عقد رئيس حكومة الانقلاب في
مصر مصطفى مدبولي، قبل
يومين، اجتماعا لمتابعة مشروع إنشاء سد ومحطة "جيوليوس نيريري" على نهر
"روفيجي" في
تنزانيا.
وأوضح بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري أن بناء السد ينفذه
تحالف مصري يضم شركتي "
المقاولون العرب" و"السويدي إليكتريك".
وأكد مدبولي أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، كلف بتنفيذ
مشروع إنشاء سد ومحطة "جيوليوس نيريري" بدولة تنزانيا على أعلى مستوى، بحيث
يكون معبرا عن قدرة قطاع المقاولات المصرية على إنجاز المشروعات الكبرى بأعلى جودة.
وكان تحالف شركتي "المقاولون العرب" و"السويدي
إليكتريك" (شركة مصرية) قد فاز بعقد بناء السد التنزاني في منتصف عام 2018، حيث بوشر العمل بالمشروع.
في المقابل شكك خبراء في جدوى بناء السد، وكشفوا أن
السعر الذي تقدمت به "المقاولون العرب" أقل بكثير من التكلفة الحقيقية،
متساءلين كيف ستتحمل الشركة المصرية هذا الفرق.
"الفخ القاتل"
وفي سياق تعليقه كشف خبير السدود الدكتور محمد حافظ، أنه
تم إرساء المناقصة على شركة "المقاولون العرب" بسعر 3.6 مليار دولار، وهو
السعر الأرخص من بين (70) شركة دولية دخلت المناقصة، ومع ذلك فقد "فوجئنا بتخفيض قيمة
(المناقصة) من 3.6 مليار دولار إلى 2.9 مليار فقط، عند توقيع العقد"،
مضيفا أن "ما زاد الطين بلة أن تنزانيا عدلت في مواصفات السد الأساسي، فبدلا من
أن يكون (خرسانة مدكوكة) تحول إلى (سد مقوس مسلح)، وهو أكثر كلفة من السدود الخرسانية
وأعقد في التنفيذ؛ فالسد الركامي يعادل (عربية سيات)، بينما السد الخرساني المدكوك
يعادل (عربية تويوتا)، بينما السد المقوس المسلح فهو (مرسيدس السدود)، كما أنه أضيف قرابة
3.0 كم على أطول السدود الركامية المساعدة حيث وصل إجمالي أطوالها إلى 16.3 كم بدلا
من 13.1 كم".
وأضاف حافظ في حديثه لـ"عربي21": "الأخطر
هو أن هناك شرطا جزائيا يتضمن أنه في حال عدم التسليم في الوقت المتفق عليه، فإن الشركة
المنفذة ملزمة بتعويضات بقيمة الكهرباء التي سينتجها السد، وهذا شرط مجحف يضاف إلى
السلبيات السابقة، فضلا عن التزام شركة "المقاولون العرب" بتسليم المشروع
بعد 39 شهرا من تاريخ توقيع العقد، وهذا يعتبر تحديا كبيرا جدا بل مصيبة كبيرة، لأن
"المقاولون العرب" ليس لديهم الوقت الكافي لعمل أبحاث الموقع على مساحة كبيرة
جدا تحت موقع السد الأساسي والسدود المساعدة، فقد يتطلب الأمر عمل (تحسين للتربة) وهو
أمر يحتاج لوقت قبل تنفيذ الأساسات بما يعد فخا قاتلا للشركة سوف يكلفها الكثير".
وختم بالقول: "بعض المثمنين العالميين قدروا التكلفة
النهائية لهذا السد بحوالي تسعة مليارات دولار، ومن هنا يأتي التساؤل حول توجيه السيسي
بسرعة تنفيذ السد".
"غياب الرؤية"
أما مساعد وزير الخارجية الأسبق عبدالله الأشعل فقال إن ما
يجرى بشأن هذا السد "لن يعود على مصر بأي فائدة، بل يمثل عبئا عليها، خاصة في
ظل قبولها ببناء سد تكلفته تقترب من التسعة مليارات دولار، في حين أنها قبلت المشروع
عبر شركة "المقاولون العرب" بحوالي ثلاثة مليارات فقط، والسؤال هنا من الذي
يدفع فارق التكلفة هذه والبالغة ستة مليارات دولار؟ مجيبا: بالتأكيد هو الشعب المصري
الذي لن يستفيد كثيرا ولديه ما يثقل كاهله بأعباء أخرى".
ويضيف الأشعل لـ"عربي21": "ما يجري بشأن هذا
السد أو غيره من قضايا خارجية خاصة في أفريقيا يعكس عدم وجود رؤية أو سياسة خارجية
حقيقية، ولكن يمكن القول إن هناك عمى في هذه الرؤية وهذه السياسة، حيث صارت الأمور
كلها تتم بتصرف فردي وليس مؤسسي، وهذا ما جرى بشأن هذا السد وكذلك سد النهضة وهو ما
أوصلنا لهذا المأزق الخطير بشأن سد النهضة، وغيره من الأزمات الأخرى، رغم أن مصر صاحبة
مدرسة عريقة في السياسة الخارجية، ولكن عندما تصير الرؤية رؤية فرد فلا بد أن يحدث أكثر
من هذا".
"تنفيذ أوامر"
من جانبه قال رئيس حزب البديل الحضاري تحت التأسيس أحمد عبد
الجواد: "الاستفادة من مياه النيل في بلاد غير إثيوبيا كالكونغو هو ما يجب فعله،
لكن الذهاب إلى تنزانيا وغيرها فالأمر لا يعدو كونه تنفيذ أوامر صهيونية إماراتية،
حيث العلاقات بين تنزانيا والكيان الصهيوني وكذلك الإمارات علاقات متشعبة ومتجذرة،
وأبوظبي وقعت اتفاقيات عدة تشمل مشروعات طرق وبنية تحتية وموانئ هناك".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "أما علاقات الكيان
الصهيوني مع تنزانيا، فقد ازدادت خاصة في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي العام الماضي،
واستطاع الكيان استعادة علاقات دبلوماسية مقطوعة منذ نصف قرن، ووقعت اتفاقيات عسكرية
ومشروعات اقتصادية وتدشين خطوط ملاحة جوية لأول مرة، وهذا يعني أن هناك تحركا ثلاثيا
باتجاه تنزانيا وأفريقيا وهو بالتأكيد ليس في صالح الشعب المصري".