هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من حق "دولة" الإمارات العربية المتحدة أن تستغرب هذه الهجمة الشرسة عليها وعلى "قيادتها" بعد إعلانها عن ترسيم علاقتها "الآثمة" المستمرة منذ سنوات مع الكيان الصهيوني، وهي التي لم تسع إلا لـ "تتجاوز الإرث البشع من العداء والنزاعات نحو مصير من الأمل والسلام والإزهار".
للتطبيع فضائل لا يعلمها إلا يوسف العتيبة الذي تحول لكاتب كثير التردد على صفحات الجرائد الإسرائيلية للتأكيد على ضرورة وقف ضم الأراضي الفلسطينية وغور الأردن مقابل تطبيع العلاقات، وكأنه يملك مفاتيح الحل أو أن "دولته" كانت يوما طرفا في الصراع.
الإمارات التي عاثت في تزوير التاريخ فسادا ونسبت لأسلافها شرف اختراع الكابوتشينو، تظن أن الذاكرة العربية قصيرة وأن الرواية ملك تصرفها تحكيها كما تشاء وفق "قراءة جديدة للمنطقة"، أرادها مساعد وزير الخارجية الاماراتي لشؤون الثقافة والديبلوماسية مناسبة للتأكيد على أن بلاده تخدم "مصلحتها السيادية" وهي "المؤمنة بقوة بحقوق الفلسطينيين".
السيادة هي كلمة السر التي حاول الإماراتيون أن يتخفوا خلفها تبريرا لإعلان كان منتظرا ولم يشكل مفاجأة إلا في هرولته غير المسبوقة وكأنه زواج قسري أو نزوة عابرة لا يقدر المهرولون إليها العواقب أو هم لا يأبهون لها. أنور قرقاش يرى من جانبه أن "تغيير المشهد بات ضروريا لتجاوز مصطلحات مؤلمة مثل النكبة والنكسة والحروب الأهلية".
الإمارات ترى الحل في نسيان النكبة وتكريس النكسة واقعا عربيا أليما في مواجهة الحليف الصهيوني ومن لم يعجبه الأمر فجمال خريطان، أحد رموز المرحلة الصاعدين، يحيله على طريق المطار "ايلي يودي ولا يجيب".
لقد كبرت الإمارات العربية المتحدة وصار لها شأن وهي التي تعتقد أن خزينتها المفتوحة على تبييض الأموال المشبوهة كفيلة بأن تشتري لها تاريخا ومكانة ومواقف مؤيدة دون حساب. تلك أشياء لا تشترى كما قال الشاعر أمل دنقل متنبئا بما آلت اليه الأوضاع اليوم منذ عقود.
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى...
المال لم يعد يكفي دونالد ترامب فقد غرف منه الملايير من قوت الشعوب الخليجية وتنميتها. هو اليوم بحاجة إلى "نصر" يواجه به فشله في صد كورونا عن قتل الأمريكيين، وفشل صفقته للقرن التي لم يتعد تأثيرها الغرفة التي شهدت مهرجان التصفيق بحضور سفراء الدول المطبعة والمرشحة للفعل محللين لزيجة حرام. لأجل ذلك تتسارع الرحلات المكوكية المباشرة بين مختلف العواصم العربية وتل أبيب فلا وقت للمرور عبر محطات ترانزيت لعل ذلك يسفر عن فقاعات أخرى تدعم موقف الكفيل الأمريكي للاستمرار سنوات أرع تالية يحتاجها المكفولون لتثبيت قبضتهم على البلاد والعباد.
الكيان الصهيوني ليس بحاجة في واقع الأمر لـ "دول" محدثة، عمرها أصغر من عمر النبتة الخبيثة التي استوطنت المنطقة منذ قرن أو يزيد، لإثبات وجوده فهو أمر واقع يعربد في الشرق الأوسط ويصول ويجول، بل هو أمس ما يكون في حاجة لاتفاقات تجارية تنقذه من الإفلاس الذي يتجه إليه بخطى ثابتة لا تخطئها العين المراقبة. والإمارات وغيرها من دول الخليج، على الخصوص، سوق تجارية كبرى للبحث عن الصفقات. ولأن المنطقة سوق استهلاكية ليس إلا فلا أفضل منها قدرة وقربا جغرافيا لتصريف المنتوج.
أما "السيادة" والاعتراف الدولي فالباحث الأكبر عنهما هم عسكر يحكمون بالبندقية وأولياء عهود تراموا على الملك من بوابة عجز الآباء والإخوان.
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم ـ الآن ـ صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ ـ بذؤابته ـ لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف
الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس خطوة شجاعة كما تروج له الآلة الإعلامية الإماراتية ولا بياناتها الرسمية. الهرولة بهذا الشكل الذي نعيشه، مع سيل الضربات الموجعة التي تتلقاها من الحليف الجديد وليس أقلها تسفيه تبريرات وقف الضم ومعارضة صفقات منتظرة لشراء الإف 35، دليل على ضعف ومهانة وانعدام رؤية وبصيرة. التاريخ يظهر ما آلت إليه أحلام السابقين وهم الذين كان لهم مع العدو الصهيوني جولات كر وفر وحروب. شرف الحرب لا يناله إلا الشجعان والتحجج بـ "سلام الشجعان" مجرد فذلكة لغوية أسقطتها بيانات إدانة وانسحابات مثقفين أفقدت المطبعين الصواب.
للتطبيع كما قال يوسف العتيبة فضائل، وليس أولها أنه فضح درجة العجز والخوف المسيطران على المهرولين من مجرد ريتويتات لمقالات لا يملكون شجاعة الاحتجاج لدى كاتبيها الأصليين، أو رسوم كاريتاتورية تفضح الصفعات المتوالية على خدودهم، أو بيانات منظمات كاتحاد الكتاب التونسيين بعد انسحابات متتالية لمثقفين، لا يمكن تصنيفهم في دائرة البعبع الإخواني، مخضرمين أو شباب سيكبرون حتما وهم متمسكون بالحق الفلسطيني قضية قومية وساخطين على المطبعين والداعين إليه.
دعك ممن يدعون أنهم تربوا على القضية الفلسطينية كعبد الله عبد الخالق الذي لم يجد من تعليق على الأمير الأردني علي بن حسين غير تعبير "عيب سمو الأمير" وهو الذي لم يجد فيما فعله ولي أمره ما يعيب. دعك من فنانين يخافون فقدان ريع السهرات والحفلات الخاصة منها والمفتوحة للجمهور وعطايا الشيوخ. دعك ممن يكتبون من محبرة القمع والذل والهوان والعبودية الطوعية منادين بضرورة التخلي عن تحرير الأقصى، فكل هؤلاء فقاعات يعرف أسيادهم قبل الآخرين ألا تأثير لهم في الوعي الجمعي.
السيادة هي كلمة السر التي حاول الإماراتيون أن يتخفوا خلفها تبريرا لإعلان كان منتظرا ولم يشكل مفاجأة إلا في هرولته غير المسبوقة وكأنه زواج قسري أو نزوة عابرة لا يقدر المهرولون إليها العواقب أو هم لا يأبهون لها.
لا تصالح لم تعد من أخلاق عرب "الجاهلية الجديدة" بل صارت "لا تقاوم" الكلمة السر لاسترضاء الأمريكان والحلم من الاستبعاد من لوائح الدول الداعمة للإرهاب. اللاءات الثلاثة لدى الحكام مجرد ذكرى أو هكذا يتمنون. والجامعة العربية أضعف من عقد جلسة طارئة دعا لها أصحاب الشأن، فالجلسات والقمم الطارئة محصورة على الإمارات لاستدرار التضامن العربي ضد احتلال الجزر الثلاث، أو السعودية لتأكيد الدعم العربي في مواجهة صواريخ وضربات الحوثيين.
لقد أظهرت ردود الفعل على "الخيانة" الإمارتية أن تبريرات مرتكبي الفعل المشين أوهن من بيت العنكبوت على عكس ما يدعون. هكذا استنجدوا بمنظمات ورقية كرتونية في مواجهة اتحادات أصيلة متجذرة وحقائق لا تحتاج إلى دليل. لقد أخرجت مفسر الأحلام وسيم يوسف لينطق بفحش الكلام في مواجهة العرب مقابل انبطاح لغوي كُتِب له بالانجليزية ليصدح به مغردا بعد طول غياب.
لقد اعتبر من هبوا للدفاع عن موقف أبو ظبي مظاهر الاحتجاج على خطوتها استعادة لعقلية حرب البسوس والصراع بين بكر وتغلب وهي التي كانت تنتظر من العرب أن يصرخوا بلسان واحد أن "العدو الحقيقي هو ايلي يسبك وينكر تضحياتك ووقفتك معه ويسبك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين" كما جاء في مسلسل "مخرج 7" المعروض في رمضان الماضي من على أرض الإمارات، أو تبييض وجه الاحتلال وأنسنته كما روجت له قنوات تبث من نفس الإمارات خلال نفس الشهر مع مسلسل "أم هارون". أم هارون الحقيقية أظهرت أنها لا تختلف كثيرا عن الصهاينة قهي الداعية إلى تهجير الوافدين ورميهم بالصحراء.
الاعتذار للإسرائيليين صار فرضا في دين وسيم يوسف فـ "الصهاينة أشرف من الفلسطينيين" صاروا لمجرد أنهم مزقوا صورة ولي النعمة وأحرقوا علم "بلاده" بالتجنيس. اجتزاء الفتاوي بما يخدم الحاكم المستبد، أو إصدار أخرى تجعل التطبيع من صلاحيات ولي الأمر حصرا لا يناقش أو يحاسب عليها بالشرع وبالقانون المحلي الذي يعاقب على الفعل، فضيلة أخرى من فضائل التطبيع.
وتبقى الفضيلة الأكبر أن تحرير الأرض بيد أصحاب الحق حصرا برغم أن القضية قضية أمة كاملة. الفلسطينيون الذين حولوا الأراضي "المحررة" إلى وطنين وهميين. الوهم في رام الله واقع وهو كذلك في غزة، وفي ظل صراع الإرادات بين المعسكرين، يتأجل حلم التحرير، ويصبح للمهرولين القفز على قضايا الأمة سلاح يشهرونه في وجوه من يسمونهم "تجار القضية وسماسرتها".
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!