاء العرب الذين يقولون "مصر والأردن طبعتا مع إسرائيل منذ وقت طويل، ولكن طوال تلك الفترة لم نرَ من شعوب هاتين الدولتين جرأة ودناءة واستفزازا كالتي نراها من بعض الإماراتيين والسعوديين" مؤكدا لهم بأن ما يرونه إنما هو من صنيع "الذباب الإماراتي والسعودي".

ولم يكن بعيدا عن ذلك موقف الداعية والأكاديمي الإماراتي أحمد المنصوري، الذي ظهر في مقطع فيديو يتفاخر فيه بالاتفاقية، ويشيد بها، ويتساءل "ماذا استفدنا خلال القرن العشرين بأكمله من المتاجرة بالقضية من الإخوان المسلمين ومن غيرهم ممن تاجر بقضية فلسطين، ولم تظهر لنا نتائج بعد ذلك أبدا".

 


 
وتابع المنصوري حديثه مبشرا بأن "المصالحة التي تمت اليوم سيكون لها وبعدها خير للأمة الإسلامية أجمع ولإخواننا الفلسطينيين، ولن يكون هناك أبدا توسع للإسرائيليين على حساب الأراضي الفلسطينية، سيكون بإذن الله عز وجل خيرا للفلسطينيين وللأمة أجمع"، مضيفا "استتاب الأمن والسلام منهج ديني، التواصل مع الأديان الأخرى أراده النبي صلى الله عليه وسلم.." وهو ما أشاد به حساب "إسرائيل بالعربية" على تويتر وأعاد نشر الفيديو عبر حسابه. 

 

"المصالحة التي تمت بين الإمارات وإسرائيل ستكون خيرا على الفلسطينيين والأمة الإسلامية. كثيرٌ من الأحيان، ما لم يكن بالحرب يكون بالسلم وبالتواصل."
هذا ما يؤكده الدكتور الإماراتي احمد المنصوري قائلا ان المزايدة بالقضية الفلسطينية طوال القرن العشرين لم تؤت بنتائج ابدا@DrAhmedYaqoob pic.twitter.com/MmVVmMxprF



ووفقا لبيان مشترك لـعشرين من نشطاء وأكاديميين وإعلاميين وحقوقيين إماراتيين فإن "سكوت الشعب الإماراتي لا يعني قبوله بهذه الاتفاقية وإقراره بها، فكما هو معلوم للجميع بأنه لا يوجد في الإمارات أي هامش للحرية للتعبير عن الرأي، وكل من يعارض سياسة الدولة فإنه عرضة للتنكيل والسجن وتلفيق التهم الباطلة التي تصل عقوبتها للسجن عشر سنوات وغرامات مالية تصل إلى نصف مليون درهم".
 
وتابع "ويوم أن كان الشعب الإماراتي يملك هامشا من الحرية لم يتردد في الخروج في مسيرات منددة بالعدوان الصهيوني على غزة، وجمع التبرعات نصرة لأهله في فلسطين. وإزاء كل ما تقدم واستلهاما من تجارب إماراتية سابقة كتجربة "لجنة مقاومة التطبيع الإماراتية مع العدو الإسرائيلي" التي تشكلت مع انتفاضة الأقصى عام 2000 كتعبير رافض للتطبيع وسائر أشكال العلاقات مع العدو الصهيوني، نعلن نحن المدونة أسماؤنا أدناه أصالة عن أنفسنا وعن شعب الإمارات الحر الرفض التام لهذه الاتفاقية مع العدو الصهيوني ونؤكد أنها لا تمثل الشعب الإماراتي".

من جهته قال الناشط الحقوقي الإماراتي، أحد الموقعين على البيان، خالد عبيد "الأجيال الحالية من شعوب الخليج تشربت قضية فلسطين منذ الصغر، ومشاهد القصف والدمار التي يقوم بها الكيان الصهيوني على أهلنا هناك، ومشهد الطفل محمد الدرة وحملات التبرعات والمسيرات والمظاهرات المناصرة لإخواننا في فلسطين لم ولن تختفي من أذهان هذه الشعوب العربية الأصيلة". 

وأضاف عبيد في تصريحاته لـ"عربي21": "في تقديري أن هذه الأزمة كاشفة وفاضحة، عرت الأنظمة الخليجية وأبدت ما كان مخفيا ومستورا، والنتيجة في نظري أن الحكومات في موقفها العميل والخائن ستكون منفردة ومنبوذة من غير ظهير شعبي يدعمها ويساندها، ولن يجدوا حولهم غير المرتزقة والمتزلفين وهم قلة رغم صوتهم العالي، لكن الغالبية العظمي برأيي ستكون ضد العمالة والخيانة".

 


 
وأردف: "المرحلة القادمة هي مرحلة صراع أفكار، وموقف الأنظمة موقف ضعيف جدا وهش، والانتصار والغلبة بإذن الله ستكون للشعوب الخليجية المسلمة" لافتا إلى أن "الإمارات بدأت بتهديد مواطنيها والمقيمين فيها بأن من يخالف توجهات الدولة وسياساتها سيتعرض للمساءلة القانونية".
 
وتابع: "والتي تعرض أصحابها للسجن وغرامات مالية تصل إلى مليون درهم (270 ألف دولار تقريبا)، ومن الممكن أن تتخذ بعض الحكومات الخليجية مثل هذه السياسات، لكن مثل هذه الإجراءات في نظري لن تغير الأفكار والقناعات، وهذا هو لب القضية وجوهرها".
 
بدوره قال أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، محمد السعيدي "كانت الشعوب العربية كلها خاضعة لتيارين قويين الأول: التيار الإسلامي الخالص، والثاني التيار القومي الخالص، وكلا التيارين كانا يحولان بقوة بين الشعوب وبين التطبيع الشعبي مع اليهود الصهاينة المحتلين".
 
وواصل: "وفي الوقت الحاضر لا ننكر أن التيار الإسلامي الخالص قد خسر شعبيا خسارة يصعب الآن تحديد نسبتها لصالح التيار الليبروإسلامي، أو ما يمكن تسميته بالإسلام (الراندي، نسبة إلى مؤسسة راند الأمريكية) وهو تيار اكتسب قوته الشعبية بتأثير الإعلام التركي والإعلام الحزبي البراغماتي الذي أصبح يكيف الإسلام وفق ما يشتهيه سياسيا" على حد قوله. 

 



وتابع حديثه لـ"عربي21": "فيثني على التطبيع إذا جاء من تركيا وقطر، ويذمه إذا جاء من الإمارات، ولا يبالي بمواقفه القديمة الصلبة في كل المواقف ومع كل الأطراف، وهذا التذبذب لا شك أنه لا يخفى على الشعوب، وستكون هي أيضا براغماتية ربما تذم التطبيع وتلعنه، ولكنها ستتعامل وفقه".
 
وأردف: "وكذلك فقد ضعف وجود التيار القومي في البلاد العربية، ومنها الخليج لصالح التيار الليبرالي، فقوميو الأمس أصبحوا ليبراليي اليوم، والفكر الليبرالي ليس لديه قضية مبدئية مع الصهاينة، لهذا فإنني أعتقد أن التعامل الشعبي مع الصهاينة سيكون أكثر لينا من ذي قبل، ولا أستطيع أن أحدد نسبة هذه الليونة".
 
وعن موقف السلفيين من قضية التطيبع أوضح الأكاديمي السعودي السعيدي أن "التيار السلفي المتوازن في مسألة التطبيع، ينظر إليها من أكثر من جهة" متمنيا "أن يكون تأثيره هو الأقوى" لأنه "تيار لا يرى إمكانية وجود محبة ومودة بين المسلمين والصهاينة، ولا اعتراف بالوجود، لكن في المقابل يرى للسياسي عند الضرر أو الضرورة المحققة القيام بالقدر الذي يحتاجه الموقف من التطبيع على هيئة هدنة أو صلح، ويرى تقدير الضرورة والمصلحة منوطا بالسياسي نفسه" وفق عبارته. 

وبحسب مراقبين فإن دولة الإمارات العربية، وربما دول خليجية أخرى في حالة توقيعها لاتفاقيات سلام مشابهة، ستمارس ضغوطا وإكراهات على شيوخ ووجهاء المجتمع، وشخصيات أكاديمية وإعلامية وحقوقية لإجبارها على إعلان موقف مؤيد لاتفاقية السلام الإماراتية، وتكرهها على التطبيع مع قطاعات المجتمع الإسرائيلي، ليسير التطبيع الشعبي في خط متواز مع التطبيع الرسمي.
 
وتعليقا على فيديو ظهر فيه الشيخ محمد بن علي الشامسي الإماراتي يتحدث فيه عن أن قبيلة الشامسي تؤيد الاتفاقية بين الإمارات وإسرائيل، قال الناشط السياسي والحقوقي الإماراتي حمد الشامسي عبر حسابه على تويتر "إجبار وجهاء المجتمع وإخراجهم لمباركة هذه الاتفاقية، اتفاقية العار مع الكيان الصهيوني هو إهانة لهم ولقبائلهم وللمجتمع.. الحكومة الإماراتية استهلكت كل رصيدها".

 

اجبار وجهاء المجتمع واخراجهم لمباركة هذه الاتفاقية، اتفاقية العار مع الكيان الصهيوني، هو إهانة لهم ولقبائلهم وللمجتمع ...

الحكومة الإماراتية استهلكت كل رصيدها ... pic.twitter.com/x3dhya9y9N

التعليقات (1)
بلون
الجمعة، 25-09-2020 10:24 ص
هذا انفاق بين الذئب و الخراف