شارفت
الاحتياطيات من العملات الأجنبية وغيرها في البنك المركزي
اللبناني على بلوغ النقطة الحرجة، أي عدم القدرة على مواصلة دعم السلع الأساسية (قمع- دواء-محروقات)، وتاليا الوصول إلى الاحتياطي الإلزامي، حيث القانون يلزم بعدم المس بهذه المبالغ المودعة، مع معرفتنا بأن مصرف لبنان تجاوز حدوده في كثير من المعاملات من الهندسات المالية عبر الانكشاف غير المسبوق تجاه الدولة المفلسة، والعبث في أموال المودعين، مضافا إليها عدم إقرار كابيتل كونترول ينظم عمليات السحب والإيداع. وفي ذلك ضياع للناس وأموالهم، حتى غدوا كالمتسولين لأموالهم على أبواب المصارف في مشهد يدمي المقل على كبار السن في رحلة بحثهم عن ثمن دواء واستشفاء، وللأسف لا مجيب.
ما هي الاحتياطيات وما دورها؟
الاحتياطي النقدي هو الودائع النقدية التي يجب على
البنوك التجاريّة إيداعها في خزائنها أو في البنك المركزي، وتحتفظ البنوك بهذه الاحتياطيات لمقابلة التدفق الخارجي للودائع (مواجهة أي سحب مفاجئ من قبل العملاء لأموالهم لدى البنك). وتنقسم احتياطيات البنوك إلى:
- احتياطي زائد: جزء من الودائع تحتفظ به البنوك التجاريّة في خزائنها أو تستثمره في نشاطها.
- احتياطي إلزامي: نسبة يحددها البنك المركزي وتلتزم بها البنوك، وهي في لبنان 15 في المئة.
كيف يؤثر الاحتياطي النقدي على القطاع المصرفي؟
عندما تقوم البنوك بخفض قيمة الاحتياطي النقدي لديها، سينعكس ذلك بالزيادة على الأموال في النظام المصرفي، وبالتالي القدرة على إقراض الأفراد والشركات، حيث ستزداد الأموال المستثمرة من قبل البنوك وعندها تكون هذه السياسة توسّعية.. والعكس صحيح، أي عند زيادة الاحتياطيات النقدية يحدث انكماش
اقتصادي، حيث يحد ذلك من كميّات الأموال في النظام المصرفي، وبالتالي التأثير على القروض المقدمة للأفراد والشركات وتكون السياسة انكماشية. فما بالك لبنانيا، حيث الانكماش القاتل ممزوجا بتضخم مفرط بلغ أرقاما فلكية وقياسية بما يقارب 462 في المئة بحسب العارفين، وربما أكثر، مع أسعار دولار لا ترحم ولا تبقي ولا تذر، وسياسيين كأنهم خارج المكان والمحيط، حيث ما زالت روائح نترات الأمونيوم في أنف كل اللبنانيين إلا أموات الضمائر!
ما هو الاحتياطي القانوني الإلزامي ودوره في الاقتصادات الوطنية والدينامية المصرفية؟
الاحتياطي القانوني أو الإلزامي هو النسبة الإجبارية التي يحددها البنك المركزي من ودائع العملاء لدى كل بنك، وتودعها البنوك لدى المركزي دون أن تحصل على عائد مقابلها، وتعد أحد أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها المركزي للتحكم في الأسواق وفي تحديد نسبة السيولة في الاقتصاد. هذه النسبة في الأصل تُودعها البنوك لدى المركزي لضمان سلامتها، وبما يضمن عدم تعرض البنك المودع للاحتياطي لأي مخاطر في حالة حدوث سحب جماعي من العملاء لودائعهم منه، ورفع هذه النسبة يمثل زيادة في تكلفة البنوك نتيجة للفرصة الضائعة من عدم استخدام رصيد تلك النسبة ضمن السيولة المستثمرة.
ويستخدم الاحتياطي الإلزامي أو القانوني كإحدى أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي للتدخل في السوق عبر سحب أو زيادة السيولة، بما يسهم في التأثير على معدلات التضخم، خاصة من ناحية العوامل المتعلقة بالطلب، حيث كلما زادت السيولة ارتفع الطلب على شراء السلع، ومن ثم ارتفعت معدلات التضخم، والعكس صحيح.
أما الحالة اللبنانية فالأمور مستعصية لحدود التفكير في استخدام الاحتياطي القانوني في تمويل العمليات التجارية.. وفي ذلكم جريمة موصوفة بكل المقاييس الاقتصادية والمصرفية والاجتماعية وحتى الإنسانية.. فيا أصحاب الحل والعقد، ألا يكفي اللبنانيين ما بهم من فيروس كورونا إلى شبه الحجز على الودائع، وصولا إلى الشلل الاقتصادي، بلوغا إلى "بيروتشيما" (انفجار المرفأ) حيث الدموع لم تكفكف حتى اللحظة؟!
لقد قال حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، إن المصرف المركزي لا يمكنه استخدام احتياطه الإلزامي لتمويل التجارة بمجرد بلوغه الحد الأدنى، وتابع أن البنك سينهي الدعم لمنع نزول الاحتياطي عن 17.5 مليار دولار. ولكن هل يبقى الكلام كلاما؟ حيث أننا في زمن التجاوزات في كل شيء، زمن فيه الأرقام وجهة نظر والدستور وجهة نظر، حتى الاعتداء على أموال الناس باتت وجهة نظر..
الاحتياطي الإلزامي وتوظيفه القانوني..
إن المسألة المطروحة حالياً تنحصر حول ما إذا كان ينطبق (بنعم أم لا) على الأموال التي يتوجب لزوماً بقوة القانون على المصارف؛ أن تودعها لدى مصرف لبنان بالدولار الأمريكي (بمقتضى نصوص تنظيمية مُلزمة).. المبدأ والمعايير ذاتها المفصّلة أعلاه والمتعلقة بالودائع العادية، وتاليا، إذا اعتُبرت المبالغ المودعة إلزامياً بمثابة ودائع غير إلزامية، جاز لمصرف لبنان استعمالها، فهل هناك من يجرؤ على مزيد من الإمعان في ظلم اللبنانيين في أبسط حقوقهم؟!
وعليه، لا يكون جائزاً لمصرف لبنان استعمالها إذا كانت تخضع لوصف أو طبيعة قانونية مختلفة. وبتعبير لا يقبل التأويل: هل يمكن لمصرف لبنان استنفاد سيولته من دون احتفاظه بالمبلغ الكافي لتغطية هذه الودائع الإلزامية؛ التي تشكّل جزءاً من مطلوبات في ميزانيته المعلنة والمنشورة في الجريدة الرسمية؟!
للإحاطة بهذه المسألة، لا بدّ بدايةً من الرجوع إلى تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 86، المتعلق بتوظيفات المصارف الإلزامية. وقد أوجب هذا التعميم بموجب مادته الأولى على المصارف كافة أن تودع لدى مصرف لبنان نسبة 15 في المئة من جميع أنواع الودائع، مهما كانت طبيعتها، والتي تتلقاها بالعملات الأجنبية. وقد نتج من التزام المصارف بإيداع هذه النسبة الإلزامية وجود مبلغ 17.5 مليار دولار أمريكي تقريباً لدى مصرف لبنان، يشكّل جزءاً من مطلوبات هذا الأخير.
بين الراغبين والرافضين أين الناس في حساباتكم..
إن المدافعين عن نظرية جواز استعمال مصرف لبنان للأموال المودعة لديه إلزامياً من قِبل المصارف، يستندون إلى حجتين أساسيتين هما:
أولا: لا وجود لنص مانع صريح في القانون يقصي أو يستبعد جواز استعمال مصرف لبنان لهذه الأموال.
ثانيا: إن نص التعميم الأساسي رقم 86 لم يصنّف المبالغ المودعة على أنّها احتياطيات إلزامية بل اعتبرها "توظيفات إلزامية"، وذلك خلافاً لنص تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 84 الذي فرض في مادته الثالثة على المصارف "تكوين احتياطي إلزامي نقدي لدى مصرف لبنان على مجموع الالتزامات الصافية بالليرة اللبنانية، الخاضعة للاحتياطي الإلزامي".
لذلك، لا بدّ من الرجوع إلى أحكام قانون النقد والتسليف الذي هو أقوى من كل التعاميم، الذي هو الأساس ويستمدّ منه مصرف لبنان صلاحياته باتخاذ التدابير الملائمة، ويضع التنظيمات الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها والحفاظ على سيولتها وملاءتها.
لقد منحت المادة 76 من قانون النقد والتسليف لمصرف لبنان صلاحية اتخاذ التدابير التي يراها ملائمة في سبيل الإبقاء على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف من جهة، وبين مهمته العامة المحدّدة في المادة 70 بالمحافظة على سلامة النقد وسلامة أوضاع النظام المصرفي والمالي. من هنا يبرز السؤال الكبير: مسؤولية من وصول الحال إلى ما هو عليه في مصرف لبنان وغيره من وزارات الهدر ومجالس بموازنات مستقلة وفجوة مالية هائلة؟! لعل التحقيق الجنائي المالي الموعود عبر الدولة الفرنسية أو سواها يصل إلى المتلاعبين بالمال العام في كل الوزارات، حيث تشكل مستندات مصرف لبنان مدخلا إلى كل الوزارات للضرب على يد الفاسدين مهما بلغوا؛ في بلد اعتادت فيه التحقيقات الوقوف في مكان ما عند المحظيين والمحميين، في زمن كثرت فيه المحميات السياسية والخطوط الحمراء الطائفية والمذهبية!!
في أوقات
الأزمات الكبرى تجنح الدول المتخبطة والتائهة بطبيعتها إلى استنفاد الموارد المالية لديها بشتى الوسائل لمواجهة الضغوط المالية والاقتصادية، ويحاول استنباط حجج وحلول قانونية تجيز له التصرّف بتلك الموارد لمواجهة ضرورات المرحلة.
إن الخطورة في عدم القدرة على الدعم للسلع الضرورية في القادم من الأيام يعني أن ربطة الخبز قد تبلغ 10 آلاف ليرة لبنانية، وعلبة البندول (مسكن ألم) 20 ألف ليرة لبنانية، وتنكة البنزين 65 ألف ليرة، وتنكة المازوت 40 ألف ليرة.. فمن له القدرة على احتمال ذلك مع تضاؤل القدرة الشرائية للبنانيين، وانخساف الرواتب إلى 20 في المئة من القيمة الحقيقية، حيث كل السلع مستوردة بالدولار، والدولار يحلق عاليا آكلا 80 في المئة من قيمة الليرة، وفي ذلك وجع يضرب كل البيوت ويعمق الفجوة بين الناس وحاكميهم؟
فمن يدفئ ليالي اللبنانيين في الأيام القادمة، حيث الجيوب الباردة، والبرادات الخاوية؟ والأمعاء الخالية؟ فالتقارير تتحدث عما يقارب 65 في المئة بين خط الفقر ودونه، ولا زالت السلطة السياسية في واد ومتطلبات الشعب المنتفض ومعه المجتمع العربي والدولي في واد آخر، وخصوصا فرنسا التي تبذل مجهودا استثنائيا ولا من يسمع. وعلى ما يقول البطرك الماروني بشارة بطرس الراعي: "وكأنهم مفصولون عن الواقع، وكأن انفجار 4 آب لم يحرك ساكنا ولم يهز الضمائر النائمة في سبات عميق".
والسؤال: إن لم نستطع الوصول إلى حكومة ترضي الناس والأسرة الدولية وصندوق النقد، من أين ستأتي الدولارات الجديدة (فريش)؟ وتاليا هل ترتفع فتاوى جديدة للمس بأموال الناس مجددا عبر ضرب الاحتياطيات الإلزامية؟!
إنّ شعرة معاوية الفاصلة بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في أمور المالية العامة، بالرغم من تعقيداتها، تبقى واضحة وبسيطة لمن يريد أن يرى في زمن العمى. ببساطة، ما هو غير جائز قانوناً خارج وقت الأزمات يبقى غير جائز خلالها، وتاليا بالصوت العالي: ارفعوا أيديكم عن أموال المودعين (ودائع واحتياطيات) في المصرف المركزي والمصارف العاملة في لبنان.